هسبريس :صالح الخزاعي من الجديدة
ارتبطت "عاشوراء" بعدة وقائع دينية، منها توبة الله على آدم، ونجاة نوح من أعدائه، وإنقاذ ابراهيم من نمرود، وعودة يوسف إلى يعقوب، وغرق فرعون وجنوده، وخروج يونس من بطن الحوت، وغيرها من الأحداث التي تزامنت مع هذه المناسبة منذ قديم الزمان.
وفيما تنحو الأسر المغربية الاحتفاء بيوم عاشوراء إلى لَمِّ شَمْلِ العائلة حول مائدة الفواكه الجافة والأهازيج التراثية، يُفضل أغلب الأطفال الاحتفال بهذه المناسبة بطريقتهم الخاصة بعيدا عن اهتمامات الكبار، وبمنأى عن أنظار الآباء والأمهات والسلطات أيضا.
عاشوراء ولُعَبُ الأطفال
مُعظم الأطفال يطالبون آباءهم وأمهاتهم خلال الأيام التي تسبق العاشر من محرم الحرام، بشراء لعب تختلف حسب السن والجنس والوضعية المالية للآباء، وطبيعة الوسط الذي تعيش فيه الأسرة سواء كانت قروية أو حضرية.
بعض الأسر الميسورة تضطر إلى شراء لُعب تصل إلى آلاف الدراهم، في حين تكتفي الأسر الأخرى بإرضاء أطفالها باقتصاد شديد وعقلانية كبيرة.
ورغم تنوع اللُّعب شكلا وقيمة وفائدة، فإن عددا مُهما من الأطفال يَرْبطون مناسبة عاشوراء بنوع آخر من الألعاب والتسلية، والذي يُثير جدلا كبيرا لدى الساكنة والمصالح الأمنية والطبية وغيرها من الجهات المهتمة بسلامة وصحة الأطفال.
هذه اللعب تشهد رواجا تجاريا كبيرا خلال هذه الفترة من السنة، وذلك باستيرادها خارج إطار القانون ودون الحصول على ترخيص من الوزارات المعنية لتداولها داخل أرض الوطن.
تسلية الصغار واستياء الكبار
المُفَرْقَعَات أو "القنبول" كما يسميها الأطفال، تتوفر بشكل كبير وبأثمنة متفاوتة قبل عاشوراء بأيام، فتغرق الأسواق بهذه السلع الموجهة فقط للأطفال بمختلف أعمارهم، وذلك في غياب سياسة أمنية ووقائية للحد من هذه التجارة غير القانونية.
ويرى الكثيرون أن تجارة "القنبول" تَضْرِب في العمق صحة وسلامة المواطنين، وتستهدف بالأساس الجيل الصاعد، رغم النداءات المتكررة والمَطالبة الملحة للهيئات الجمعوية والصحية بضرورة التعجيل في منع هذه التجارة.
استعمال الأطفال لهذه اللعب الغريبة بهدف التسلية والمرح مع الأقران، يُصاحبه تذمر السكان واستياؤهم من أصوات الانفجار التي غالبا ما تكون قوية ومزعجة، حيث يكون وقعها أكبر على المارة الذين يصبحون عرضة للاستهزاء كلما أصيب أحدهم بالهلع لحظة الانفجار.
الأسماء متعددة والهدف واحد
"الميش، الصواريخ، النجوم، الكرانادا،..."، أسلحة نارية يستعملها الأطفال بشغف كبير، ويبذلون مجهودات كبيرة لتوفير مبالغ مالية تمكنهم من شراء أغلاها وأقواها حتى يحققوا سعادتهم على حساب صحتهم وصحة غيرهم، مستغلين في ذلك توفر هذه المفرقعات في الشارع العام والأسواق أمام أنظار السلطات الأمنية.
ـ "الميش": نوع من المفرقعات الصغيرة لا يتجاوز ثمن الواحدة منها 50 سنتيما، تُحدث انفجارا حادا بعد ثانيتين من إشعال فتيلها، وتُعتبر أرخص المفرقعات وأكثرها تداولا بين الأطفال.
ويعمل عُشاقها أحيانا على إشعال محتوى العلبة في عملية واحدة، ما يُعطي انفجارات صغيرة ومتتالية لبضع ثوانٍ، كما أن هذا النوع من المفرقعات يختلف من حيث الحجم وقوة الانفجار مع تفاوت بسيط في الثمن.
ـ "الصواريخ": مفرقعات طائرة، تسير بسرعة في خط مستقيم في اللحظة التي يتم فيها إشعال الفتيل، ثم تنفجر بعيدا في مستويات عالية أو منخفضة حسب اختيار مُطلقها، ويستهدف مستعملوها بالأساس النوافذ ومصابيح الإنارة العمومية، وثمنها في الغالب لا يتجاوز ثلاثة دراهم للصاروخ الواحد.
ـ "الكرانادا": تعتبر من أقوى المفرقعات وأشدها صوتا، وتشبه إلى حد كبير صوت انفجار قنينة غاز صغيرة. وقد ظهر هذا النوع من المفرقعات في الآونة الأخيرة التي عرفت تطورا كبيرا في صناعة المتفجرات على عدة مستويات، ووجدت طريقها إلى الأطفال بصورة خطيرة، خصوصا أن ثمنها لا يتعدى ستة درهما للواحدة.
ـ "النجوم": عبارة عن قضيب معدني رقيق وغير قابل للانفجار، يتم إشعاله فقط ليصدر شرارات نارية على شكل نجوم مُشعة تتطاير هنا وهناك، حيث تنتهي صلاحيته عندما يمر التوهج من طرف القضيب إلى طرفه الثاني، ويستعمله الأطفال في الفترات الليلية.
وإلى جانب هذه الأنواع المصنعة والمستوردة، ظهرت مفرقعات أخرى من صُنع محلي، تَجْمع بين الماء القاطع وبعض المواد المعدنية بتقنية معينة، وتتسبب في انفجارات هائلة وتَطايُرِ الماء القاطع في مكان العملية، الشيء الذي يعرض سلامة المارة للمخاطر، إضافة إلى الخسائر المادية في الملابس والسيارات.
من التسلية إلى المستشفى
لا تكاد تمر هذه الفترة من كل سنة، إلا وسمعنا عن وقوع حوادث خطيرة يروح ضحيتها بالأساس أطفال في عمر الزهور، وغالبا ما تؤدي إلى جروح وإصابات متقدمة يعجز معها الطب عن إيجاد حلول لها، بسبب حروق في الأطراف تتفاوت حسب نوع المفرقعات والمواد المستعملة في تصنيعها.
سلوى تلميذة من الدار البيضاء، كانت ضحية تسلية مُؤذية داخل المؤسسة، حيث أصيبت بنزيف دموي في قَرْنِيَّةِ عَينها جراء رميها بإحدى المفرقعات من طرف تلميذ مجهول وسط ساحة المدرسة، وكادت أن تفقد على إثرها البصر، لولا التدخل الطبي السريع والفعال.
سلوى ليست الضحية الأولى أو الأخيرة لهذه الألعاب النارية، بل إن المستشفيات والمصحات الطبية تستقبل خلال هذه الفترة من السنة حالات كثيرة ومتفاوتة الخطورة، تتنوع من حروق اليد والوجه إلى الصمم والعمى، الشيء الذي يؤثر على حياة الأطفال المدرسية والمستقبلية، ويتسبب في مآس اجتماعية وإنسانية.
صحة المستهلك في المحك
مديح وادي، رئيس جمعية المستهلكين المتحدين بالدار البيضاء والكاتب العام للجامعة الوطنية لجمعيات حماية المستهلك، قال في تصريحه لهسبريس، إن تجارة المفرقعات محظورة بقوة القانون".
وتابع وادي بأن الملاحظ هو دخول هذه المواد عبر قنوات سرية وغير رسمية، رغم تشديد المراقبة على الحدود من طرف المصالح المعنية، وتَوَفُّرُها في السوق المغربي الداخلي بكثرة".
وشدد الكاتب العام للجامعة على ضرورة تحرك السلطات المحلية في هذا الشأن، نظرا لدورها المهم في ضبط ومراقبة السوق، خصوصا إذا تعلق الأمر بالتجارة في مواد خطيرة وغير مقننة وتصل إلى جميع المدن المغربية، ويتم تداولها بين الشباب سواء عن علم بخطورتها أو عن جهل بذلك".
وأضاف أن "قوة المفرقعات ومفعولها ومكوناتها تتطور سنة بعد أخرى"، ما يفسر تزايد الخطورة ونوع الإصابات التي يتعرض لها الأطفال والشباب، والتي تصل أحيانا إلى عاهات مستديمة، تؤثر سلبا على حياة المصابين ومستقبلهم".
وعن الخطوات التي قامت بها الجمعية والجامعة في هذا الصدد، أشار وادي إلى أن هذه الهيئات تراسل بشكل سنوي السلطات المعنية كوزارة التجارة والصناعة ووزارة الداخلية، لحثها على ضبط هذه التجارة ومحاربتها.
وتابع أن الجمعية تشتغل في هذا الموضوع وفق طريقتين اثنتين، أولها التوعية والتحسيس بخطورة هذه المنتجات وسلبياتها ونتائجها الخطيرة على صحة المستهلك، وثانيها تبليغ السلطات المعنية وتحميلها المسؤولية وراء تواجد هذه الممنوعات في السوق المغربي.