حياة وموت
جلس وحيدا يتأمل آثاره، وجهه شاحب يحمل تاريخ طفولة عمياء ، تأكل ما لا يؤكل كلامها لا يغير من العاصفة شيئا وشباب متعطش لآفاق بعيدة ، ودخان،فنار تحرق درجات السلم الفوقية.
22سنة ولم ينل إلا الرماد ،ولم يزل وسط أناس طبقات : الفردانية الجهنمية ، قهقهات النسور ، وضحكات الموتى ! ورثوها عن أجدادهم فلم يرث شيئا. اعتاد الألم واعتاد طلقات الرصاص المتتالية : رصاصات طائشة تقطن أجسام عشيرته ، ودموع تخرج من قلبه دما ولهيب يصعد من نار حبيبته.
هو نبي وليس كالأنبياء؛ هو إنسان ، وليس كباقي الأنام . ثقافته ووعيه غير وعيهم ضحكته وبكاؤه غير بكائهم ؛ إنه "ملك الناس" يدعو "إله الناس" من "شر الناس ".
جلس وحيدا يرضع أنين أبيه ، وصداع نفسه . أشعل شمعة اثنتين وعشرين سنة وأخذ ينتظر مجيء أصدقائه ، دقات حبيبته ...نام على رجل أحزانه ، وبدأ يحلم ، بيوم تنيره الشمس وفي السماء طيور بيضاء رسمت مظلة من حرير وحلم أنه يمشي مسافة ميل اتجاه حبيبته التي آمنت برسالته والناس مجردون من سلاح النفاق يحيونه بابتسامة لا صفراء. عشيرته تحمل راية دولة جديدة دولة السلم والانسانية ، حيث لا تسمع ، أنا عربي ، أنا عبري ، أنا عجمي ، أنا سامي ، أنا آري ..أنا مغربي! وحين وصل إلى باب صغيرته استيقظ على أنين أبيه ودقات قلبه وطلقات الرصاص. فانحنى على الشمعة التي بكت غياب حبيبته فكست حلوة الأعزاء رافضة كل اعتذار ، وادرف دمعة الأمل في كأس المرضى وخرج إلى عيون الناس الخادعة ، ونادى بصوت مرتفع : الانسانية أو الموت.