النّكّافة ...دور محوريّ في الأعراس المغربية التقليدية
رغم أن الصيف يشرف على نهايته، ورغم أن حفلات الأعراس بلياليها الصيفية الرائعة لا تقارن بالليالي الخريفية السقيعية والباردة، إلا أن الأعراس لازالت مستمرة، والموسيقى لازالت متناثرة والطباخات لازلن مشمرات عن سوعدهن نهاية كل أسبوع، وشباب الدقة المراكشية وفرق (عيساوة) تطوف مدننا الواسعة، لتجعل الدنيا نغمة واحدة ..
هذه هي أجواء مدننا وأحيائنا وأعراسنا، حينما تختلط النسائم بروائح الدجاج وتمتزج أصوات المغنيين والمهرجين بعرق النوادل الذين يتنقلون من مائدة لأخرى تلبية للطلبات.. حينما يفرح الجميع في فصل الصيف وغيره، يأتي دور النكافات، والنقاشات بملابسهن التقليدية ذات الألوان الزاهية، دورهن لا يستغنى عنه في عرس ولا يمل في حفل. وتبدأ رحلة البحث المتسارعة عن النكافة، التي يتم الاتفاق معها قبل موعد الزفاف بأسابيع، لكثرة الطلب عليها مع بداية تباشير الصيف الأولى، أعراسنا وأفراحنا تنوعت وتعددت بين ربوع بلدنا الحبيب وبين جنبات مدننا الواسعة الكبيرة الآمنة.
السيدة فوزية، نكافة تسارعت للقاء معها قبل خروجها لتزيين عروس تسكن منطقة باب مراكش، كانت في الأربعينات من عمرها، متزوجة ولها ابنتان تساعدانها في العمل بعدما غادرتا المدرسة منذ أيام الصبا الأولى، سألتها متى احترفت هذه المهنة، " منذ طفولتي، وأنا أعشق الألوان الزاهية، وأعشق التجميل والعرائس، أبي كان صانع فخار، كنت أنغمس في تلك الألوان الطبيعية، التي كان يستعملها في عمله، وعندما كبرت وتزوجت ولأن ظروف الحياة صعبة، قررت أن أساعد زوجي وأعمل عملا أكسب منه وأيضا عملا أعشقه، ولم أجد غير مهنة "النكافة"، التي أعطيتها كل ما أملك من جهد ووقت وتجربة، زبائني متنوعون منهم البسطاء ومنهم الأغنياء، أحاول أن ألبي جميع الطلبات، هناك من الزبائن من لا يهتم إلا بالزركشة وبكثرة الحلي والمجوهرات ولا يهمه أن تكون المجوهرات أصلية، بينما هناك نوع آخر يدقق في اختيار الحلي والمجوهرات ويشترط أن تكون أصلية "كالجوهر"مثلا، ألبي جميع الطلبات وكل بثمنه".
وعما إذا كان الانفتاح على القنوات الفضائية ومن خلالها الانفتاح على حضارات وثقافات أخرى، لها أيضا موروثاتها وعاداتها وتقاليدها، التي ربما قد يتمنى البعض أن يظهر ولو ليوم واحد بزي من أزيائها، عبرت السيدة فوزية، على أنه في البداية كانت العروس تكتفي فقط بتصفيف شعرها وباللباس الأبيض أو الأخضر، وشيئا فشيئا ظهرت "العمارية"، "الطاوسة"، "اللباس الخليجي"، "اللباس الهندي"، "الألبسة التقليدية المغربية"... وأكدت أيضا على أنه لا يوجد حد من الألبسة والأقمشة والألوان و"الاكسسوارات" التي تعتمدها "النكافة" خلال تزيينها للعرائس، ويوما عن يوم تظهر أشياء جديدة وتختفي أشياء أخرى لم يعد الطلب عليها كما كان في السابق.
وتعمل النكافة خلال حفل الزفاف، على تزيين العروس وسط حشد نسائي أول ما يصل لبيت العروس يقوم بعملية "التعشاق"، وهي الصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم، بصوت عال وبطريقة تجعلك تحس فعلا أنك وسط أجواء مقدسة لا يمكن أن تجدها إلا بالمغرب وبمدن المغرب، ثم بعد ذلك تتوجه النكافة والحشد النسائي المرافق لها إلى غرفة العروس فيلبسنها اللباس الأول. بعدها تظهر محمولة داخل "العمارية" من طرف مجموعة شبان يطوفون بها قبل أن توضع في المكان المعد لجلوسها... وبعد فترة معينة تقودها النكافة إلى غرفتها وتلبسها اللباس الثاني، ثم تظهر محمولة فوق "الطيفور" قبل أن تتجه إلى المكان المعد لجلوسها. وقد يفوق عدد الفساتين التي يمكن أن تلبسها العروس خلال حفلة زفافها العشرة فستانا.
السيدة زهرة هي أيضا نكافة، ورغم أنها ولدت بمدينة الدار البيضاء، إلا أنها لازال يغلب على لكنتها الطابع المراكشي، فأصلها من مدينة مراكش، أكدت على أنه لا يمكن أن تتم حفلة للزفاف بدون حضور النكافة، لأن هاته الأخيرة، هي التي تحرص على أن تعطي للحفل نكهة خاصة، وتجعلك تحس بالفعل أنك بأجواء حفلة زفاف. وخلال ما لاحظناه في العديد من حفلات الزفاف، فإن "النكافة" خلال هذا اليوم تحرص على أن تلبس العروس في كل ظهور (طلة) لها على الحضور لباسًا تقليديًا مختلفًا يمثل بعض مناطق المغرب؛ كاللباس: الفاسي والشمالي والأمازيغي وبعض أنواع القفاطين، يُضاف إلى ذلك بعض الأزياء الأخرى الدخيلة على حفل الزفاف المغربي، والتي شاع استعمالها مؤخرًا، مثل: الزي الهندي والخليجي والتونسي.
وأخيرًا تكون "الطلة" الأخيرة للعروس بثوب الزفاف الأبيض الأوربي. وتراعي "النكافة" مع كل تغير في نوع اللباس اختيار الإكسسوارات الملائمة لذلك، الشيء الذي يجعل هذا اليوم أشبه بحفل لعرض الأزياء تصل فيه العروس المسكينة إلى بيت زوجها منهوكة القوى!! يرافق عادة عرض الأزياء هذه بانوراما موسيقية تعزفها إحدى الأجواق التي تكيف موسيقاها وأغانيها حسب نوع لباس العروس، فتكون خليطًا من الأغاني الشرقية والمغربية بشقيها العصري والفولكلوري.
وفي الأخير، تزف العروس لبيت عريسها، في أجواء تختلف من منطقة لأخرى، فمثلا في مدينة بحجم الدار البيضاء، عادة ما تأخذ في سيارة فخمة تطلق أبواقها على طول الطريق الذي تقطعه وتتبعها سيارات أخرى، وجهتهم كورنيش عين الذئاب، ليمضوا فيه وقتا صحبة احدى الفرق الفلكلورية خاصة "الدقة المراكشية" ويقوموا بأخذ صور للذكرى مع العروسين، بعد ذلك تزف العروس لبيت عريسها.
وينتهي بعد ذلك العرس لتطرح عدة أسئلة.. هل الزفاف المغربي كما يراه البعض هو مكلف للغاية؟ وهل يعكس حقيقة الحالة المادية للعروسين؟ أم أنه محاولة للحفاظ على الموروثات الثقافية والتقليدية المغربية كي لا تهدر التقاليد الجميلة؟ وهل كل الشباب قادرون على هذا النوع من الاحتفالات؟...
من حوار مع نكافات محترفات .