مياه البرنامج الاستعجالي للتربية والتكوين في رمال الاكتظاظ
سنكون إيجابيين فنقول أن نوايا البرنامج الاستعجالي للتربية والتكوين حسنة وأهدافها وطنية ونبيلة وأنها تهدف إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه، خاصة وأنها انطلقت من الاعتراف بأخطاء المسؤولين السابقين عن هذا القطاع. "كلام جميل ما اقدرش أقول حاجة عنو". لكن هذا البرنامج ينطلق من مسلمة مقدسة خاطئة، وملخصها: ا"اللهم الاكتظاظ ولا حرمان أبنائنا من مقعد في القسم" وهذا مجرد حق أريد به باطل، لأن القسم المكتظ لا ينجح منه أكثر من عشرة في المئة، بينما قسم غير مكتظ قد يعطي نتائج طيبة تصل في أسوأ الأحوال إلى 25 في المئة، علما أن الاكتظاظ عندنا لا يتماشى مع المعايير الدولية، فلا يعتبر القسم مكتظا في أعرافنا وتقاليدنا التربوية إلا إذا تجاوز 45 تلميذا.
بصفتي ممارسا للتدريس، سأصف لكم قسما من 40 تلميذا كيف يتم فيه الدرس، مع أغلبية متميزة من هؤلاء، أي لا وجود للتلاميذ اليائسين الميالين للشغب. سيضيع التلامذة 10 دقائق في البحث عن الطاولات لأن غالبية الأقسام غير مجهزة بالكافي من المقاعد، ثم حين تستقر أحوالهم سيحصل الصمت في القسم بعد 10 دقائق أخرى لينطلق الدرس أخيرا. لن يكون بإمكان المدرس أن يراقب أربعين تلميذا ولا أن يقوّم حاجياتهم ولا أن يتعرف على طبائعهم النفسية بل إنه لن يستطيع مراقبة إنجازاتهم في القسم. التلاميذ من جهتهم يحسون بقوة عددية تغري بالانحراف عن الدرس مرات كثيرة، والحصيلة، إرهاق شديد للمدرس وللتلاميذ واستفاذة ضعيفة من الدرس. شيء آخر مهم، هو أن الشغب السائد في قسم الأربعين تلميذا يفوت عادة على الخمسة المتفوقين بلوغ مستوى مقبول لتجسيد النخبة الوطنية من الكفاءات، بلغة أخرى ستكون أدمغتنا الوطنية بعيدة عن المعايير الدولية، اللهم إذا أكملت تعليمها خارج المغرب.
إذن فالهدر المدرسي لا يجسده غياب المدرس ولا رسوب التلميذ وفصله عن الدراسة ولا عدم التحاق أطفالنا بالمدرسة فحسب وإنما تجسده أيضا الديماغوجيا السياسوية التي تتمظهر بعباءة الإصلاح وحب الوطن بينما الحقائق مخالفة على أرض الواقع، ولو توقفت الحكومة عن تبذير المال العمومي لكان بالإمكان بناء الكثير من الأقسام وتكوين المزيد من المدرسين.
كنت أفضل أن تبني الحكومة محطات قطار غير فرعونية في طنجة ومراكش وفاس وأن تصرف الملايين الناجية من التبذير في بناء سكن للمعلمين وصرف تحفيزات للمغضوب عليهم في باب التعيينات السندبايدية، من هنا تبدأ الحرب على الهدر المدرسي، أما العزائم والإرادات النظرية فهي تتلون من وزير إلى آخر ومن حكومة لأخرى.
نحن في حاجة إلى تفكير مستقر في قضايا التعليم، تفكير وطني خالص لا يكل ولا يمل ولا يتأثر بتقلبات الزمن، تفكير لن نحتاج معه إلى صناعة الهلع إعلاميا، من أجل الإقناع ببرنامج استعجالي ضخم لا يريد أن يعترف بواقع مر وخطير، واقع الاكتظاظ الذي تبث أن من يستصغره يكشف عن جهل تام بمعنى التربية والتعليم.
اذا غاب في يوم اسمي من هنا . فربما ينساني البعض ولكن ستتذكرني صفحاتي التي سجلت عليها حروفي.! لتبقى كلماتي رمزا للجميع ليتذكروني https://www.facebook.com/errami.abdelali