النوم مع الثعبان : الدامون عبد الله (جريدة المساء الثلاثاء 9 يوليوز 2013)
نواع السياسيين والمسؤولين تختلف كثيرا من منطقة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر، فهناك سياسيون يعتقدون أنهم ولدوا لخدمة الآخرين، وهناك سياسيون يعتقدون أن الآخرين ولدوا لخدمتهم، وهناك سياسيون آخرون يعتقدون أنه لم يولد في هذا العالم غيرهم، لذلك يعتبرون أنفسهم الأحق بالاستمتاع بكل شيء.
في بلدان معينة، مثل كندا أو السويد، يمكن لسياسي أن يستقيل عندما يكتشف الناس أنه شرب كأس عصير على حساب الشعب، كما يمكن أن يغادر منصبـَه مسؤولٌ بعد أن يتسرب أنه نزل في المطار فلم يجد سيارة خاصة تنقله فركب سيارة أجرة وأدى أجرتها من الميزانية العامة.
في بلدان أخرى، مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، يوجد فساد لكن يوجد قانون. وعندما اكتشف الإيطاليون أن رئيسهم، الذي صار وسيما في سن الثمانين بفضل عمليات التجميل، يمارس لعبة «البونْغا بونغا» مع فتيات في السابعة عشرة أو أقل، لم يستاؤوا كثيرا لأنهم يعلمون بأنه بمقدار ما يوجد فساد فإنه يوجد قضاء حقيقي، وفي النهاية قضت محكمة إيطالية على سيلفيو بيرلسكوني بالسجن سبع سنوات، رغم أنه كان يصرف على حفلاته من جيبه الخاص وليس من جيب الشعب الإيطالي.
في إسبانيا يبدأ الفساد بالحصول على بذلات وسيارات خاصة وينتهي إلى فساد من عيار ثقيل، لكن رغم ذلك يوجد قضاء بالمرصاد. وعندما اعتقد صهر الملك خوان كارلوس أن قرابته من العائلة الملكية ستحميه، فإن العكس هو الذي حصل، وتمت جرجرته في المحاكم يوما بعد آخر؛ بل إن زوجته، الأميرة كريستينا، تم استدعاؤها، مثلها مثل سائر الناس، لكي تدلي بأقوالها في قضية فساد زوجها واحتمال تورطها معه؛ وحتى والدها الملك وقف أمام الكاميرا مُطأطأ الرأس وهو يعتذر إلى الإسبان بعدما انفضح أمره وعرف الناس أنه ذهب إلى إفريقيا لكي يصطاد الفيلة بينما الإسبان ينتحرون من فرط الأزمة، مع أن رحلات استجمامه كان يدفع مصاريفها مقربون منه، من بينهم عرب لا تحاسبهم شعوبهم.
في بلدان أخرى، ينتحر مسؤولون وسياسيون عندما تتفجر ملفات فضائحهم لأنهم يفضلون الموت على مذلة السجون ونظرات الاحتقار. وفي الصين مثلا، حيث تعيش قرابة ربع سكان الكرة الأرضية، يفضل المسؤولون الفاسدون القبر على المحاكمات، كما أنهم يعرفون أن القبر سيستضيفهم في النهاية إذا ثبتت تهم الفساد في حقهم، فالصين لم تصنع ازدهارها من فراغ، ذلك أنها تعدم مسؤوليها الفاسدين حتى يكونوا عبرة لغيرهم، وتلك هي الرسالة البليغة لعقوبة الإعدام.
في بلدان أخرى من هذا العالم، يمكن للمسؤولين اللصوص أن يسرقوا ما شاؤوا، لكنهم حين يقعون في أيدي القضاء فإنهم يعيدون ما سرقوه وفوقه ذعائر إضافية غليظة، لذلك عادة ما يفكر المسؤول الفاسد ألف مرة قبل أن يسرق، لأنه يعرف أنه لو تم ضبطه فسيصبح أفقر مما كان عليه قبل السرقة.
في أماكن كثيرة من العالم يوجد فساد كما يوجد أيضا قانون، غير أن هناك غسيلَ دماغٍ يعاني منه المغاربة، وشعارُه هو أن الفساد موجود في كل مكان وليس في المغرب فقط، لكن أصحاب هذا الشعار يقفون عند ويل للمصلين ولا يكملون «الذين هم عن صلاتهم ساهون»؛ فالفساد يمكن أن يكون موجودا في كل مكان، لكن القانون موجود أيضا في أماكن كثيرة. غير أن المعضلة الحقيقية توجد عندنا لأن الفساد يفعل ما تفعله الشيخات في سهرة ليلية.. إنه يرقص ويصرخ ويغني ويتمايل ويتغنج ويغري ويوحي ويهذي ويخرج لسانه ويغمز بعينيه، ومع ذلك لا أحد يحاسبه. إنه فساد يتمتع بحرية مطلقة ويتوفر على «لاكارْت بلانْش» لكي يفعل أي شيء في أي وقت وفي أي مكان.
في المغرب سياسيون ومسؤولون فاسدون من كل الأنواع والأصناف، إنهم يبدؤون بصنف الحمار الذي يسرق أي شيء، وينتهون بصنف الفيل الذي يلتهم كل شيء ويقتلع حتى الأشجار لأنه جشع باستمرار.
رغم كل هذا، فإن المغاربة لازالوا يعتقدون أنه يمكنهم أن يتعايشوا تحت سقف واحد مع الفساد، ويتوهمون أن الفساد لن يقف عائقا أمام التقدم والازدهار، مع أنه لم يحدث في تاريخ البشرية أن ازدهر بلد بقي نائما في حضن الفساد. وعندما صرح رئيس الوزراء التركي مؤخرا بأن بلاده تقدمت لأنه تم القضاء على الفساد، فإننا لم ننتبه بالمرة إلى ذلك الكلام، وبقينا نعتقد أنه يمكننا النوم مع الثعبان في نفس الفراش.