[mastof]

المبحث الأول: علم الفلك

قبل الشروع في عرض حقائق خول هذا الكون، أقصد الحقائق التي أثبتها العلماء في هذا العلم –علم الفلك- لا بد من التعريف بهذا العلم وتاريخ نشأته وكذا أهدافه.
علم الفلك لعله أقدم علم عرفه الإنسان، فقد كان الإنسان منذ أول وجود له، يهتم بالسماء والكواكب والنجوم، لكن هذا العلم كان قابعا في الخرافة والشعوذة، ولم يأخذ صفة العلمية إلا في القرن 17م مع اختراع المرصد، وعرف هذا العلم تقدما واضحا خلال القرنين 19م و20م، مستفيدا من نتائج العلوم الفيزيائية والكيميائية.

- هدف هذا العلم وتاريخه:
إن محور دراسة هذا العلم هو الكون من حيث نشأته، تركيبه، وتطوره... وقد أسماه العرب علم الهيئة، فحتى بداية القرن العشرين كان تصور الإنسان للكون خاضعا للخرافة والسحر والنظريات الخاطئة، ولا يزال حتى الآن عند بعض بل كثير من أهل الجهالة والضلال، ونجد في المقابل في القرآن الكريم والحديث الشريف تعاملا عقليا ومنطقيا، مبنيا على أسس علمية، وأذكر الحديث الذي جاء في صحيح البخاري عن المغيرة بن شعبة قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله e يوم مات ابنه إبراهيم، فقل الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال e:«إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته. فإذا رأيتموها فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي»([1])،فوضع النبي e حدا لسخافات واعتقادات المنجمين، وبين أن الظواهر الكونية لا تحدث لموت أحد أو لحياته، بل إنها تسير بحسب نظام أبدعه مبدع الكائنات، تشهد على عظمته وحكمته وبديع أمره في خلقه، وتنطق بكمال علمه ونفاذ مشيئته، وتدل على قدرته وجلاله...
أما تاريخيا فإنه لم تكن هناك وسيلة معتمدة سوى النظر إلى السماء بالعين المجردة، ومن أهم ما سجل في تاريخ هذا العلم هو ذاك الصراع([2]) الذي قام حول مركزية الكون وكروية الأرض. فاعتبر المصريون وأهل بابل، وكانوا من المهتمين بهذا العلم، أن الأرض مسطحة ثابتة وأن السماء صلبة تتحرك بالنجوم حول الأرض، ثم جاء علماء الإغريق وفلاسفتهم الذين أبدعوا في هذا العلم بفضل تقدمهم في الهندسة، وذلك قبل الميلاد بخمسة قرون، وانقسموا إلى:

- الفيتاغوريين([3]):
الذين قالوا بثبات الأرض، وأنها مركز الكون، وأن الشمس والسيارات الأخرى تدور حولها، فظل هذا الرأي مقدسا، خاصة وأن "أرسطوا" انتصر له، فبقيت هذه النظرية لعشرين قرنا من الزمن.

- كوبرنيك([4]):
جاء في النصف الأول من القرن 16، وقدم نظريته التي مفادها أن الأرض غير ساكنة، وأنها والسيارات الأخرى تدور حول الشمس، لكنه كان خائفا من غضب الكنيسة.

- جاليلو([5]):
بعد موت كوبرنيك خلال القرن 17م، قام بإقامة الدليل العلمي على صحة نظرية كوبرنيك، بعد اختراع المرقب الفلكي، فكان فاتحة لعهد جديد وهو علم الفلك الحديث.
وقد أبدع العرب في هذا العلم([6])، فقد بنى المأمون مرصدين فلكيين أحدهما على جبل قاسيون بدمشق، والثاني في الشماسية، في بغداد.
كما بنى الفاطميون مرصدا آخر على جبل المقطم قرب القاهرة، ومن أجمل ما أبدعه العرب ما سمي "بالزيج العربي" وهي جداول فيها شرح لحركات كل كوكب في وقت من الأوقات، أشهرها: "زيج الخوارزمي"، "زيج البتاني"، وأزياج المأمون...
لكن هذا العلم شهد تطوراً عظيما خلال العصر الحديث، خاصة مع مكتشفات الكيمياء والفيزياء، واختراع المراصد، والأقمار الاصطناعية، والسفن الفضائية، وأصبح لا يمر شهر أو شهرين إلا ونسمع فيه أخباراً تتعلق بالفضاء، وغزوه واكتشافاته، ونسمع كذلك عن نفقات الدول المتقدمة التي لا يكاد يعادلها إنفاق على علم آخر.
k

([1]) صحيح البخاري كتاب الجمعة، باب الدماء في الخسوف، ح1000.

([2]) التفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن الكريم، ص. 49 وما بعدها.

([3]) أتباع الفيلسوف والرياضي اليوناني "فيتاغورس".

([4]) قسيس وعالم فلكي بولندي.

([5]) عالم فلكي إيطالي.

([6]) الإنسان بين العلم والدين.