الجامعة المغربية وسوق الشغل
العباس الوردي
نشر في هسبريس يوم 02 - 11 - 2012
تعد الجامعات بمختلف تخصصاتها العلمية القانونية الاقتصادية والاجتماعية مؤسسات لتكوين أطر وكفاءات بشرية قادرة على اقتحام الشغل ومن ثمة المساهمة في صنع الخريطة التنموية الاقتصادية والاجتماعية للدولة .
ان المتأمل في واقع الجامعة المغربية لا يمكن أن يشكك في الدور الريادي الذي تلعبه هذه المؤسسات في تأطير وتكوين طاقات بشرية متعددة في تخصصات مختلفة ، وبالتالي فالسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الباب بتجلي أساسا في ماهية انسجام التكوين الجامعي وسوق الشغل.
لقد أبانت مجموعة من الاحصاءات التي كشفت عنها مجموعة من المنظمات الدولية الوطنية والمحلية ، على أنه وتزامنا مع التزايد الهول لأعداد العاطلين ببلادنا بأن هناك تباين واضح بين المناهج التعليمية الجامعية وسوق الشغل من جهة و مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من جهة أخرى ، الأمر الذي نستشفه من خلال الوقوف على مجموعة من الاختلالات التي لازالت تنخر المناهج التعليمية الجامعية والمتمثلة على سبيل المثال لا الحصر في :
* استمرار الجامعة المغربية في تكوين كم هائل من الأطر التي لا تستجيب لمتطلبات سوق الشغل المرتبط بتحديات العولمة اللامتناهية ;
* خريجو الجامعات ، يشكلون أعلى نسبة في هرم العطالة المغربية;
* غياب وحدات للتوجيه الجامعي القبلي والبعدي ، بحيث أن هناك أعدادا هائلة من الطلبة الجدد لا يحسنون اختيار الشعب المناسبة لميولاتهم ، هذا علاوة على أن تتبع مال المتخرجين لا تتم في أغلب الأحيان ;
* ضعف نطاق الشراكة بين الجامعة والقطاعات الحكومية الأخرى من جهة وبين الجامعة والقطاع الخاص من جهة أخرى ;
* محدودية التعاون والشراكة بين الجامعة والمؤسسات الاعدادية والثانوية ;
* ضيق نطاق التعاون والشراكة مع مؤسسات جامعية عربية أوروبية وأمريكية ، الأمر وان تم توسيع نطاقه سيمكن جامعاتنا من استيراد التجارب التكوينية الناجحة لبعض هذه الجامعات وتنميطها والواقع التربوي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي المغربي ;
* النقص الحاد في الموارد البشرية وخاصة الأساتذة الجامعيين ، ومن ثمة الضغط الهائل لعدد الطلاب الذي لازالت تعرفه مجموعة من الجامعات المغربية ، الأمر الذي لازال ينعكس بصورة سلبية على جودة تكوين الأطر المستقبلية ;
* ضعف انفتاح الجامعة على مكونين خواص في تكوين أطر الغد ;
* غياب سياسة منفتحة للجامعة على سوق الشغل، مما يخلق حالة من التيه لدى المتخرجين الجامعيين عند تخرجهم ;
* استمرار التعامل بمقررات تعليمية جامعية لا تواكب في غالب الأحيان متطلبات سوق الشغل المحكوم بتحديات العولمة المفرطة ;
* طغيان التعامل بالنظرة الأحادية الضيقة للقطاع في رسم معالم الخريطة الجامعية التكوينية وكذا المرتبطة بسوق الشغل ;
* غياب استراتيجية وطنية تشاركية ومندمجة بين قطاع التأطير والتكوين الجامعيين من جهة ومتطلبات الشغل من جهة أخرى ;
* استمرار حالة الاقصاء لدى شريحة الأطر الشابة في تقلد مناصب قيدومي الكليات مديري المعاهد العليا ورئاسات الجامعات ، الشيء الذي لطالما ساهم في تكريس البيروقراطية الادارية داخل الجامعات ومن ثمة ركود أغلب الاستراتيجيات المعتمدة من طرفها والتي لطالما ظلت بدون تقييم الخ ….
ان الجامعة المغربية مدرسة اذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق ومتعدد المهارات النظرية والتطبيقية ، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه الا عبر :
* انفتاح الجامعة المغربية على محيطها الخارجي بشكل يمكنها من توفير تكوين جامعي يستجيب لمتطلبات سوق الشغل في القطاعين العام والخاص ;
* احداث تكاوين ميدانية لفائدة الطلبة داخل القطاعات الحكومية والخاصة ، بهدف تقييم مدى استيعابهم للمهارات الملقنة من جهة وكذا المشاكل التي تعوق تطبيقها ميدانيا بهدف صقلها من جهة أخرى ;
* احداث وحدات للقرب الجامعي المقاولاتي ، بهدف تشجيع الطلبة حاملي الشهادات من ولوج عالم المقاولة وضمان تتبع مشاريعهم ;
* احداث وحدات خاصة بتكوين الأساتذة الجامعين من بين حملة الشهادات الجامعية العليا ، بغية ضمان استفادة الجامعة وبصفة مباشرة من منتوجها التكويني ومساهمتها في امتصاص افة البطالة ;
* خلق بنك لتخزين المعلومات المتعلقة بالتكوين الجامعي ، الأمر الذي سيوفر للجامعة أرقاما ومعطيات حقيقة حول جودة تكوينها من عدمه ومن ثمة صياغة استراتيجية جامعية واقعية تزاوج بين النظري التطبيقي ومتطلبات سوق الشغل .
ان الفاعلين في الحقل الجامعي المغربي، مطالبون من الان بنهج مقاربة تكوينية تشاركية واستشرافية يتقاطع فيها المادي البشري واللوجستي، الأمر الذي وان تم تحقيقه سيمكننا من امتصاص طوابير العطالة المغربية من جهة وخلق حالة من التوازن في ميزان العرض والطلب بميداني التكوين و التشغيل.