تبدو كلمة مدير سيمولوجيا ذات قيمة شرفية عظيمة في المتخيل الشعبي وحتى في
تصورات الطبقات المتوسطة والعليا . لكن أين نصيب المدير التربوي من كل هذه الهالة!
ومن كل هذه القدسية المبنية على الاحترام والتقدير !
إذا أ ردتم الجواب الشافي عن هذا السؤال ، فلسوف أوجز القول فيه إيجازا لأقول :
أولا :
- مدير المدرسة هو رجل آت من حجرة الدرس بعدما أعياه ضجيج التلاميذ ،وأرهقته صبيانياتهم
المملة ، فأصبح بمرور سنوات الدراسة متماهيا مع شخصية الأطفال ، يضحك لأتفه الأمور،
ويبكي لأبسط الوقائع ،كأن تضيع منه محفظة نقوده الملآى ببعض الدريهما ت في إحدى الأسواق
الشعبية أو عندما يحترق طعام غدائه بسبب إهمال زوجته المسكينة المرهقة هي الأخرى بتربية
الأطفال . وإذا غضب انتفخت أوداجه ،وخرجت عيناه من بؤرتيها ،وارتفع صراخه . وإذا تكلم
انفرد بالكلام ولم يدع أحدا يعارض رأيه أو يدلي بفكره .
- مدير المدرسة مطالب بإدارة كائنات بشرية منها الصا لح والطا لح . أما الصا لحون فأمرهم هين
ومريح بل ويصيبك بالنشوة وحب العمل والإبداع فيه . أما الطا لحون ،فما أتعس اللحظة التي
تجمعك بأحد منهم - ولا أقول بهم جميعا – وقد تصاب بالغثيا ن وأنت ترى أحدهم يحتسي كوبا
منعنعا من الشاي ،أو قنينة من المشروبات الغازية أويأكل في نهم سندويشا بينما الصغار يحملقون
في وجهه متسمرون في أماكنهم كا لحملان أمام ذئب شرس وهو يلتهم لحم أحدهم .
وقد تقف مشدوها لما تفاجأ بمعلمة تراقب تلاميذها داخل الفصل ،وهم منصبون على تنقية حبوب
العدس أو الفاصوليا مما علق بها من شوائب ،في مشهد أشبه ما يكون بسرب من الحمام وهو يلتقط
حبات الذرة.
وقد تفيض عيناك من الدمع حزنا ،وينفطر كبدك ألما وحسرة لرؤية أب أو أم تقتحم عليك سكون إدارتك
ومعها ابنها ينتعل حذاء مطاطيا ،ويلبس سروالا مرتقا من مؤخرته ..،وقد اغرورقت عيناه بالدموع
يشكو ظلم معلم أو معلمة عاقبته لأنه امتنع عن إحضار واجب الاشتراك في حفل بمناسبة آخر دورة
دراسية ،فتتذكر أنك كنت مثله تماما في يوم من الأيام وقد عرضت لك نفس الحال .
وقد تختلط عليك الأمور عندما تسمع أحدهم وهو يحدد مفهوم ( الواجب ) في احترام أوقات الدخول
والخروج دون بذل الجهد التعليمي ،فيعمد لسجن التلاميذ الأبرياء وقمعهم وتكبيلهم بالنظر إلى كتبهم ،
أو إشغالهم بالرسم - في أحسن الأحوال - .بينما ينصرف هو إلى قراءة الجرائد ،أو إعداد جدولة لديونه
المتراكمة ...
وقد تندهش لما ترى معلما كهلا يدعي الخوف من الله ، يدخل ثم يخرج من الفصل على رأس كل
خمس دقائق كما يفعل الفأرالمتوجس من بطش قط شرس . وإذا أردتم سبب فعلته هذه ، فهو قلة الحياء
يريد تنشيط زملائه الذين يحترمون أنفسهم بدعاباته السخيفة كإلقاء بعض الحجارة عليهم ،ثم يختفي ،أو
يولي ساخرا مهرولا.
وقد تستشيط غضبا - وعليك ألا تفقد أعصابك - عندما تاتي فجأة لتجد بعض المعلمين متحلقين في
حلقات الضحك ورواية التفاها ت ، وقد تعالت أصوات التلاميذ من داخل الأقسام ،فينسحبون إليها
مهرولين .
وقد تصاب بالدوار عندما يأتيك (مرب ،مربية ) متأخرا بنصف ساعة أو أكثر ،وأثر الثمالة في عينيه
( عينيها ) الحمراوتين بعدما قضى (ت) ليلة كليالي أبي نواس- عذرا يا أبا نواس ، فقد كنت شاعرا
عظيما ،ولم تكن ( معلما ) ،وقد تبت إلى الله ،فليرحمك – جل في علاه -
وقد تعجب لمعلم كهيئة ناسك متعبد يصوب سهام عينيه الخائنتين لزميلة له في العمل ،او يداعب إحدى
تلميذاته المراهقات .
وقد يندى جبينك وأنت تسمع من رجال أو نساء ( التربية ) كلاما خادشا للحياء يوجه لتلميذ أو إلى ولي
أمره فتتمنى لو ابتلعتك الأرض .
وقد تصاب بالهذيان عندما تكتشف أن معلمات يراقبن تحركاتك بوسائل تستعصي حتى على الشيطان
- وقد سهل لهن الهاتف المتنقل ذلك- حتى يجدن لأنفسهن وضعا يثرثرن فيه وقت العمل في أمن وسلام .
وقد...وقد... هذا غيض من فيض ،والسيد المدير يعلم عظم مسؤوليته وهذا له شرف . وسبيله في الإصلاح
الحكمة والموعظة الحسنة والإلحاح ثم الإلحاح،لأن الأمر شاق وشاق ،خصوص وأننا نواجه عقولا تعتبر راشدة،وليست بريئة يسهل تقويمها ،كما هي الحال بالنسبة للغصن الرطيب وجدع شجرة أكل الدهر عليها وشرب. 