السماء صافية، والشمس ساطعة ترسل أشعتها الدافئة على الرباط، والجو جميل يغري بيوم نضالي حافل... اسقل كريم سيارة أجرة كبيرة وانطلق متوجها نحو ساحة باب الحد، وبينما هو في طريقه الى الساحة بدأ يتخيل الأجواء الإحتفالية التي يرسمها الأساتذة وتبدعها الأستاذات هناك منذ أسبوع. الأخبار التي كانت تصل كريم في مقر عمله هناك في قمم جبال أزيلال توحي أن الأساتذة عازمون هذه المرة بأن يزحفوا على الرباط، وقد أقسموا ألا يغادروا الرباط إلا والترقية في يدهم، أقسموا ألا يغادروا إلا بعد إسترجاع حقوقهم وأقسم كريم معهم على إسترجاع كرامة الأستاذ.
كان كريم من فرط حماسه وكثرة شوقه للقاء أصدقائه وإكتشاف الأجواء الإحتفالية التي يبدعونها يتمنى لو أن سائق السيارة يسرع أكثر، أو يسلك به طريقا مختصرا تنهي أشواقه وتصله بأحبة كان فقط يسمع عن بطولاتهم عبر الهاتف أو يقرأ عنها في الصحافة، طول الطريق ظل يدعو في قرارة نفسه أن يسرع السائق ويتجاوز كل هذه السيارات والحافلات التي تملئ شوارع الرباط. يا ترى من أين جاءت كل هذه العربات؟؟ أليست لديهم –كما نحن- حافلة نقل مزدوج "transite" وحيدة يتكدس بداخلها الجميع وتخلص المدينة من هذا الزحام الشديد؟؟ الأشخاص جنبا إلى جنب مع البضائع، بل أحيانا قد تتفوق على جمعيات الرفق بالحيوان وتتقاسم المقعد مع الحيوانات الأليفة وحتى غير الأليفة.
في كل مرة تتوقف فيه سيارة الأجرة أمام إشارة المرور الحمراء يجد كريم لسان حاله يدعو ويتمنى أن يختفي هذا اللون الأحمر ويحل محله اللون الأخضر، يتمنى أن يختفي الأحمر ويزول الدم والقمع والاستبداد ليحل محله الأخضر والخضرة والحياة. لكن لماذا العلم المغربي يغلب فيه اللون الأحمر على اللون الأخضر؟؟ هل هي فقط مجرد صدفة أم أن وضع هذا العلم أول مرة كان يعلم سلفا أن سياسة المخزن مستقبلا سوف لن تكون سوى سياسة حمراء/دموية...؟؟؟
أخيرا، وبعد رحلة شاقة بحلوها ومرها، بألمها وأمالها يجد كريم نفسه بين الآلاف من إخوانه الأساتذة. دون مقدمات وجد نفسه يتفاعل بتلقائية مع الشعارات التي كانت تصدح بها حناجر الأساتذة والأستاذات، شعارات تزلزل ساحة باب الحد ويتردد صداها في كل شوارع وأزقة الرباط، شعارات تمتزج فيها الأحاسيس والمشاعر بالأصوات والكلمات لتعزف سيمفونية ستبقى خالدة كواحدة من أحلى الأغاني وأعذب الألحان.
مر الوقت سريعا، ومع كل دقيقة تمر تصل أفواج جديدة من الأساتذة والأستاذات، وتدريجيا بدأت تكبر الحلقية ككرة الثلج. بعد أن جيشت التنسيقية جيوشها وتأكد للجميع وللمكتب الوطني بأن جميع مناضلي ومناضلات التنسيقية قد وصلوا إلى ساحة المعركة /ساحة باب الحد، دُقت الطبول وبدأت الاستعدادات لخوض معركة الترقية والكرامة. تقدم أسد التنسيقية وزعيمها الأستاذ الكبير عبد الوهاب بخطى واثقة نحو وسط الحلقية وطالب مناضلي التنسيقية ومناضلاتها بالاصطفاف ورص الصفوف استعدادا للزحف على شوارع الرباط. حمل كلٌ سلاحه -أقصد حقيبته- وبدأ الجميع بتشكيل كتيبته المكونة من 10 أفراد، ومن حين لأخر يترأى لك قادة المجلس الوطني يمشون بين الصفوف يرصون الصف فالصف، ويتفقدون أحوال الأساتذة والأستاذات ويبثون فيهم العزيمة وروح الانتصار...
اكتملت الاستعدادات وأصبح كل شيء جاهزا لخوض معركة الترقية، فتقدم المنسق الوطني نحو مقدمة المسيرة حاملا لواء التنسيقية ومعطيا إشارة البدء بالزحف على الرباط. انطلقت المسيرة في جو مهيب والجميع يصدح بالشعارات ويردد الكلمات بكل ما أُتي من قوة، وكلما تقدمت المسيرة وتوغلت أكثر إلا و زادت أعداد المناضلين و ازدادت معها قوة الشعارات. الأجواء كانت احتفالية، والمارة يتوقفون ليسألوا عن هؤلاء الذين يملؤنا شوارع الرباط صخبا وضجيجا، من هم؟ هل هم المعطلون؟ ماذا يريدون؟ ألا يعلمون أن العالم يعرف أزمة اقتصادية؟ بعضهم يتعاطف مع التنسيقية ويلوح لهم بإشارة النصر، والبعض الأخر يمر غير مبال أو منغمسا في مشاكله الشخصية، أما فئة أخرى فيبدو أنها اعتادت مثل هذا المشهد حتى صارت المسيرات والشعارات أمرا عاديا لا يستهويها ولا يحرك فيها شيئا.
كل شيء كان يسير عاديا، عبرت المسيرة شارع محمد الخامس ثم تجاوزت قبة البرلمان التي كانت تحتفل ب "50 سنة من الفساد" قبل أن تصل المسيرة إلى أمام محطة القطار "الرباط المدينة" حيث وجدت في انتظارها عشرات من قوى الأمن التي اعتقدت ربما لسذاجتي أنها قد جاءت لتحمي مسار المسيرة وتنظم حركة السير. فجأة من كنت أحسبهم جاءوا للسهر على أمن المسيرة يعلنونها حربا ضروسا ويشهرون أسلحتهم –زرواطتهم- ضدنا ، يا الهي ماذا يفعل هؤلاء؟؟ هل يدركون مخاطر ما يقدمون عليه الان؟؟ هل يدركون أنهم بفعلتهم هذه يصنعون عدوا أبديا؟؟ هل يدركون أن المعركة لن تنتهي هنا بالرباط وأننا سننقل المعركة إلى أقسامنا و إلى بوادينا وقرانا المنسية؟؟
Abdelkrim Ennoury