لهذه الأسباب.. المفتشون يطالبون بإصلاح المفتشية العامة
يعتبرون أن وزارة التربية الوطنية تُسير برأسين وأن مفتشيتهم تعد نشازا بين كل المفتشيات
أحمد امشكح نشر في المساء يوم 25 - 06 - 2013
في الوقت الذي تعتبر وزارة التربية الوطنية أن إصلاح اختلالات القطاع في حاجة لتظافر جهود هيئة التفتيش إقليميا وجهويا، يبدو أنها تغض الطرف عن حالة المفتشية العامة مركزيا التي تسير برأسين.
ظلّ محمد الوفا يردّد، في كل مناسبة، أن إصلاح الاختلالات التي
يعرفها قطاع التربية والتكوين لا بدّ أن يرتكز -بالضرورة- على عنصرين هما المدرس، وسلطة التفتيش.. بل إنه، في جل اللقاءات التي عقدها مع هيئة التفتيش، لم يُخف هذا الأمر، واعتبر أن خطوات الإصلاح تفرض إشراك هذه الهيئة لتعود إلى سابق عهدها في التأطير والتتبع، قبل الانخراط في المراقبة. لذلك لم يتردّد الوفا في قبول عدد من المقترَحات التي جاءت بها المؤسسات التي تمثل هيئة المفتشين..
غير أنّ هذا الحماس الذي يُبديه وزير التربية الوطنية وهو يتحدّث عن المفتشين في الجهات والأقاليم والأكاديميات الجهوية لا ينعكس على هيئة التفتيش داخل وزارته.
ويبدو غريبا اليوم أن تتواجد في وزارة التربية الوطنية مفتشية عامة تسير برأسين، وتعتبر نشازا بين كل المفتشيات التي تعرفها بقية القطاعات الحكومية، وهي المفتشية المُوزَّعة بين الشؤون الإدارية والشؤون التربوية.
لقد انطلق العمل بنظام مفتشيتين على رأس وزارة التربية الوطنية على عهد الوزير الاتحادي حبيب المالكي. وقيل وقتها إنّ العملية حرّكتها «ترضية» بعض الخواطر، التي فرضت على الوزير أن يوزع هذه المفتشية إلى ضلعين، أحدهما يشتغل في القضايا الإدارية والثاني في القضايا التربوية.
واستمرّ الوضع، بعد ذلك، على عهد حكومة عباس الفاسي، حيث كان على رأس وزارة التربية الوطنية احمد اخشيشن ولطيفة العابدة.
وفي الوقت الذي ظلّ الكثير من المتتبعين يرون أن وجود وزارة برأسين لن يخدم مصالح هذه الوزارة، التي كانت قد دخلت رهان الإصلاح من خلال المخطط الاستعجالي، وما رُصد له من إمكانيات مالية كبيرة، ظلت المفتشية العامة تعيش وضع التشتت نفسَه، في الوقت الذي كان الوضع السليم يفرض أن تسير القطاعَ مفتشية عامة واحدة بمصلحتين، هما مصلحة الشؤون التربوية ومصلحة الشؤون الإدارية والمالية.
وحينما جاء محمد الوفا إلى وزارة التربية الوطنية، اعتقد الكثيرون أنّ الرجل سيبادر إلى إصلاح هذا الوضع المختلّ، الذي لا تحقق به المفتشية العامة ما يُنتظر منها. غير أنّ ذلك لم يحدُث، ونحن نسير اليوم نحو السنة الثانية من عمر هذه الوزارة..
المثير في القضية، وكما يتداول ذلك العارفون ببيت وزارة التربية الوطنية، هو أنّ المفتشيتين العامتين تسيران من قبَل مبرز في الميكانيك، والثاني أستاذ ثانوي تأهيلي ولا علاقة له بمجال التفتيش.. وهو ما يستدعي يطرح السؤال العريض: كيف قبِل الوزير أن تسند هذه المهام، رغم كل حساسيتها وقيمتها، إلى مَن لا يملك ما يكفي من أدوات النجاح في أدائها؟..
بل إنّ الأكثر إثارة في هذا الملف، الذي أضحى حديثَ الكواليس داخل وزارة الوفا، هو أنهما كانا من قبل مديرين، أحدهما للميزانية والشؤون الإدارية، والثاني مديرا للمناهج.. وبذلك يصعب أن يفتحا ملف هذه المديريات، وما عرفتاه من أخطاء وتجاوُزارت لأنهما في هذه الوضعية سيلعبان دور «الخصم والحَكم» في الآن نفسه..
الطريف هو أنّ المدير السابق للمناهج، والمفتش العام الجديد، ما انفكّ يوجّه سهام نقده للاختيارات التربوية التي عرفتها منهجية الادماج، في الوقت الذي كان من أكبر المتحمّسين لها على عهد الحكومة السابقة، مما يطرح السؤال حول خلفيات كل ما يحدُث في هذه المؤسسة، التي يعول عليها كثيرا لإصلاح اختلالات المدرسة المغربية. لقد طالبت هيئة التفتيش -في أكثرَ من مناسبة- بضرورة الإبقاء على مفتشية عامة واحدة، مع تعزيز مواقعها إقليميا وجهويا، بدلا من هذا الوضع الذي يجعل قطاعا حسّاسا بحجم التربية والتكوين تشرف عليه مفتشية عامة برأسين.. وتضيف في مطلبها ضرورة إسناد هذه المهمّة للمنتمين إلى القطاع.
كما تقترح هيئة التفتيش أنْ تبادر المفتشية العامة إلى تقديم عرض سنويّ يتناول القضايا العامة للقطاع، من المفترَض أن يُعرَض على وزير القطاع وعلى البرلمان وكل الرأي العامّ الوطني، خصوصا حول الملفات الأكثرَ حساسية، كما هو حال ملف تدريس اللغة، ومستوى التلاميذ. كما يجب أن يقدم بعض المقترَحات التي ترى المفتشية العامة أنها ضرورية لإصلاح الاختلالات.. هذا ما لا تقوم به المفتشية العامة لوزارة التربية الوطنية، التي يبدو أنها تشتغل منذ سنوات بدون مخطط عمل ولا تقرير سنويّ.. في الوقت الذي يتحدّث الدستور الجديد عن ضرورة ربط المسؤولية بالمحاسَبة، وفي الوقت الذي ينتظر وزير القطاع مثل هذه التقارير التي يمكن استثمارها لوضع سياسة وزارته، بدلا من أن تظلّ المفتشية تقدم للوزير تقاريرَ «وردية»، بدلا من كشف كل الحقيقة، حتى وإن كانت مستفزّة..
لقد تحدّث الوفا، وهو يستقبل مدراء الأكاديميات الجهوية والنواب الذين تم اختيارهم خلال الحركية التي عرفها القطاع، عن ضرروة إصلاح وتنظيم الإدارة المركزية بعد الانتهاء من إرساء الوضع في الجهات والاقاليم.. كما وعد بذلك النقابات، لكنه لم يفعل، رغم أنه قدّم لذلك تواريخ محدَّدة قال إنها لن تتجاوز شهرَي مارس وأبريل.. اليوم، ونحن نسير إلى نهاية موسم دراسيّ، ما يزال الوضع على ما هو عليه.. وما تزال بعض اللوبيات تتحرّك بحرية كبيرة، ضدّاً على كل خطوات الإصلاح.. ولعلّ أكبر المجالات التي أضحت في حاجة إلى هذا الإصلاح هي المفتشية العامة، التي تسير برأسين أمام أنظار الوزير وأنظار الحكومة ككل، والتي تعتبر الوحيدة في كل القطاعات الحكومية.
هل ينتبه الوفا إلى هذا الأمر؟ فإصلاح حال وزارة بحجم وقيمة التربية والتكوين،
مع كل الاختلالات التي عرفتها وتعرفها، لا بدّ أن ينطلق من البيت الداخلي.