قال تعالى يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ) غافر 19.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تقسير هذه الآية :
يخبر عز وجل عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء ؛ جليلها وحقيرها ، صغيرها وكبيرها ، دقيقها ولطيفها ، ليحذر الناس علمه فيهم :
فيستحيوا من الله تعالى حق الحياء ويتقوه حق تقواه
ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه ، فإنه عز وجل يعلم العين الخائنة وإن أبدت أمانة ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر والسرائر .
قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى " يَعْلَم خَائِنَة الْأَعْيُن وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ "
هو الرجل يدخل على أهل البيت بيتهم وفيهم المرأة الحسناء أو تمر به وبهم المرأة الحسناء فإذا غفلوا لحظ إليها فإذا فطنوا غض بصره عنها فإذا غفلوا لحظ فإذا فطنوا غض وقد اطلع الله تعالى من قلبه أنه ود أن لو اطلع على فرجها "رواه ابن أبي حاتم .
وقال الضحاك " خَائِنَة الْأَعْيُن " هو الغمز وقول الرجل : رأيت ولم ير ، أو لم أر وقد رأى .
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما :
يعلم الله تعالى من العين في نظرها هل تريد الخيانة أم لا ؟ .
وكذا قال مجاهد وقتادة .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى " وَمَا تُخْفِي الصُّدُور " يعلم إذا أنت قدرت عليها هل تزني بها أم لا ؟ .
وقال السُّدي " وَمَا تُخْفِي الصُّدُور " أي من الوسوسة .)
قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في تفسير الآية :
قال المؤرج : فيه تقديم وتأخير أي يعلم الأعين الخائنة .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : هو الرجل يكون جالسا مع القوم فتمر المرأة فيسارقهم النظر إليها .
وعنه رضي الله عنهما : هو الرجل ينظر إلى المرأة فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره , فإذا رأى منهم غفلة تدسس بالنظر , فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره , وقد علم الله عز وجل منه أنه يود لو نظر إلى عورتها .
وقال مجاهد : هي مسارقة نظر الأعين إلى ما نهى الله عنه .
وقال قتادة : هي الهمزة بعينه وإغماضه فيما لا يحب الله تعالى .
وقال الضحاك : هي قول الإنسان ما رأيت وقد رأى أو رأيت وما رأى .
وقال السدي : إنها الرمز بالعين .
وقال سفيان : هي النظرة بعد النظرة .
وقال الفراء : " خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ " النظرة الثانية " وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ" النظرة الأولى .
وقال ابن عباس : " وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ" أي هل يزني بها لو خلا بها أو لا .
وقيل : " وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ" تكنه وتضمره .
ولما جيء بعبد الله بن أبي سرح إلى رسول الله لي الله عليه وسلم , بعد ما اطمأن أهل مكة وطلب له الأمان عثمان رضي الله عنه , صمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا ثم قال : " نعم " فلما انصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حوله : ( ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه ) فقال رجل من الأنصار فهلا أومأت إلي يا رسول الله , فقال : ( إن النبي لا تكون له خائنة أعين ) .
وأنا أضيف أنه يعلم سريرة المرء بمراءاته للآخرين بخلاف مايُبطِن ، أو بحمله غلا ً وحقدا ً في صدره تجاههم بغير حقه فتلك شهادة زور ، كيف سيلقى بها ربـَّه يوم يلقاه ، فمجاهدة النفس بالنجاة من النفاق أمر محمود يؤجر صاحبه ، واستحضار اطلاع الله عليه، ومراقبة الله له ، مسألة يجب أن تكون شـُغلنا الشاغل ، ولن تغني عنا أموالنا ولا أولادنا ولامناصبنا ولاشهرتنا ولاسُمعتنا ولامجاملات الآخرين لنا من الله شيئا ً...
ولعل ماورد في سورة الفرقان يكون لنا خير شاهد ......
وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا 25 الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا 26 وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا 27 يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا 28 لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا 29 وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا 30 وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا 31
وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا 72
انتهى
أسأل الله أن يشرح صدورنا وأن يُنير بصائرنا
وأن يرزقنا الصدق في القول والعمل
وأن يجعل قبورنا بين أعيننا فيزداد خوفنا ورجاؤنا