من يستطيع مساعدتي؟ - منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية
تسجيل جديد
أبرز العناوين



سؤال وجواب , دفتر الاستفسارات العامة هذا الركن بدفاتر dafatir خاص بجميع مايتعلق بالاستفسارات العامه و ليس لها علاقه بالدفاتر الاخرى يتم وضعها هنا مع الالتزام بقوانين الدفتر

أدوات الموضوع

الصورة الرمزية أم المعتصم بالله
أم المعتصم بالله
:: دفاتري بارز ::
تاريخ التسجيل: 6 - 9 - 2008
المشاركات: 127
معدل تقييم المستوى: 0
أم المعتصم بالله في البداية
أم المعتصم بالله غير متواجد حالياً
نشاط [ أم المعتصم بالله ]
قوة السمعة:0
قديم 03-12-2008, 22:13 المشاركة 1   
Smile من يستطيع مساعدتي؟

السلام عليكم...

احتاج مساعدة منكم اخواني فقد طلبت ببحث عن المقاومات الأمازيغيات بحتث أيــام لكن للأسف لم اجد شيئا فهل بينكم محسن يستطيع مساعدتي ؟

جزاكم الله خيرا









ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ
ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ
ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ
آخر مواضيعي

0 من يستطيع مساعدتي؟
0 يا أماه أبشري قد قُبل المهر وزُفت العروس ..
0 رسالة وقصة إلى كل مبتلى
0 أولى لحظات الشهيد
0 إلى أمة المليار...!!!
0 ماذا رأيت فينا أيها الشهيد ...
0 البــدانة
0 إبق بعيــدا عن الفتـن
0 انهيار الإمبراطورية الأمريكية
0 كيف تصبح أباً ناجحاً؟


kaito kid1412
:: دفاتري جديد ::
الصورة الرمزية kaito kid1412

تاريخ التسجيل: 17 - 11 - 2008
المشاركات: 67

kaito kid1412 غير متواجد حالياً

نشاط [ kaito kid1412 ]
معدل تقييم المستوى: 196
افتراضي
قديم 04-12-2008, 17:53 المشاركة 2   

لا يكلف الله نفسا الا وسعها
آسف لا أستطيع مساعدتك

وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان


ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ

غريب الأهل و الدار
:: دفاتري ذهبي ::

الصورة الرمزية غريب الأهل و الدار

تاريخ التسجيل: 3 - 9 - 2008
المشاركات: 1,680

غريب الأهل و الدار غير متواجد حالياً

نشاط [ غريب الأهل و الدار ]
معدل تقييم المستوى: 368
افتراضي
قديم 04-12-2008, 18:03 المشاركة 3   

تفضلي
موحا أو حمو الزياني
مهيـــد: يعد موحا أوحمو الزياني من أهم أبطال المقاومة الأمازيغية في التاريخ المغربي الحديث والمعاصر إلى جانب محمد الشريف أمزيان وعبد الكريم الخطابي وعسو أبسلام؛ لما أظهره من بسالة بادية للعيان في تاريخ القرن العشرين، وشجاعة قل نظيرها في العديد من الحروب الحامية الوطيس و المعارك المظفرة التي سحق فيها العداة سحقا شديدا وأذاقهم فيها هزائم نكراء.
وقد اشتهر موحا أو حمو الزياني بنضاله المستميت في المعركة الشهيرة التي أباد فيها الكثير من قوات الجيش الفرنسي في الأطلس المتوسط قرب مدينة خنيفرة، وتسمى هذه الواقعة بمعركة لهري التي وقعت سنة 1914م، بعد أن حاصر الفرنسيون مخيم قائد قبائل زيان من جميع النواحي قصد القضاء عليه بصفة نهائية. وقد سببت مناوشات موحا أوحمو وحروبه المتتالية ضد الغزاة في تأخير غزو الأطلس المتوسط والجنوب الشرقي لسنوات عدة إلى غاية استشهاد الزعيم في سنة 1921م.
هذا، وقد سبب موحا أوحمو الزياني لفرنسا المحتلة خسائر فادحة في العتاد والأرواح لمدة ست سنوات من المعارك والحروب التي أبلى فيها الزيانيون البلاء الحسن بفضل حنكة وخبرة البطل المجاهد الأمازيغي موحا أوحمو الزياني.
إذا، من هو موحا أو حمو الزياني؟ وماهي أهم التطورات التي مرت منها مقاومته الباسلة في تحدي المستعمر الأجنبي الفرنسي؟ وماهي الخطوات التي انبنى عليها سيناريو معركة لهري ونتائجها المباشرة وغير المباشرة؟ وما مصير مقاومة موحا أو حمو الزياني؟
1- من هو موحا أو حمو الزياني؟
من المعلوم أن موحا أو حمو من مواليد سنة 1877م، وكان قائدا مخزنيا على قبائل زيان منذ1887م بمدينة خنيفرة التي اتخذها مقرا لمقاومته الشرسة ضد العدو الفرنسي منذ سنة 1914م. وعمل جاهدا على توحيد كلمة الأمازيغيين بالأطلس المتوسط، و جمع شمل الزيانيين، وكون جيشا مدربا على المقاتلة والتحدي والصمود والوقوف في وجه الأعداء العتاة من الغزاة الأجانب، وتحالف مع القبائل الأمازيغية المجاورة في الأطلسين: الكبير والصغير للوقوف في وجه القوات الفرنسية التي أرادت إخضاع الأطلس المتوسط للتحكم في طرق المواصلات واستنزاف خيرات المنطقة وتطويقها لفرض الأمن قصد استكمال مسلسل الاحتلال واستعمار باقي المناطق المغربية التي لم يتم احتلالها بعد.
ومن المعروف تاريخيا أن زوجته يطو هي التي حولت زوجها موحا أوحمو من خاضع للقوات الفرنسية إلى بطل مقاوم شهم يدافع عن حرمات قبائل زيان باستماتة استشهادية ونبل كبير منقطع النظير.
هذا، وقد استمرت مقاومة موحا أوحمو الزياني مدة ست سنوات من 1914م إلى 1920م، ليستشهد البطل المقاوم في معركة "أزلاغن تزمورت" ضد الجنرال "بوميرو" يوم 27 مارس 1921م، ويدفن بعد ذلك في مقابر " تاملاكت".
وقد اشتهر موحا أو حمو الزياني بمعركة لهري الشهيرة التي أذاق فيها العدو الفرنسي شر هزيمة، وسحق فيها معظم قواته المحنكة بفنون الحرب وقواده المعروفين بدراية التخطيط العسكري. ومن ثم، سيصبح موحا أو حمو الزياني دائما من أهم أبطال المقاومة الأمازيغية، ومن أهم الرجال الشجعان والمجاهدين البواسل الذين يفتخر بهم التاريخ المغربي الحديث والمعاصر، وسيبقى علما منتصبا في صفحات البطولة والمقاومة يتذكره الماضي والحاضر والمستقبل.
2- تطور مقاومة موحا أو حمو الزياني؟
لم تظهر مقاومة موحا أو حمو الزياني بشكل جلي إلا في سنوات العقد الأول من القرن العشرين الميلادي قبل فرض الحماية الفرنسية على المغرب سنة 1912م. وبدقة أكثر، لم تتأجج ميدانيا إلا مع محاولة الفرنسيين التغلغل في السهول المغربية استعدادا لغزو جبال الأطلس الشامخة لتطويق رجال المقاومة الأمازيغ الذين عرفوا بشراسة المعارك وقوة الشكيمة و الرغبة العارمة في الاستشهاد والدفاع عن الحرمات والأعراض. وهكذا، نجد موحا أوحمو يصطدم مع الفرنسيين منذ وقت مبكر حينما أرسل بعض قواته للدفاع عن الشاوية منذ سنة 1908م، كما ساهمت قواته في الدفاع عن القصيبة سنة 1913م. وتبقى أهم معركة سيخوضها موحا أوحمو الزياني هي معركة لهري سنة 1914م، ومعركة الاستشهاد في 27 مارس 1921م بتاوجكالت.
كما قلنا سابقا: إن مقاومة موحا أوحمو انطلقت شرارتها الأولى منذ وقت مبكر قبل فرض الحماية ميدانيا وعمليا، عندما حاول الكولونيل مانجان احتلال تادلا تمهيدا لاحتلال الأطلس المتوسط للقضاء على قبائل زيان ومقاومتهم العتيدة. لذا، وحّد موحا أوحمو وموحا أوسعيد جهودهما لمواجهة القوات الفرنسية الغازية، بيد أن انبساط السهول في منطقة تادلا وتفوق فرنسا عسكريا ونقص الذخيرة عند المقاومين الأمازيغيين سهل الأمر على الفرنسيين الدخول إليها في أبريل 1913م.
وعلى الرغم من هذا الاحتلال، فقد ألحق قائدا المقاومة الأمازيغية بالفرنسيين خسائر فادحة في الأرواح والبشر في معركة القصيبة التي دامت ثلاثة أيام متواصلة، والتي أدت بالكولونيل مانجان إلى التراجع إلى منطقة تادلا، ولم يدخل الفرنسيون قصبة بني ملال إلا في صيف سنة 1916م، في حين لم تخضع القوات الفرنسية القصيبة إلا في أبريل 1922م، بعد أن جهزت لذلك قوة ضخمة من الرجال والعتاد.
3- سيناريو معركة الهري:
تعتبر معركة لهري الملحمية من أهم المعارك التي خاضها الزيانيون الأمازيغيون ضد المحتل الفرنسي الذي استهدف إذلال الأطلسيين وتركيعهم، واستنزاف خيراتهم واغتصاب ممتلكاتهم، والتصرف في مواردهم وأرزاقهم،والتحكم في رقابهم وحرياتهم التي عاشوا من أجلها.
ولايمكن الحديث في الحقيقة عن المقاوم البطل موحا أوحمو الزياني إلا في ارتباط وثيق مع هذه المعركة التي سجلت معالم وجوده بدماء حمراء في صفحات التاريخ الحديث و المعاصر في القرن العشرين الميلادي.
أ‌- دوافــــع معركة لهري:
قرر المحتل الفرنسي إخضاع جبال الأطلس الكبير والمتوسط والصغير قصد تطويق المقاومة الأمازيغية ومحاصرتها برا وجوا وبحرا من أجل فرض الأمن واستتباب الطمأنينة في نفوس المعمرين الأجانب لاستغلال المغرب واستنزاف خيراته الاقتصادية. لكن احتلال المغرب ضمن أبعاد فرنسا الاستعمارية ونواياها المبيتة لن يكون في صالح الحكومة الحامية إلا بالاستيلاء على الأطلس المتوسط باعتباره ممرا إستراتيجيا يفصل الشمال عن الجنوب، ويفصل أيضا الغرب عن الشرق، ويهدد كذلك وجود فرنسا بالجزائر ومدينة وجدة والمغرب الشرقي الجنوبي، ويهدد كل المناطق المتاخمة للحدود الجزائرية.
كما يكتسي الأطلس المتوسط أهمية جغرافية واقتصادية على المستوى المائي والفلاحي والغابوي؛ لكونه منبعا لكثير من الأنهار والمصبات بفضل كثرة الثلوج المتساقطة على المنطقة، والتي تتحول إلى مجار وينابيع وعيون مائية تنساب في الكثير من الأنهار كنهر أم الربيع ونهر ملوية ووادي العبيد. وبالتالي، تساهم هذه الأنهار والأودية في إنشاء السدود وتوليد الطاقة الكهربائية، فضلا عن توفر الأطلس المتوسط على خط المواصلات المباشر الذي يربط بين مراكش وفاس عبر أم الربيع وخنيفرة.
وقد دفع هذا الوضع الإستراتيجي الإقامة الفرنسية بالرباط إلى التفكير في احتلال الأطلس المتوسط لفتح الطرق والممرات البرية لتسهيل التواصل بين فاس ومراكش وتسخير خيرات الجبال لصالح فرنسا التي كانت تخوض حربا كونية ضد دول المحور التي كانت تتزعمها الإمبراطورية الألمانية بقيادة بسمارك. كما أن أغلب المقاومين الذين كانوا يحاربون فرنسا كانوا يحتمون بجبال الأطلس المتوسط ولاسيما المقاومين الزيانيين.
و قد أثبت ليوطي المقيم العام بالمغرب في 2 ماي 1914م دوافع احتلال الأطلس المتوسط حينما صرح قائلا:" إن بلاد زيان تصلح كسند لكل العصاة بالمغرب الأوسط، وإن إصرار هذه المجموعة الهامة في منطقة احتلالنا، وعلاقتها المستمرة مع القبائل الخاضعة، يكون خطرا فعليا على وجودنا، فالعصاة المتمردون والقراصنة مطمئنون لوجود ملجإ وعتاد وموارد، وقربها من خطوط محطات الجيش ومناطق الاحتلال جعل منها تهديدا دائما لمواقعنا، فكان من الواجب أن يكون هدف سياستنا، هو إبعاد كل الزيانيين بالضفة اليمنى لأم الربيع".
ونفهم من خلال هذا التصريح أن خوض المعركة ضد الزيانيين بجبال الأطلس المتوسط فرضته دوافع إستراتيجية تتمثل في محاصرة المقاومة الأمازيغية التي كانت تساعد القبائل المجاورة والسهول المحتلة من قبل على التحرر والانعتاق من قبضة المحتل الفرنسي الذي بذل مجهودات جبارة من أجل السيطرة عليها وتطويعها.
ب‌- سيـــاق معركة لهري ومراحلها:
بعد معارك ضارية في منطقة تادلا إلى جانب رفيقه في المقاومة موحا أو سعيد، تراجع أوحمو الزياني إلى مدينة خنيفرة التي كان قائدا لها، فجمع الزيانيين ووحد القبائل الأمازيغية بالأطلس المتوسط وتحالف مع القبائل الأطلسية المجاورة، فكون جيشا قويا مدربا على الرغم من نقص العتاد والأسلحة والمؤن التي تؤلهم للاستمرار في المعركة مدة طويلة.
ولما فشل الفرنسيون في استمالة موحا أوحمو وإغرائه وتسويفه، قررت القوات الغازية بقيادة الكولونيل هنريس Henrys أن تشن حرب الإبادة ضده وضد القبائل الأمازيغية وخاصة قبيلة زيان المعروفة بالشجاعة النادرة وقوة الشكيمة كما يعترف بذلك الجنرال گيوم :" لاتكمن قوة الزيانيين في كثرة عددهم بقدر ماتكمن في قدرتهم على مواصلة القتال بالاعتماد على ماكانوا يتحلون به من بسالة وتماسك وانتظام، وأيضا بفضل مهارة فرسانهم البالغ عددهم 2500 رجل، فكانوا بحق قوة ضاربة عركتها سنوات طويلة من الاقتتال. كما كانت أيضا سرعة الحركة والإقدام إلى جانب القدرة العفوية على المخاتلة في الحرب من الصفات المميزة لمقاتليهم..."
ويتبين لنا من هذا الاعتراف الذي صرح به قائد القوات الأجنبية أن الزيانيين بقيادة موحا أوحمو كانوا من المقاومين الأشداء، ومن المناضلين المتمرسين على فنون الحرب والقتال، يمتازون بالقوة والشجاعة، والاستشهاد في سبيل الله والاعتماد على الإيمان في خوض حروبهم ضد المستعمرين المحتلين، و اختيار حرب العصابات وأسلوب الكر والفر والمقاومة الشعبية السريعة والخاطفة في مواجهة الأعداء المتغطرسين وسحقهم.
وعلى أي، فقد دخل الفرنسيون بقيادة الكولونيل هنريس مدينة خنيفرة في 12 يونيو 1914م بجيش تجاوز تعداده ثلاثين ألف محارب، فاضطر القائد موحا أو حمو الزياني إلى إخلائها والاحتماء بالجبال المجاورة للمدينة، فبدأ يشن هجماته المرات والمرات على مدينة خنيفرة، ودخل مع المحتل في مناوشات واصطدامات كثيرة انتهت بخسائر جسيمة في صفوف الجيش الفرنسي.
هذا، وقد تعسكر موحا أوحمو مع أتباعه في مخيم بمنطقة لهري استعدادا لكل هجوم مباغت وفرارا من مدينة خنيفرة التي سيطر عليها الكولونيل هنريس، وتقع قرية لهري على مسافة 15 كيلومترا من خنيفرة.
ولما علم الكولونيل بوجود موحا أوحمو الزياني بمعسكر لهري مع أتباعه القليلي العدد، استغل ليلة شتاء 13 نوفمبر 1914م لمباغتة المقاومين داخل مخيمهم بعد أن أباد الأطفال والشيوخ والنساء بدون رحمة. وهكذا، بادر الجيش الفرنسي بقوات حاشدة لتطويق المقاومة بصفة نهائية، وهنا يقول محمد المعزوزي:" وقام بتنفيذ خطته يوم 12 نونبر، حيث تحرك بأربع فرق تضم 1300 جندي، معززة بالمدفعية، وتوجه إلى معسكر لهري حيث قام بهجوم مباغت على الدواوير ومكان المجاهدين".
وكانت المعركة التي ظنها المستعمر الفرنسي سهلة المرامي، فإذا بها تصبح بفضل شجاعة المقاومين الأشداء حربا حامية الوطيس تلطخت بدماء القتلى وجثث الغزاة التي افترشت الثرى بعد الهجوم العسكري الفاشل:" لقد كان الهجوم على معسكر الزياني عنيفا، حيث بدأ في الساعة الثالثة صباحا، وتم تطويق المعسكر من أربعة جهات في آن واحد، ليبدأ ال*** شاملا، حيث قذفت الخيام المنتصبة التي تحتوي الأبرياء، وقام الجنود بأمر من لاڤيردور بمهاجمة القبائل المحيطة بالقرية، فيما استغل البعض الآخر – الجنود- الفرصة لجمع القطيع الموجود من الأغنام والأبقار، واختطاف النساء توهما بالنصر.
هذا في الوقت الذي كان فيه حشد آخر يقصد الجبل لتمشيطه من المقاومة، وبذلك تحولت منطقة لهري إلى جحيم من النيران، وسمعت أصوات الانفجارات في كل المناطق المجاورة، وظن قائد الحملة العسكرية على لهري أن النصر حليفه، وأنه وضع حدا لمقاومة الزياني.
غير أنه أصيب بخيبة أمل حينما فوجئ برد عنيف من طرف المقاومين ليدرك بعد ذلك أنه ألقى بنفسه وبقوته في مجزرة رهيبة ودوامة لاسبيل للخروج منها."
بيد أن المعركة ستحسب لصالح موحا أوحمو الزياني بعد أن تحالفت معه القبائل الأمازيغية المجاورة، والتي حضرت بسرعة خاطفة خاصة إشقرين وآيت بوحدو وآيت نوح وآيت بويشي وآيت شارط وآيت بومزوغ وآيت خويا وآيت إحند وآيت يحيى وآيت سخمان وآيت إسحق تسكارت وآيت بوحدو ولمرابطين وقبائل زيان. وقد حاصرت هذه القبائل جميعها الجنود الفرنسيين من كل النواحي، وطوقتهم بشكل مباغت ومفاجئ، فواجهتهم بكل الأسلحة الموجودة لديهم من بنادق وفؤوس وخناجر، وقد أبانت هذه القبائل عن محبتها للقائد موحا أوحمو وعن روح قتالية عالية ورغبة كبيرة في الانتقام من الغزاة الطامعين.
وقد أظهرت الحرب هزيمة الفرنسيين بعد مقتل الكثير من الجنود والضباط ؛ مما جعل القواد يطلبون مزيدا من التعزيزات والوحدات الإضافية، لكن موحا أوحمو لم يترك لهم فرصة الانسحاب، فتتبع قواتهم الفارة، فحاصرها من كل النواحي إلى أن فتك بالكولونيل لاڤريدور عند نقطة بوزال؛ مما اضطر باقي جنوده إلى الإذعان والاستسلام لقائد قبائل زيان، بعد أن تمكن المقاوم الأمازيغي موحا أو حمو من القضاء على نصف القوات الغازية المعتدية.
ت‌- نتائــج المعركة:
حققت معركة لهري التي قادها البطل المقاوم موحا أو حمو برفقة الزيانيين والقبائل الأمازيغية المتحالفة نتائج إيجابية على جميع الأصعدة، ولاسيما أنها كبدت المستعمر المحتل عدة خسائر في العتاد والأرواح البشرية، فكانت بمثابة فاجعة مأساوية بالنسبة للفرنسيين حتى قال الجنرال " كيوم " Guillaumeأحد الضباط الفرنسيين الذين شاركوا في الحملة على قبائل الأطلس المتوسط في مؤلفه "البربر المغاربة وتهدئة الأطلس المتوسط (1939/1912): "لم تمن قواتنا قط في شمال إفريقيا بمثل هذه الهزيمة المفجعة"•
وقد بين محمد المختار السوسي في كتابه "المعسول" بأن معركة لهري أسفرت عن مقتل أكثر من عشرين شخصية عسكرية ذات الرتب العالية ناهيك عن أسر الكثير من الجنود، وفي هذا الصدد يقول :" ومن أكبر الوقائع في الحروب وقعة الهري التي استوصل(قتل) فيها رؤساء جنود الفرنسيين أكثر من 20 فيهم الكولونيلات(colonels) والقبطانات (capitains) والفسيانات(officiers)، وتفصيلها أن العسكر الفرنسي تقدم بقوة عظيمة وتوغل في تلك الجبال إلى أن وصل الهري المذكور، فانقض عليه عسكر زيان (بزعامة موحا أو حمو الزياني) ومن معهم وسدوا عليهم المسالك التي سلكوها وجعلوا يقتلونهم كيف يشاؤون ويأسرون إلى أن أفنوهم".
وقد ترتبت عن هذه المعركة مقتل 33 قتيلا من الضباط و650 قتيل من الجنود و176 جريح، وغنم المقاومون المغاربة كثيرا من العتاد العسكري الحديث، فحصلوا على 3مدافع كبيرة و10مدافع رشاشة وعدد كبير من البنادق وعشرات الخيول المحملة بالذخيرة الحربية والمؤن.
4- مصير مقاومة موحا أوحمو الزياني:
خاض موحا أو حمو الزياني بعد معركة لهري عدة معارك ضد القوات الفرنسية حقق فيها نتائج إيجابية، حيث فرض القائد موحا أوحمو الحصار على مدينة خنيفرة، وهاجم رجاله قوافل التموين المتجهة إليها إبان فترة الحرب العالمية الأولى. لكن تطويق فرنسا للمقاومين الزيانيين الذين أحسوا بالتعب والإعياء والبؤس، ومحاصرتهم لهم برا وجوا عن طريق قنبلة القرى بالطائرات، بالإضافة إلى صعوبة التضاريس التي حالت دون تسهيل ربط الاتصالات والتحالفات مع القبائل الأطلسية المجاورة. فقد جعل كل هذا موحا أو حمو الزياني يستبسل بشرف وشجاعة قل نظيرها في آخر معركة بطولية يخوضها ضد المحتل الفرنسي الغاشم وهي معركة أزلاغن تزمورت بنواحي تملاكت يوم 27 مارس 1921م، حيث أصيب موحا أو حمو برصاصة العدو الاستعماري التي أودته شهيدا، وكانت تلك الرصاصة بمثابة تأشير على نهاية لمقاومة بطولية أمازيغية شرسة دامت ست سنوات من المقاتلة والعراك المظفر الباسل، أظهرت بكل جلاء ووضوح للعدو الفرنسي شجاعة المقاومين الأمازيغيين بصفة خاصة والمغاربة بصفة عامة.
ولم يكن سبب فشل مقاومة سكان الأطلس المتوسط والكبير والصغير في الحقيقة هو ضعف القدرة القتالية عند الأمازيغيين المغاربة، وإنما كان سببها يعود إلى ضعف التأطيروالتنظيم ونقص في الإمكانيات المادية والمالية ونقص في الأسلحة والذخيرة.
وبموت القائد المناضل موحا أوحمو الزياني خلا الجو للفرنسيين الغزاة لاستكمال خطتهم العسكرية في احتلال المغرب لاستنزاف خيراته، وامتلاك ثرواته وتصديرها إلى الأسواق الفرنسية والعالمية قصد خدمة مصالح رأسماليتها المغتصبة وإشباع أهوائها الجشعة.
خاتمة:
وعليه، سيبقى موحا أوحمو الزياني من أهم أعتى أبطال المقاومة الأمازيغية في تاريخ المغرب الحديث والمعاصر بفضل معاركه المظفرة التي خاضها ضد الفرنسيين الذين حاولوا تسخير المغرب لصالحهم واستغلال ثرواته طمعا وجشعا، وطمس الهوية البربرية بمسخها وتشويهها، والإساءة إلى حرمات الأمازيغيين وأعراضهم، والمس بشخصيتهم الدينية المبنية على حب الإسلام وتقديس ال**** في سبيل الله، وزعزعة ثقتهم عن طريق خلق الفتن والإحن بمحاولة فصلهم عن إخوانهم العرب.
بيد أن أمازيغ جبال الأطلس المتوسط، استطاعوا أن يصدوا المحتل وأن يلقنوه درسا في الصمود والتحدي وخاصة في المعركة الشهيرة التي كانت بمثابة نقطة سوداء في تاريخ فرنسا بالمغرب وهي معركة لهري التي اندلعت في سنة 1914م، وأودت بالكثير من الغزاة الفرنسيين، وأخرت احتلال المغرب من قبل المستعمر الفرنسي لسنوات عدة إلى أن استشهد موحا أو حمو الزياني سنة 1921م.
لكن المقاومة المسلحة المغربية وإن توقفت مع بداية الثلاثينيات، فإن مقاومة أخرى ستنطلق شرارتها وهي المقاومة السلمية التي تأجج أوارها مع الحركة الوطنية، والتي سيسفر عنها ثورة الملك والشعب وظهور جيش التحرير في سنوات الخمسين ليحصل المغرب بعد ذلك على استقلاله سنة 1956م

ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ
جميل حمداوي


التعديل الأخير تم بواسطة غريب الأهل و الدار ; 04-12-2008 الساعة 18:18

غريب الأهل و الدار
:: دفاتري ذهبي ::

الصورة الرمزية غريب الأهل و الدار

تاريخ التسجيل: 3 - 9 - 2008
المشاركات: 1,680

غريب الأهل و الدار غير متواجد حالياً

نشاط [ غريب الأهل و الدار ]
معدل تقييم المستوى: 368
افتراضي
قديم 04-12-2008, 18:07 المشاركة 4   

عسو أوبسلام
تمهيد:
من المعروف أن عسو أوبسلام من أهم أبطال المقاومة الأمازيغية في التاريخ المغربي الحديث والمعاصر إلى جانب محمد الشريف أمزيان وعبد الكريم الخطابي وموحا حمو الزياني. وقد اشتهر عسو أوبسلام بمحاربته للگلاويين والفرنسيين في الجنوب المغربي وانتصاره على المحتل في معركة بوگافر سنة 1933م.
وإذا كان عبد الكريم الخطابي قد أشعل نار المقاومة في جبال الريف، وموحا أوحمو الزياني قد أججها في جبال الأطلس المتوسط، فإن عسو أوبسلام قد حرض آيت عطا على مجابهة الاستعمار الفرنسي في الأطلس الكبير الشرقي وجبل صاغرو إبان الثلاثينيات من القرن العشرين.
ونلاحظ أن مقاومة عسو أوبسلام أشبه بمقاومة عبد الكريم الخطابي من حيث النهاية والمصير؛ لأنها انتهت بالاستسلام والتفاوض حقنا للدماء وزهق نفوس الأطفال والشيوخ والنساء في معركة تحررية غير متكافئة القوى بين الطرفين المتحاربين عددا وعدة.
إذاً، من هو عسو أوبسلام؟ وماهي أهم المراحل التي مرت منها مقاومته ال****ية ضد الفرنسيين والگلاويين؟ وماهي النتائج التي أسفرت عنها مسيرته النضالية ضد خونة الداخل وغزاة الخارج؟
1/ من هو عسو أوبسلام؟
ولد عسو أوبسلام في سنة 1890م، و يعد من كبار المقاومين السوسيين الأمازيغ في ثلاثينيات القرن العشرين الميلادي، فقد تولى شؤون قبيلة آيت عطا لبسالته المعهودة وشجاعته المعروفة في القيادة وتأطير المقاومين وتوحيد قبائل آيت عطا والتمكن من التدبير المدني والعسكري والنجاح في عقد التحالفات بين قبائل الأطلس المجاورة لصد الغزاة وخونته العتاة.
وبعد تغلغل الاحتلال الفرنسي ومعاونيه من الگلاويين في الأطلس الكبير الشرقي وجبل صاغرو، تولى قيادة المقاومة الأمازيغية ضد الگلاويين والفرنسيين على حد سواء، ودخل عسو أوبسلام معهم في معارك عديدة أهمها معركة بوگافر سنة 1933م التي انتصر فيها على المستعمر الفرنسي أيما انتصار. ولم يستسلم هذا المقاوم الشهم إلا في 25 مارس1933م بعد اشتداد الحصار المفروض عليه برا وجوا، وتطويقه عسكريا من جميع الجهات؛ مما دفعه الواقع المر والظروف المأساوية التي كانت تعرفها قبائل آيت عطا إلى الاستسلام والتفاوض وفق شروط كانت في صالح آيت عطا، وكانت وفاة عسو أوبسلام رحمه الله سنة 1963م.
2/ تطور مقاومة عسو أوبسلام:
انطلقت مقاومة عسو أوبسلام من الأطلس الكبير بين أحضان جبل صاغرو، ووجه مقاومته وجهتين: الوجهة الأولى استهدف من خلالها محاربة التهامي الگلاوي الذي فرض سطوته على الجنوب مع العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، وساعده الفرنسيون على مد نفوذه على كل قبائل الجنوب ودعموه بالمال والأسلحة من أجل تطويق السوسيين والتخلص من مقاوميهم الأشاوس وأبطالهم الشجعان وثوارهم الأقوياء، وكل ذلك من أجل إشباع رغباته المادية والجسدية، وتقوية سلطته السياسية على منطقة الجنوب من مقره المركزي بمراكش، وتقوية مكانته الاجتماعية وفرض جبروته من أجل الاستيلاء على ممتلكات الآخرين وجمع أموالهم على حساب مصلحة الشعب ومصلحة الوطن العليا.
وهكذا، عمل الگلاوي وأتباعه من القواد ورجال الإقطاع على إثارة التفرقة في الجنوب وتشتيت وحدة الأمازيغيين من قبائل سوس، كما ساعدوا على تمكين الفرنسيين في منطقة الجنوب عن طريق زرع الفتن بين القبائل و نشر الخلاف بينها، وجذب بعض الزعماء إليهم وإبعاد الآخرين ومحاربتهم بالتحالف مع الجيش الفرنسي، وشن حملات عسكرية ضد المعارضين لسياستهم المهادنة للمستعمر الفرنسي، فحاربهم المقاوم الوطني بلقاسم النگادي في منطقة درعة إلى أن انتهت مقاومته في 1934م بعد أن حاصره الفرنسيون مستعملين في ذلك الطيران، فانتقل بعد ذلك للاستقرار في المغرب الشرقي.
ومن جهة أخرى، قاوم عسو أوبسلام القوات الفرنسية مقاومة باسلة ولاسيما في المعركة المظفرة بوگافر التي انتصر فيها المجاهدون السوسيون انتصارا باهرا حير القادة الفرنسيين آنذاك، واعترف ضباط الاحتلال بهزيمتهم النكراء، وأشادوا بشجاعة المقاوم القائد عسو أوبسلام حتى في لحظة استسلامه، كما أثنوا على صمود المجاهدين وصبرهم وتفانيهم الصادق في ال**** والدفاع عن أرضهم وحماية أعراضهم و الاستبسال من أجل الحفاظ على ممتلكاتهم وأرزاقهم.
3/ سيناريو معركة بوغافر:
أ‌- سياق المعركة وحيثياتها:
لم تندلع مقاومة عسو أوبسلام في الأطلس الكبير الشرقي وجبل صاغرو إلا للوقوف في وجه الحملات التمشيطية التي كان يقوم بها الگلاوي في المناطق السوسية لإخضاعها للفرنسيين مقابل الحصول على الامتيازات المادية والمعنوية وبسط نفوذه السيادي على كل القبائل الأمازيغية في الجنوب تذليلا و تفقيرا وتجويعا وتسخيرا.
وهناك دافع آخر كان وراء اندلاع هذه المقاومة الأمازيغية الشرسة وهو أكثر أهمية من الدافع الأول يتمثل في تغلغل القوات الفرنسية في جبال الأطلس الكبير الشرقي قصد السيطرة على خيرات الجنوب واستنزاف معادنه ونهب ثرواته وتحويل سكانه الأحرار إلى عبيد أذلاء مسترقين يخدمون المستعمر الغاصب الذي لايخدم سوى مصالحه الشخصية على حساب مصلحة المحميين الذين يعدون اجتماعيا من الدرجة الدنيا أو من الطبقة الخسيسة الحقيرة التي لاتستحق سوى التعذيب والتجويع والإهانة.
وهناك دافع آخر يتمثل فيما هو ديني وأخلاقي، فمن المعروف أن الأمازيغيين يخافون كثيرا على أعراضهم ويغيرون على حرماتهم ويذودون على نسائهم ويسترخصون في ذلك النفس والنفيس ؛ لأنهم لا يقبلون بالذل والعار ولا بالضيم والفحش والجور، لذا انبروا مسرعين في صف واحد متحالفين مع قبائل الأطلس المجاورة لمجابهة العدو الكافر الذي أتى ليخدش كرامتهم ويذل رقابهم ويستحيي نساءهم ويسومونهم سوء العذاب.
ب‌- مراحل المعركة:
لم تتأجج مقاومة عسو أوبسلام ميدانيا إلا بعد قضاء الفرنسيين على مقاومة أحمد الهيبة في الجنوب، واحتلالهم لغرب الأطلس الكبير والأطلس الصغير انطلاقا من مدينة مراكش. لذا، تجمعت قبائل آيت حمو وآيت مورغاد وآيت عطا بجبل صاغرو، شرق الأطلس الصغير، وقد اتخذ عسو أوبسلام هذه المنطقة الجبلية قلعة حصينة للمقاومة والصمود والتحدي، فقاد القبائل السوسية لخوض معركة بوگافر في فبراير 1933م لصد تغلغل المحتل الفرنسي، ورفض كل الإغراءات والمساومات التي قدمتها فرنسا له على لسان المترجمين المغاربة .
هذا، وقد أظهر السوسيون شجاعة كبيرة في هذه المعركة وبطولة ملحمية كبدت الفرنسيين خسائر فادحة في الأرواح البشرية والعتاد العسكري والمؤن على الرغم من الظروف التي عاش فيها المقاومون أثناء خوضهم غمار الحرب ضد الأعداء الفرنسيين كالمعاناة من العطش والجوع وشدة البرد وانعدام الإمكانيات المادية والمالية وقلة الذخيرة العسكرية لمقاومة المحتل أطول وقت ممكن. كما كان المقاومون السوسيون يتعرضون ليلا ونهارا لوابل من القنابل ورصاصات الرشاشات القاتلة. ويعترف أحد الضباط الفرنسيين بشجاعة السوسيين في معركة بوگافر وببسالة عسو أوبسلام:" ابتداء من 13 فبراير 1933م كان فشل الهجومات الأولية...ومن 22 إلى 28 فبراير كان الهجوم على بوغافر... وقد اصطدمنا بمقاومة لاتصدق للثوار... حيث كانت خسائرنا مهمة... ومع استحالة وصولنا إلى قمة بوغافر (أحد جبال صاغرو) تقرر الحصار من طرف القيادة... وحينئذ، وطيلة شهر بكامله كانت مقاومة الثوار للبرد والجوع والعطش باهرة، على الرغم من تلقيهم لوابل من القنابل نهارا وليلا، وإطلاق الرشاشات عليهم كلما اقتربوا من أحد الآبار، فقد قاوموا كل العروض المغرية...الموجهة إليهم من طرف المترجمين...".
ومن المعلوم أن الفرنسيين قدموا إلى قمة بوگافر بقوة عسكرية تعدادها 83 ألف مقاتل سنة 1933م مدعمة بسلاح الطيران انطلاقا من مدينة ورزازات، بينما كان عدد المجاهدين هو سبعة آلاف رجل مدججين ببنادق بسيطة. فطلع الجنود الفرنسيون - حسب وثيقة تاريخية شاهدة - إلى جبل صاغرو: "من كل جهة... ويضربون بالبارود والأنفاط (القنابل) والقرطاس والطيايير(الطائرات) والمهابلة (المدافع الرشاشة)، والمسلمون (المجاهدون من آيت عطا بزعامة عسو أوبسلام) يضربونهم حتى قتلوا في النصارى كذا وكذا من نفس (عدد كبير) بين الفسيانة وقبطان واكنانيرة وكولونيلات وكبار حكامه وسرجانه (sergents)، وغير ذلك من گوم (Goumiers)، وعساكر، ومع الذين حركوا معه يسمى برطيزة (Partisans، المجندون من أبناء القبائل) وأما الذي مات في لالجو(la légion) لايحصى عدده إلا الله... وقعدوا (استمر) البارود في تلك الجبال بكافر منه خمسة وأربعون يوما... والمسلمين لم يكن عندهم جهد من القوام من العدة والبارود والمؤونة..."
ولم تقتصر معركة بوگافر على الرجال السوسيين فقط، بل كانت النساء السوسيات يحرضن المقاومين على القتال وال****، إذ اتخذت النازلة أو المعركة صبغة دينية، فالصراع هنا بين المسلمين والكفرة، وتقول الوثيقة التاريخية الشاهدة في هذا الصدد مشيرة إلى دور المرأة الأمازيغية في تحفيز المجاهدين على الاستمرار في المعركة والتصدي للعداة الأجانب" وكذلك النساء التي حضروا (حضرن) في تلك الغزوة، وأنهن فعلن كما(مثل)أفعال الرجال في يوم القتال رضي الله عنهن، وأنهن تنبهن الرجال في يوم القتال ليقولن كونوا الرجال... والنصارى خدام الكور(مستمرون في ال***)، والقرطاس على المسلمين ليلا ونهارا، والأرض تضرب مثله كمثل المطر إذ كان ينزل بالكثرة، ودخان الأنفاط والطيارات على المسلمين كمثل الغيام الأسود، ولم يحيرن (غير مباليات) أنهن يقولون (يقلن) للمسلمين اضربوا العدو".
ويعني هذا أن المرأة الأمازيغية كانت تقاوم إلى جانب الرجل، وكانت في بعض الأحيان أكثر جرأة وشجاعة من الرجال، إذ لم يقبلن بسياسة التفاوض والاستسلام ولو كان ذلك الاتفاق مشروطا وفي صالح آيت عطا، فقد أورد الشعر الأمازيغي في هذا السياق الكثير من الأبيات الشعرية على لسان نساء آيت عطا ينتقدن فيها عسو أوبسلام ويرفضن استسلامه الفاشل حينما قبل التفاوض مع المحتل، وهادن الكفرة بدلا من النضال حتى آخر لحظة من حياة التصدي والصمود.
ت‌- نتائج المعركة:
أسفرت معركة بوگافر التي وقعت في فبراير 1933م عن تكبيد الاستعمار الفرنسي 3500 قتيل، واستمرت المعركة اثنين وأربعين يوما حسب الروايات الفرنسية أو خمسا وأربعين يوما في روايات مغربية مقابلة، وترتب عنها مقتل الكثير من الضباط ذوي الرتب السامية، واستخدمت فرنسا فيها أفتك الأسلحة المتطورة من رشاشات ومدفعية ثقيلة وطائرات مقنبلة. بيد أنها لم تفلح في تحقيق الانتصار الحقيقي؛ مما دفع قواد الجيش الفرنسي للاستنجاد بالقيادة المركزية لإغاثتهم بقوات عسكرية إضافية.
وفي المقابل، تقدر مجموعة عسو أوبسلام التي نزلت للتفاوض مع الجنرال هوري HURE بعد معركة بوگافر بعد 30 ماي 1933م حسب المصادر الفرنسية 2949 نفر، من ضمنهم 1200 مقاتل. ومن هنا نفهم بأن معارك بوگافر أدت إلى استشهاد 700 مقاوم ومقاومة وأكثر من 4000 من الشيوخ والأطفال. وقد ورد عند العقيد ماتيو Mathieu في كتابه" حياة مجيدة" Une Vie exaltante ما يلي:" لم يبق لدى آيت يعزى إلا رجل واحد من ثلاثين كانونا، وشابين من 16- 20 سنة؛ وفي أصغر العشائر الثلاث من ايكنيون أربعة رجال من بينهم شيخان اثنان من 42 كانونا؛ ومن آيت عيسى أوبراهيم جماعة آيت الفرسي، قتل ثلث نسائهم ببوگافر".
وفقد عسو أوبسلام أربعة أفراد من أسرته في معركة بوگافر: أخوه إبراهيم وزوجته من آيت إيسفول التي استشهدت نتيجة إصابتها بحروق وهي تحمل الذخيرة للمقاومين، وبنته التي لم يتجاوز عمرها 13 سنة أثناء جلبها الماء من العين، وابنه من زوجته الثالثة.
إذاً، نستنتج أن معركة بوگافر كانت لصالح المقاومين الأمازيغيين على الرغم من كون فئتهم قليلة العدد بالمقارنة مع القوات المتحالفة التي كانت أكثر عددا وعدة، إلا أن مقتل الشيوخ والأطفال والنساء بكثرة (أكثر من 4000 قتيل) سيدفع عسو أوبسلام حقنا لدماء هؤلاء إلى الاستسلام مقابل اتفاق مشروط لصالح آيت عطا.
4/ مصير مقاومة عسو أوبسلام:
لقد سببت معركة بوگافر التي قادها عسو أوبسلام في خسائر جسيمة ستؤثر سلبا على خطة المحتل العسكرية، ولم يتنفس الفرنسيون الصعداء إلا بعد عقد المعاهدة المشروطة مع عسو أوبسلام، والقضاء على آخر مقاومة في الجنوب سنة 1934م بسبب ضعف التأطير والتنظيم والنقص في الذخيرة والأسلحة، وتعاون بعض المغاربة والقواد مع القوات الفرنسية من أجل تحقيق مصالحهم الخاصة على حساب المصلحة العامة ومصلحة الوطن العليا.
ولما اندحرت القوات الفرنسية العديدة أمام المجاهدين السوسيين الذين كان يقودهم عسو أوبسلام في معركة بوگافر، استدعت القيادة العسكرية الفرنسية المنهزمة مزيدا من القوات الإضافية إلى المنطقة، فضرب الحصار على رجال المقاومة وضيقوا عليهم الخناق، واستعملوا في ذلك الطائرات المقنبلة والرشاشات والمدفعية الثقيلة، فانتهى الحصار باستسلام عسو أوبسلام في 25 مارس 1933م، و النزول من قلعته العتيدة مع رفاقه من قبيلة آيت عطا للتفاوض مع الجنرال هور Hure قرب زاوية خويا إبراهيم، وقد انتهى التفاوض بتوقيع اتفاق مشروط أو بمعاهدة 30 مارس 1933م والتي كانت لصالح قبائل آيت عطا. وقد قال عنهم الجنرال هوري بعد نزولهم للتفاوض:" كانوا يظهرون هادئين وقورين غير محطمين، بالرغم من أنهم كانوا في أقصى حدود قوتهم واعين بأنهم صمدوا حتى النهاية وحافظوا على عاداتهم المشبعة بالحرية والشهامة"
ولكن بعد رجوع عسو أوبسلام إلى المقاومين المرابطين في الجبال ليعلن عن المعاهدة التي أبرمها مع الفرنسيين حقنا لدماء النساء والأطفال والشيوخ وتكسيرا للحصار المضروب عليهم مدة اثنين وأربعين يوما، على الرغم من كونهم لايملكون الأسلحة المتطورة والذخيرة الكافية للاستمرار في الحرب مع القوات الفرنسية التي كانت مجهزة بأحدث الأسلحة الفتاكة، إلا أن المجاهدين رفضوا هذه المهادنة وخاصة النساء منهم، فاعتبروها خيانة وتصالحا مع الأعداء، فأنّبوا المقاوم عسو أوبسلام واحتجوا ضد قرار الاتفاق فاتهموه بالخيانة العظمى. وفي هذا يقول هنري بوردو:" وعندما رجع عسو أوبسلام من المقابلة وبخ من قبل النساء، إنهن أردن الصمود حتى الموت".
وقد هجا الشعر الأمازيغي السوسي هذه الاتفاقية التي أبرمها عسو أوبسلام مع الجنرال هوري، كما استنكر هذا الشعر الشعبي بكل حدة ومرارة مصافحة المقاوم عسو أوبسلام يد جنرال هوري، فاعتبر تلك المصافحة خروجا عن الدين الإسلامي وموالاة للكفار النصارى.
وتقول الشاعرة زهرة بنت الطيب منتقدة عسو أوبسلام و ما آلت إليها مقاومة جبل صاغرو:
ءاباسلام ليغ ءيطفن صاغرو سو- كونون
ءاليك ي- تءيزنزان ءايمغارن- ءايت بولان
ليغ ك- نولي ءاصاغرو ءي هانبي ءايزوار-ءاغ
ليغ ك- ءايدنوكز ءاصاغرو وءيهانبي نزرتين
ءوولاه ءارا ءاحشمغ ءاهانبي لييغ ك- ءايغرد ءافوس
ءاها- نبي ءاوا عاونات ءي ليسلام ءاد ءالين
ءاالصالحين ن تاساوت- دصاغرو بداتاغ
وعلى الرغم من هذه المعاهدة التي تستلزم توقيف القتال بين الطرفين، فقد أشاد هنري بوردو عضو الأكاديمية الفرنسية حين زار جبل صاغرو بعد مرور سنة على أحداث معركة بوگافر وبالضبط في سنة 1934م، فقال:" لقد أرسلت عليهم (على المجاهدين المقاومين) القنابل ليل نهار من السماء ومن الأرض مدة 42 يوما، اثنين وأربعين يوما من الحرمان والأرق والعطش، اثنين وأربعين يوما قضوها مع الحيوانات وقد جنت وأخذت تصرخ حتى الموت، وقضوها مع الجثث المتعفنة وتعذر عليهم إيرادها كل هذه الدواب التي أصابها الهلع. فلنقس بذلك قدرتهم على تحمل ماقاسوه من المحن تحملا يسمو بهم إلى أعالي الدرجات. وليت أحد أولئك البربر الذين دافعوا دفاع الأبطال عن بوگافر كان شاعرا فليخلد مفاخر ذويه في هذه الجبال التي احتضنت الشهداء، ويخلد مراحل هذه الملحمة الفظيعة التي كانت معجزة من المعجزات. ولو وقف أحد الرواة في ساحة جامع الفناء بمراكش بين المغنين والراقصين والرواة ينشد ملحمة جبل صاغرو البربرية لالتف أفواج الناس حوله التفافا".
ولقد أحسن عسو أوبسلام فعلا وعملا حينما اختار لغة التفاوض والاتفاق بدلا من هدر كثرة الدماء في جبل صاغرو بدون وعي وحكمة، وهذا ماقام به بطل الريف عبد الكريم الخطابي كذلك لما أحس أنه لايستطيع أن يواجه القوى الأوربية المتحالفة المدججة بالأسلحة الغازية والكيميائية، ولم يقدح فيه أحد لا من الريفيين ولا من العداة الأجانب؛ لأنه أراد حقن الدماء والحفظ على سلامة الريفيين وحياتهم.
وينطبق هذا على عسو أوبسلام الذي كان يعلم جيدا أن أتباعه من المقاومين قد حاربوا بما فيه الكفاية، وقد انتابهم التعب والإعياء والعطش والجوع والبؤس وشدة البرد والقر، وبالتالي، لا يستطيعون المقاومة أكثر بما لديهم من أسلحة تقليدية تتمثل في البنادق والخناجر والفؤوس.
وعلى الرغم من الهجاء الذي وجه للقائد عسو أوبسلام من قبل الشعر الأمازيغي السوسي، فإن هذه المقاومة - حسب الأستاذة للاصفية العمراني- اعتبرت من طرف الضباط الفرنسيين الذين أطروا وقادوا تلك الحرب، بأنها ملحمة كبرى واجه فيها آيت عطا بنسائهم ورجالهم وأطفالهم وشيوخهم، قوة عسكرية تفوقهم عدة وعددا، ومجهزة بأسلحة متطورة جدا مقارنة مع أسلحة المقاومين؛ لم يكن بالرجل الذي يستسلم إذا لم تلب له بعض الشروط، والجنرالات الذين جابهوه أثناء هذه المعارك كانوا يعرفون جيدا بأن الحل الوحيد لإيقاف هذه الحرب الشرسة، يكمن في قبول بعض الشروط الغالية لدى المقاومين، فمن ضمن الشروط التي اشترطها عسو أوبسلام في مفاوضات 25 مارس 1933م، أي قبل وضع السلاح: ألا تمتد سلطة التهامي الگلاوي إلى آيت عطا، وأن تبقى أعرافهم وعاداتهم مصانة؛ ألا ترقص المرأة العطاوية أو تغنى إلا في المناسبات العائلية كالأعراس ولا تتعداه إلى الحفلات الرسمية."
وهكذا، استطاع أن يخرج عسو أوبسلام من معركة بوگافر أو من لحظات الاستسلام والتفاوض المشروط مع المحتل الفرنسي منتصرا ماديا ومعنويا، واستطاع أيضا أن يحافظ على هيبته ومكانته الاجتماعية والتاريخية حينما نجح في إبرام سلام الشجعان وتفاوض الأبطال.
خاتمة:
يتبين لنا،من خلال هذا العرض الوجيز، أن عسو أوبسلام من أهم الأبطال الأمازيغيين الذين خاضوا مقاومة شرسة ضد الاستعمار الفرنسي في الثلاثينيات من القرن العشرين. ومن أشهر المعارك التي قادها المقاوم الباسل معركة بوگافر التي شاركت فيه آيت عطا بتحالف مع القبائل الأطلسية الأخرى المجاورة في سنة 1933م لصد القوات المحتلة ومساعديه من الخونة كالگوم والگلاويين من التغلغل في جبال الأطلس الكبير الشرقي واحتلال جبل صاغرو.
وقد أسفرت معركة بوگافر عن مقتل الكثير من الفرنسيين واستشهاد الكثير من المقاومين الأمازيغيين دفاعا عن دينهم وأرضهم وأنفسهم وأعراضهم وممتلكاتهم. وقد استخدم فيها المقاومون المتبرنسون (يلبسون زي البرنوس) الأسلحة التقليدية من بنادق وخناجر وفؤوس مقابل الأسلحة الحديثة من مدفعية ثقيلة ورشاشات وطائرات مقنبلة. وعلى الرغم من ذلك، فقد انتهت المعركة بهزيمة الفرنسيين شر هزيمة؛ مما دفع بالقادة المخططين لهذه المعركة لمطالبة قوات إضافية لمحاصرة عسو أوبسلام وتطويقه عسكريا برا وجوا.
وعلى الرغم من سياسة التفاوض التي التجأ إليه قائد آيت عطا، فإنها تعبر عن حكمة الشجعان وخبرة الأبطال، إذ ارتضى من خلالها أن يحقن دماء أبناء قبيلته وألا يعرض الساكنة للمخاطر والتهلكة أكثر من اللازم، مادام التفاوض كان مشروطا بعدة شروط تخدم كلها مصالح آيت عطا في الجنوب وتحافظ على أرواح الناس وأعراضهم وشرفهم

ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ
جميل حمداوي


التعديل الأخير تم بواسطة غريب الأهل و الدار ; 04-12-2008 الساعة 18:16

غريب الأهل و الدار
:: دفاتري ذهبي ::

الصورة الرمزية غريب الأهل و الدار

تاريخ التسجيل: 3 - 9 - 2008
المشاركات: 1,680

غريب الأهل و الدار غير متواجد حالياً

نشاط [ غريب الأهل و الدار ]
معدل تقييم المستوى: 368
افتراضي
قديم 04-12-2008, 18:10 المشاركة 5   

محمد الشريف أمزيان

تمهيــــد:
يعد محمد الشريف أمزيان من أبطال المقاومة الأمازيغية المغربية في القرن العشرين إلى جانب محمد بن عبد الكريم الخطابي وموحى أوحمو الزياني وعسو أوباسلام وآخرين. وقد واجه محمد الشريف أمزيان من جهة أولى الفتان بوحمارة الذي أرعب السكان الريفيين نهبا وفتكا وإذلالا، وعاث فيهم إفسادا وتخريبا إلى أن طرده الشريف خاسئا منكسرا من عاصمته قصبة سلوان، ومن جهة ثانية قاوم المحتل الإسباني لمدة ثلاث سنوات إلى أن استشهد في 15 ماي سنة 1912م بقبيلة بني سيدال بعد أن باعه إخوانه من قومه وعقيدته إلى جينيرالات الإسپان طمعا واسترزاقا.
هذا، و قد كانت مقاومة الشريف للدعي بوحمارة من الأسباب التي أدت بالفتان إلى نهايته إبان عهد مولاي عبد الحفيظ على يد القائد الشجاع الناجم الأخصاصي، كما أن مقاومة الشريف للمحتل الإسپاني أخرت تغلغله في منطقة الريف لاستغلال ثرواته المعدنية عدة سنوات. إذاً، من هو محمد الشريف أمزيان؟ وماهي الأسباب التي ساهمت في ظهور مقاومة البطل الريفي الأول؟ وماهي أهم المراحل التي قطعتها هذه المقاومة ؟ وما هي النتائج التي ترتبت عنها داخليا وخارجيا ؟ هذا ماسنعرفه في هذه الدراسة المتواضعة.
1-من هو محمد أمزيان؟
من المعروف تاريخيا أن محمد أمزيان هو الشريف سيدي محمد أمزيان بن الحاج محمد بن حدو، ويمتد في نسبه إلى شرفاء الأدارسة، الذين بدورهم يمتدون في شجرتهم السلالية إلى آل البيت النبوي الشريف. و قد أكسبه هذا النسب الجليل مكانة دينية وروحية واجتماعية كبيرة بين قومه الريفيين، وأضفوا عليه نسب الشريف إشادة به وتعظيما.
وعلى أي، فقد ولد الشريف الصوفي الزاهد في قبيلة بني بويفرور قرب مدينة الناظور سنة 1859م أو 1860م تقريبا، ودرس القرآن الكريم بالكتاب، واحترف تجارة البغال والأبقار التي كان ينتقل بها بين الريف والجزائر. وتولى شؤون زاوية أبيه مع إصلاح ذات البين ومعاملته للناس معاملة حسنة وغيرته الشديدة على الوطن والدين وإخماد الفتن والقلاقل والقضاء على الإحن والأحقاد التي انغرست في نفوس الريفيين وتجذرت فيها بسبب ميلهم إلى القتل والاعتداء والنهب والثأر إبان عهد السيبة وضعف الحكم المركزي في منطقة الريف، لذلك نال الشريف ثقة الأهالي وأضفت عليه قبائل قلعية وقبائل الريف صفات التشريف والتقدير والاحترام.
ونظرا لسمو أخلاقه، كان يرافق كل من يريد الهجرة إلى الجزائر للعمل في الزراعة والفلاحة، وكان الشريف ذا نفوذ كبير بين قبائل الريف دينيا وروحيا واجتماعيا واقتصاديا ؛ لكونه من كبار الملاكين والأغنياء يحسن إلى الضعفاء والمساكين، ويميل إلى الزهد والتقوى والورع على الرغم من ثرائه وكثرة غناه. وكرس حياته كلها لل**** في سبيل الله وتوحيد قبائل الريف لطرد اللعين بوحمارة والتخلص من المحتل الإسپاني. وقد استشهد الشريف في معركة عزيب علال أوقدور في 15 مايو 1912م ببني سيدال على يد المتعاونين مع الاستعمار وبالضبط على يد السرجان القائد محمد حسني التابع لفرقة الريگولاريسRegularesتحت إمرة الكاپورال كونثالو ساوكو Gonzalo Sauco. وقد دفن الشريف أمزيان في بلدة أزغنغان، وسماه المغفور محمد الخامس بطل الريف الأول.
2-أسباب ظهور مقاومة محمد الشريف أمزيان:
ماكانت مقاومة محمد الشريف أمزيان لتظهر إلى الوجود لو لم يكن هناك ما يؤرق بال الريفيين ويثير ضمائرهم ويقلق راحتهم؛ لأن الريفيين في شمال المغرب الأقصى كانوا لايرضون بالذل والخزي والعار، وكانت أنفتهم وكرامتهم فوق كل شيء، يمكن لهم أن يفعلوا الكثير من أجل الدفاع عن حريتهم و صون شرفهم و حماية عرضهم.
ومن الأسباب التي أشعلت سعير مقاومة محمد الشريف أمزيان ظهور الزعيم الفتان بوحمارة في منطقة الريف الذي ادعى أنه المولاي محمد بن السلطان الحسن الأول. وبذلك، خرج عن طاعة السلطان مولاي عبد العزيز، وكبد قوات المغرب آنذاك خسائر مادية وبشرية كانت من العوامل غير المباشرة لدخول المستعمر الأجنبي إلى المغرب وفرض حماية 1912م.
وقد ساهمت ثورة الفتان بوحمارة في نشر الفساد والرعب والعبث بمصالح الناس وحريمهم وقتل الأبرياء وانتهاك أعراض الناس بدون حق شرعي، وساهم في انتشار الخيانة والغدر، وسمح لجيشه أن يفعل مايشاء في منطقة الريف بدون حسيب ولا رقيب.
ولكن الشريف لم يرض بهذا الوضع المأساوي المقيت، فوحد القبائل القلعية والريفية لمواجهة هذا القادم اللعين. ومن ثم، أعلن الشريف في الأسواق اليومية والأسبوعية وعبر المشاعل التي توقد فوق الجبال اندلاع المقاومة للقضاء على بوحمارة وجيشه المغتصب الذي دوخ الجيش الحكومي منذ سنة 1902م إلى أن تولى مولاي عبد الحفيظ الحكم و تكليف القائد الناجم الأخصاصي لمقاتلته والقبض عليه.
والسبب الثاني الذي أشعل ثورة الشريف أمزيان هو رغبة إسبانيا في مد سكة حديدية وبناء مجموعة من الجسور والقناطر تمتد من مشارف مليلية إلى بلدة أزغنغان على مسافة 20 كيلومترا، وذلك في 9 يوليوز 1907م، والغرض من كل هذا هو الوصول إلى مناجم الحديد الموجودة بمنطقة أفرا ووكسان، بعد أن باع بوحمارة منجم وكسان لشركة إسپانية ومنجم إحرشاون لشركة فرنسية لمدة تسعة وتسعين سنة مقابل خمسة ملايين من البسيطات، وكان جنود بوحمارة هم الذين يحرسون العمال الذين يشتغلون في هذين المنجمين.
لكن محمد الشريف أمزيان - بعد أن استشار السلطان المولاي عبد الحفيظ - لم يسمح للقوات الغازية تحت قيادة حاكم مليلية الجنرال مارينا باستغلال المنجمين. فأرسل الجنرال العمال للشروع في بناء القناطر والجسور تمهيدا لوضع السكة فواجههم المجاهدون، فأعلن الجنرال مارينا حربه الشنعاء على الريفيين وقائدهم المقاوم البطل محمد الشريف أمزيان.
هذا، وقد أشعل دخول مارينا إلى الناظور فتيل مجموعة من المعارك التي ستكبد الجيش المحتل خسائر عدة في العتاد والمال، وستحصد الكثير من الأرواح البشرية من قتلى وجرحى وجمعا من الضباط والقواد والجنرالات وأصحاب الرتب العليا في الجندية والقيادة العسكرية.
وعليه، فلم تندلع شرارة مقاومة محمد الشريف أمزيان إلا لسببين رئيسيين ألا وهما: فتنة بوحمارة، وغزو الجيش الإسباني لمنطقة الريف من أجل السيطرة على مناجم الحديد بمنطقة بني بويفرور. وهناك من يضيف سببا ثالثا لظهور مقاومة الشريف يتمثل في جبهة أصدقاء إسبانيا ( Amigos De España) التي جمعت المتعاونين مع الاستعمار وخونة القضية الريفية، وكان الشريف يحارب هؤلاء ويجاهد فيهم للحد من شوكتهم، وكانت هذه الجبهة هي التي قامت باغتيال قائد المقاومة الريفية محمد الشريف أمزيان على يد السارجان القائد محمد حسني التابع لفرقة الريگولاريس تحت إمارة الكابورال كونثالو ساوكو Gonzalo Sauco.
3-تطور مقاومة محمد أشريف أمزيان:
عرفت مقاومة محمد الشريف أمزيان في سنوات العقد الأول من القرن العشرين وبالضبط مابين 1909م و1912م مرحلتين أساسيتين: مرحلة مجابهة ثورة الفتان بوحمارة والتي انتهت بطرد بوحمارة من سلوان، والمرحلة الثانية التي انتهت باستشهاد الشريف أمزيان بعد أن كبد المستعمر الإسباني خسائر مادية ومالية وبشرية أثارت الرأي الأيبيري لمدة طويلة وأشار إليها المؤرخون الإسبان والأجانب على حد سواء.
أ‌-مقاومة الشريف أمزيان للفتان بوحمارة:
عرف المغرب منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي أوضاعا متردية على جميع المستويات منذ مولاي عبد الرحمن بعد هزيمتي إيسلي وهزيمة تطوان، فأصبح المغرب خاضعا لإملاءات الدول الأجنبية وضغوطاتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية والاجتماعية. وصار المغرب بعد ذلك يعرف تقلبات سياسية واقتصادية واجتماعية، وكثرت الفتن وارتفعت الأسعار وتهرب الناس من دفع الضرائب الشرعية وغير الشرعية على الرغم من الإصلاحات التي قام بها مولاي الحسن الأول من النواحي المالية والإدارية والتربوية والعسكرية. لكن ظروف المغرب ستزداد تأزما مع تولية مولاي عبد العزيز الذي تولى الحكم بعد وفاة أبيه الحسن الأول، وقد تولى شؤون الدولة وتسيير دواليب الحكم وعمره لايتجاوز 22 عاما. وقد واجه في عهده عدة مشاكل داخلية وخارجية، وعجز عن حلها بسبب حدود تجربته المتواضعة في الحكم وقصور خبرته في مجال التسيس وتدبير شؤون الأمة. وقد اضطر للتوقيع على مقررات الجزيرة الخضراء سنة 1906م؛ مما ولد القطيعة بينه وبين الرعية.
وقد أدى ضعف مولاي عبد العزيز وسجنه لأخيه محمد بن الحسن الأول إلى ظهور الفتان بوحمارة الذي استغل الظروف التي كانت تمر بها الدولة المغربية لصالحه من أجل السيطرة على الحكم بعد أن ادعى أنه هو محمد بن الحسن الأول الوريث الشرعي للسلطان بدلا من مولاي عبد العزيز.
والمقصود بهذا الفتان الدعي هو الجيلالي بن إدريس الزرهوني الملقب ببوحمارة وأيضا بالروكي ينتمي إلى قبيلة أولاد يوسف التي تستقر بزرهون.عمل الروكي في السلك المخزني مدة طويلة، وسجنه أبا أحماد مع المنبهي لمشاركته في مؤامرة على مولاي عبد العزيز. وبعد خروجه من السجن، مكث فترة في الجزائر، ومنها رجع قاصدا تازة التي اتخذها عاصمة له، فبايعته القبائل الواقعة بين فاس وتازة، وانضمت إلى دعوته كافة قبائل المغرب الشرقي والريف، واستولى على قصبة فرخانة ووجدة واتخذ سلوان عاصمة لحكمه، وكان على اتصال مباشر مع السلطات الإسبانية في مليلية، ومع السلطات الفرنسية في الجزائر التي كانت تمده بالأسلحة والعتاد والأموال ويتسلمها بقرية أركمان بالناظور. وقد ألحق الفتان هزائم متتالية بجيش المولى عبد العزيز مستفيدا من الدعم الإسباني والفرنسي على حد سواء.
وبناء على ما سبق ذكره، فقد انطلقت ثورة بوحمارة سنة 1902م من العاصمة فاس ليؤلب قلوب الناس على السلطان مولاي عبد العزيز، وبعد ذلك اتجه إلى تازة التي اتخذها عاصمة لحكمه، وفي تلك الفترة واجه الجيش الحكومي في عدة معارك انتصر فيها بوحمارة، وكبد الجيش السلطاني خسائر مادية كبيرة، فأثرت هذه الخسائر سلبا على المجتمع المغربي وهيبته الخارجية وسيادته الداخلية. واستقطب بوحمارة معظم القبائل التي توجد في وسط المغرب وشماله وشرقه؛ بسبب إحساس الشعب بالظلم من جراء السياسة الجائرة التي كان يتبعها المقربون من السلطان مولاي عبد العزيز. ومن المعلوم أن هذه السياسة كانت تقوم على الإفقار والتجويع وفرض الضرائب الشرعية وغير الشرعية على المواطنين الفقراء الذين لايستطيعون تحملها، وكل ذلك من أجل تمويل السلطان لحملاته العسكرية التي كانت تستهدف إخماد ثورة الفتان؛ مما سيضطر السلطان مولاي عبد العزيز إلى الاقتراض من فرنسا، و سيدفع هذا الاقتراض المغرب إلى تقديم مجموعة من التنازلات والقبول بسياسة الحماية الأجنبية على المغرب في مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906م.
وقد راقب السلطان ثورة بوحمارة جيدا وتتبعها عن كثب، وتوصل إلى أن هذه الثورة كانت تحركها الأيدي الفرنسية بالجزائر تمهيدا لاحتلال المغرب، لذلك كتب السلطان مولاي عبد العزيز رسالة موجهة لقبائل بني مالك في يوليوز 1905م يقول فيها:" تحركت الإيالة الجزائرية لاقتراح أمور تضر برعيتنا الشريفة، واستمر طموحها للحوادث المخوفة، وتشوفت غاية التشوف إلى مديد الترامي على المسلمين وحددت شوكتها للاستيلاء على قوة الدين...
إن الفتان إنما يروج بتروجهم وإغرائهم وأنهم هم الممدون له ليحصلوا على قصدهم ورجائهم، ويتوصلوا به لتفريق كلمة الرعية.... وصارت الإيالة الجزائرية تمد الفتان بما يتقوى به قولا وفعلا، وتصدرت لإغراء القبائل على متابعته عمدا لا جهلا، وأخذت في تحريك الأسباب التي يترتب عليها في الرعية الانحلال والاضطراب.
ولازلنا نتحمل مالا يطاق من وجوه المدافعة... ولو اطلع المسلمون على مايلحق المخزن في ذلك لتسارعوا لإعانته برقابهم وأولادهم...ولخرجوا عما يملكونه رغبة في الإنقاذ من الخطب العظيم...لأن حفظ الرعية لايدوم إلا بالقوة الإسلامية وتلك القوة لاتنضبط للمخزن إلا بالاستعداد التام الذي يصان به النظام وتنفذ به الأحكام. ووسائل الاستعداد لاتتوفر إلا بالإعانة الجارية من الرعية والجباية."
وتبين لنا هذه الرسالة العزيزية مدى التأثير السلبي الذي تركته فتنة بوحمارة على خزينة المغرب وماليته التي استنزفتها الحملات العسكرية؛ مما جعل السلطان يستعجل القبائل المغربية لمساعدته جبائيا و ماليا وبشريا.
واشتدت فتنة بوحمارة قوة وتمركزا في مناطق تازة مرورا بمدينة وجدة ونزولا بمنطقة الريف، حيث اتخذ بوحمارة قصبة سلوان التي بناها المولاي إسماعيل سنة 1678م عاصمة لحكمه، كما سيطر على قصبة فرخانة لحماية مصالح الإسپان بعد معركة سيدي ورياش سنة1894م.
وبعد أن تقربت قبائل قلعية والريف من بوحمارة الذي كان يدعي النسب الشريف والسلطة الشرعية ويتخذ الزهد والتصوف مطية لتخدير الناس، تفطن محمد الشريف أمزيان إلى مكره ودهائه ففضحه بين الناس وطالب الريفيين بمقاومته. بيد أن الريفيين في البداية لم يحركوا ساكنا، بل ناصروه ونافحوا عنه وقربوه وصاهروه كالقائد البويفروري الحاج محمد بن شلال، فوجد بوحمارة مأمنه بين الريفيين ويقول جيرمان عياش في هذا الصدد بأن الريف الشرقي هو الذي وجد بوحمارة فيه" أنصاره الأشد تحمسا، وفيه وجد الموارد والرجال... وفيه تمكن من إنشاء قاعدة لمخزنه".
وكان من نتائج هذا التحريض من قبل الشريف، أن اتجه بوحمارة بجيشه إلى أزغنغان للتخلص منه، ولما لم يجده بمنزله، سرق كل محتوياته، وعاد خائبا إلى سلوان بعد أن علم بفرار الشريف إلى قبائل الريف للاحتماء بها. وبعد ذلك، قصد الشريف مليلية لاجئا، ولم يخرج من منفاه إلا بعد هزيمة العبد القائد المساعد الأيمن لبوحمارة في معركة إمزورن أمام المجاهدين الريفيين.
وإثر هذه الموقعة، شرع بوحمارة في الانتقام من كل القبائل المساندة للشريف والثأر كذلك من القبائل التي لا تريد الاستسلام لسلطته، فانتفض القلعيون والريفيون على الدعي المشعوذ بوحمارة، فواجهوه في 16 معركة ناهيك عن المناوشات الخاطفة، فكبدوه خسائر جسيمة في العتاد والأرواح.
وفي الأخير، حاصر محمد الشريف أمزيان قصبة سلوان من جميع الجهات، فاضطر بوحمارة لمغادرة عاصمته متوجها نحو ملوية وبعد ذلك إلى تازة، وهناك سيلتحم جنود بوحمارة في عدة معارك مع الجيش الحكومي إبان فترة حكم المولاي عبد الحفيظ الذي كان يقوده القائد المحنك الناجم الأخصاصي الذي سيهزم الفتان في عدة مواقع، وسيقبض على بوحمارة سنة 1909م، ويسلمه للسلطان أسيرا مذلولا، و الذي سيأمر بسجنه لمدة 21 يوما ثم ينفذ فيه حكم القتل والإعدام في 12 شتنبر من نفس السنة.
ب‌-مقاومة الشريف أمزيان للمحتل الإسپاني:
بعد أن طرد محمد الشريف أمزيان الفتان بوحمارة من منطقة الريف بصفة عامة ومن سلوان بصفة خاصة، وحد القبائل القلعية والريفية لمواجهة المستعمر الأجنبي الذي كان يتمركز بمليلية بقيادة الحاكم العسكري الجنرال مارينا والذي كان يتأهب لاحتلال منطقة الريف لاستغلال مناجم الحديد بوكسان وإحرشاون. وفي هذا يقول الزعيم الوطني المغربي علال الفاسي:" وفي سنة تسع بعد تسعمائة وألف، جمع الإسبان بضواحي مليلية جيشا ذا ثلاث فرق وقرروا غزو الريف، فانبرى لمقاومتهم بطل الريف الأول السيد محمد أمزيان،واشتد القتال بين الريفيين والإسبان مدة سنتين، تكبد فيها الإسپانيون خسائر كبيرة، يقدرها مؤرخوهم بعشرة آلاف قتيل، من بينهم الجنرال بنتوPINTOS، والجنرال ڤيكاريو VICARIO. وقد أبلت قبيلة قلعية في هذه المواقع البلاء الحسن".
ولما علمت إسپانيا بوجود الحديد في الناظور عن طريق مجموعة من الخبراء الجواسيس، وقّع بوحمارة على وثيقة الاستغلال وأخذ نصيبه المالي من ذلك. فقررت الحكومة الإسپانية مد السكة الحديدية من مليلية نحو جبل وكسان، بيد أن المجاهدين الريفيين رفضوا مد هذه السكة في أرض مغربية، فحاول الجنرال مارينا إغراء الشريف بأموال عدة، ولكن الشريف رفض بيع ولو شبر واحد من تلك الأرض.
وعلى الرغم من هذا الرفض الصريح، تعنت مارينا في موقفه الاستعماري، فأمر عماله ببناء الجسور والقناطر استعدادا لمواصلة مد السكة نحو المنجمين: وكسان وإحرشاون. فهاجم المجاهدون الغزاة وكبدوهم خسائر لابأس بها، واستغل مارينا الفرصة ليعلن الحرب على الشريف أمزيان، فتقدم بقوات ضخمة مستعملا في توغله المدافع والرشاشات والمناطيد والأسلحة الجهنمية المتطورة، وكان دوي المدافع يثير الرعب في نفوس السكان المحليين؛ مما اضطروا للهروب والاختباء في الكهوف والمخابئ والحفر.
وبلغ مارينا في هجومه إلى سيدي علي وتيمكارت، و تحصن جيشه بوضع أسلاك كهربائية استعدادا لمواصلة القتال بعد أن سيطر على مارتشيكا وقرية أركمان والجزر الجعفرية.
وبعد أن استنفر الشريف القبائل القلعية والريفية، خرج بالمجاهدين لمواجهة المحتل الغاشم في معركة سيدي موسى، فكبد الغازي المحتل خسائر بشرية جمة مست حتى ذوي الرتب العسكرية السامية، وفي هذا يقول الحاج العربي الورياشي:" واستمر الحال هكذا إلى ليلة الحادي والعشرين من يوليوز سنة 1909م هاجم رجال قبائل الريف مراكز الإسپان بناحية سيدي موسى، حتى وصلوا في هجومهم إلى الأسلاك الشائكة التي من عادة الإسبان أنهم يحصنون بها مراكزهم الحربية، فكانت بين الفريقين معركة عنيفة قتل فيها من الإسبان ثلاثة وثلاثون جنديا، وجرح منهم واحد وستون.
وفي صبيحة واحد وعشرين يوليوز، استؤنف القتال فنتج عنه قتل ثلاثة وعشرين جنديا إسبانيا وجرح خمسة منهم، واستشهد من المجاهدين سبعة عشر رجلا.
وفي ثالث وعشرين يوليوز استأنف المجاهدون هجومهم بقيادة الشريف سيدي محمد أمزيان على مراكز الإسپان بناحية سيدي موسى، فكانت المعركة أعنف من سابقتها فنتج عن ذلك قتل ضابطين كبيرين من الإسبان أحدهما برتبة كلونيل وهو: بننسي أليرس كرر، والثاني برتبة اليوطنان كولونيل وهو:خنس أبينيس مرن، وجرح من الضباط ثمانية عشر وجميع من أصيب من الضباط بين قتيل وجريح ست وعشرون نفرا، وقتل من الجنود ستة وأربعون وجرح منهم مائتان وأربعة وثلاثون."
وبعد هزيمة الجنرال مارينا في معركة سيدي موسى، أرسلت الحكومة الإسبانية جنرالا آخر يسمى بنتو Pintoعلى رأس جيش ضخم لسحق المقاومين الريفيين. بيد أنه سينهزم أمام القائد المقاوم الشريف أمزيان الذي اتبع حربا غير نظامية وسياسة حفر الخنادق والمخابئ واستعمال البنادق والسيوف والسلاح الأبيض في مجابهة جيش العدو المدجج بالأسلحة الجهنمية المتطورة، وكانت نهاية الجنرال القتل في معركة وادي الذئب ( إغزار ن ووشان) في السابع والعشرين من يوليوز 1909م.
وأسفرت المعركة الخالدة عن مقتل الجنرال بينتو قائد الجيش الإسباني" وخمسة من كبار الضباط بين كولونيلات واليوطنان كولونيلات واثني عشر ضابطا بين قبطان واليوطنان، وجرح ثمانية وثلاثين ضابطا من صغار الضباط.
كما قتل سبعمائة جندي، وهذا العدد المذكور، الذي أصيب في وادي الذيب ومعارك ناحية سيدي موسى جاءت إفادتها في بعض التواريخ الرسمية الإسبانية المسمى" إسبانيا في عهد أبطالها"، حسبما هو مذكور في العدد الثالث وما بعده من الأعداد".
وبعد معركة وادي الذيب ببني أنصار، ستعقبها معركة أخرى بقبيلة بني شيكار سينتصر فيها المجاهدون وذلك في عشرين شتنبر 1909م تسمى بمعركة إجذياون التي " تقدم إليها الإسپانيون من مليلية...بجيش يزيد عدده على أربعة آلاف جندي وضابط تحت قيادة الجنرال ألفاو، والجنرال طوبار، والجنرال موراليس، فاعترض طريقهم الشريف ومن معه من عناصر قبائل الريف، كبني سعيد وبني سيدال وبني بوغافر وغيرهم، وعدد المجاهدين في هذه الوقعة ألف وخمسمائة مجاهد، وهي الواجهة الحربية الشمالية، والتحم الريفيون مع الإسپان هناك في ملحمة عظيمة، أبلى فيها المجاهدون، خصوصا بني سعيد البلاء الحسن الذي لم يكن في حساب الإسپان، حتى أدى الحال إلى الاشتباك بالسلاح الأبيض، استمات فيها الإسبان ليزيلوا عنهم عار المعركة وادي الذيب، واستمات المغاربة دفاعا عن وطنهم، ولزوال هيبة أسلحة الإسپان، فإن المجاهدين حصلوا على أسلحة كثيرة غنموها من الإسپان في المعارك المتقدمة، وصاروا يقاتلونهم بها، وأخيرا تقهقر الجيش الإسپاني إلى الوراء، وجرح الجنرال موراليس، ولحقت الإسبان خسارة فادحة في الأرواح والعتاد الحربي."
ولما علم مارينا أنه من الصعب القضاء على المقاومة الريفية بقيادة الشريف أمزيان، مادامت هذه المقاومة تتكئ على الوحدة الوطنية ووحدة الشعور الديني والوحدة القبلية، قرر اتباع سياسة " فرق تسد"، فعمد إلى إغراء القبائل بدفع النقود وتقديم المساعدات لها في شكل رشاوى وإغراءات مادية ومالية وإدارية، فجند مارينا الكثير من الريفيين في سلك البوليس و والأعوان والجواسيس والمخبرين مقابل أجرة يومية (بسيطتان في اليوم)، يسترزق بها هؤلاء الخونة عادمي الضمير وفاقدي الوازع الديني والأخلاقي، فاستسلم الريفيون لهذه الأطماع، فقبلت قبيلتا فرخانة وبني شيكار بسياسة المهادنة والخضوع للإسپان. ومن جهة أخرى، تهاونت القبائل الأخرى في تلبية نداء ال****، وتماطل الريفيون في ذلك وتقاعسوا، وعاد الورياغليون إلى مساكنهم لما علموا بخيانة الريفيين المنتمين إلى دائرة قلعية. وتراجعت شعبية الشريف أمزيان والتفاف الناس حوله. وفعلا، لقد نجحت سياسة " فرق تسد " التي اتبعها حاكم مليلية الجنرال مارينا، وهكذا " أدرك الإسبان منذ الحرب التي فجرها ضدهم محمد أمزيان أن أخطر ما يهدد وجودهم في منطقة نفوذهم هي وحدة المقاومة الوطنية ضدهم. وظلت تلك هي القضية الرئيسية التي وجهوا إليها اهتمامهم طيلة الفترة من عام 1912 إلى عام 1919م. وطيلة هذه الفترة، كان شعار الإسپان هو" فرق تسد"، فعملوا على توجيه القبائل بعضها ضد البعض الآخر، وقاموا بتجنيد الريفيين من المنطقة الشرقية ضد إخوانهم من جبالة في المنطقة الغربية، ونقلوا المجندين من جبالة إلى الريف للقيام بنفس العمل ضد الريفيين، وحاولوا طوال الوقت تعميق عوامل الانقسام والتفرقة بين سكان منطقة نفوذهم من خلال العداء المستحكم القائم على القتل والأخذ بالثأر والدفاع عن الشرف".
وساعد تهاون الريفيين في أداء واجبهم ال****ي المستعمر المحتل لمد نفوذه في قرية أركمان وسهل بوعرگ واحتلال مرشيكا والسيطرة على مدينة الناظور، واحتل جيش العدو هضبة تنيمرت القريبة من أفرا وقلعة سلوان واقتربوا من قبيلة بني بويفرور بجيش يقدر بــ17 ألفا ومعه أربع وأربعون مدفعا من مختلف العيارات يشرف عليه الجنرال طوبار والجنرال ألفاو والجنرال موراليس والجنرال أگلير والكولونيل أرندو بصحبة قائدهم الأعلى الجنرال مارينا حاكم مليلية.
وعندما أراد الجيش الإسباني التقدم نحو أزغنغان لاحتلال مناجم وكسان بقيادة الجنرال طوبار والجنرال ألفاو والجنرال ڤكاريو لقي هزيمة شنعاء في معركة جبل بنرزوف فوق سلوان. وأسفرت المعركة عن فرار الجنرالين ألفاو وطوبار ومقتل الجنرال ڤكاريو وموت القبطان ريبوي، وكان لهذا القبطان يد من المعدن الأبيض ولتلك اليد أصابع موجودة إلى حد الآن في متحف دار الآثار العسكري.
وتشبه هذه المعركة وقعة وادي الذئب" فاغتم الإسپانيون لهذا الحادث؛ لأنه قتل وجرح فيها عدد كثير منهم. وبالجملة، فإن هذه المعركة الخالدة كانت عظيمة على الإسبان.... وإن الإسبان لما فروا تركوا وراءهم عددا من العربات مملوءة بالموتى والجرحى. وكان القائد الأعلى للجيش الإسپاني الجنرال مرينا في ذلك اليوم فوق رأس جبل بوغنجاين، ومنه كان يصدر أوامره إلى الجنرالات المذكورين الذين كانوا في المعمعة الحربية. بيد أن هذا الانتصار لم يفد شيئا، لأن العدو احتل معاقل المجاهدين وهي الجبال المنيعة جبال سيدي أحمد الحاج، وتازوطا".
وبعد ذلك، احتل الجيش الإسباني أزرو همار وأزغنغان وجبل وكسان وتوغل في الريف حتى وصل وادي كرت، وكان يعتمد في توغله على البوليس والجنود الريفيين الذين أرعبوا إخوانهم في اللغة والملة وأكثروا فيهم الظلم و الفساد.
وفي تلك الفترة، كان الشريف أمزيان يستنهض همم الريفيين من قبائل بني السعيد وبني ورياغل وبني توزين وتمسمان وبني وليشك وبني بوغافر وغيرها لمواجهة العدو المحتل. ولما علم الإسپان بمساعدة الريفيين للشريف أمزيان في حربه ضد العدو الغازي، أبحر الجنرال لوكي إلى مليلية وبعد ذلك اتجه نحو قبائل بني ورياغل قصد الانتقام منهم، لكن الريفيين تصدوا له بالنار فرجع الأسطول خائبا إلى عقر داره. فأسس الشريف معسكرا للمجاهدين ببني سعيد ألا وهو" باجنادة" أي رباط المجاهدين.
و في السابع والعشرين من دجنبر سنة إحدى عشرة وتسعمائة وألف، وصل رجال قبائل الريف من بني ورياغل وأگزناية وبقيوة وبني يطفت وبني بوفراح وبني عمارت وتمسمان وبني توزين وغيرهم إلى أجنادة، المركز الجديد بجبل بني سعيد،...وقد وصل عدد المجاهدين في هذه الحملة اثني عشر ألف مقاتلـ،، وعبر بهم الشريف وادي كرت واحتل قرية إزرورا بقبيلة بني بوغافر التي التحم فيها المجاهدون مع جيش الإسپان وانتصر عليهم الريفيون انتصارا باهرا.
وأسفرت المعركة على قتل مجموعة من الضباط العسكريين" كالكولونيل أسبيو واليوطنا كلونيل سانث والقبطان منويل ترزس والقبطان أنطونيو مينديز والقبطان إخوان الرويس، والقبطان مثيوس إليپيه، وجماعة من صغار الضباط، وجرح الجنرال سلباريو جرحا بليغا مات بعده، وقتل من ضباط الجيش الإسباني عدد آخر، سوى من ذكر، وأما القتلى والجرحى من الجنود فعددهم مرتفع جدا. كما قتل وجرح من المجاهدين عدد كبير، وبالجملة، فمعركة إزرورا معركة هائلة.
وبعد مدة وقع تبادل الأسرى، ومن كان بيد الإسبان من أسرى المسلمين بين المجاهدين والإسبان ".
وبعد معركة إزرورا، دخل المجاهدون في عدة اشتباكات مع الكولونيل دي ريڤيرا في وادي كرت، وأسفرت المعركة عن انكسار رجل الكولونيل، كما قتل الجنرال سلبادور أديزا ردنيير في مركز إزحافان وإمعروفان وذلك في 14 أكتوبر1911م.
وقد واصل المحتل توغله في الشمال الشرقي باحتلال زايو إلى أن وصل وادي ملوية الذي يفصل بين النفوذ الفرنسي والنفوذ الإسپاني. واحتل كذلك في سنة 1912م جبل العروي وقبيلة بني بويحيى. وقد جاء في العدد الثامن من مجلة" إسپانيا في عهد أبطالها " صحيفة 249 وما بعدها ماحاصله: إن الإسبانيين جهزوا جيشا من البوليس، والأهالي زيادة عن جيشهم النظامي بقيادة الحاكم العسكري لمدينة مليلية الجنرال كارسيا ألدابي ( Carcia Aldave) وتوجهوا إلى هضبة العروي بقبيلة بني بويحيى واحتلوها ولم يلاقوا في احتلالها مقاومة شديدة سوى مناوشات نتج عنها قتل الضابط برتبة اليوتنان كان قائدا المفرقة التي كانت تقاتل بالمدافع الرشاشة يسمى موراليس ( Morales) الخ.
وامتدت جهات القتال من البحر الأبيض إلى وادي ملوية، مساحتها نحو مائة كيلومترات.
ويسمع دائما في جميع هذه الجهات ليلا ونهارا دوي المدافع وأصوات البنادق.
وبينما المجاهدون يسيطرون على الموقف، ومراكز العدو، ومن جملتها مدينة مليلية مهددة بالخطر إذا بحادث مؤلم يحدث فجأة." وهذا الحادث الخطير هو استشهاد القائد المجاهد الشريف محمد أمزيان مع جماعة من أتباعه المجاهدين في بني سيدال في 15 ماي 1912م. و قد كان وراء مقتله إخوانه من الريفيين الذين كان يثق فيهم الشريف ثقة عمياء، فباعوه خيانة وغدرا للجيش الإسپاني الذي حاصره في مسجد بالمدشر الذي يسمى حجرة على قرب كدية حامد ببني سيدال.
وبعدما أخذ إلى مستشفى بمليلية للتأكد من هويته وصحة موته، وقف أمام نعشه مجموعة من الإسپانيين ذكورا وإناثا احتراما له وإجلالا بسبب غيرته على دينه ووفائه لوطنه، ونقلوه إلى أزغنغان ليدفن في مقبرة جده سيدي أحمد بن عبد السلام.
4-نتائج مقاومة محمد أشريف أمزيان:
أ- نتائج المقاومة داخل المغرب:
من أهم نتائج مقاومة محمد الشريف أمزيان داخل المغرب طرد بوحمارة من منطقة الريف والمساهمة في تضعضع جيشه الذي كبده الشريف خسائر عدة في الأرواح والعتاد، وسهل على الجيش الحكومي الانقضاض عليه بسرعة وأسر الفتان بوحمارة.
ومن النتائج الأخرى، مقاومة الشريف للمحتل الإسباني والوقوف في وجهه ثلاث سنوات، لذا، فقد أخره زمنيا فلم يستكمل قبضته الكاملة على قبائل قلعية وقبائل الريف إلا بعد استشهاد الشريف. وما أن استراح الإسپان من مقاتلة المقاوم الشريف أمزيان حتى دخل في حرب ثانية مع بطل الريف الثاني محمد عبد الكريم الخطابي الذي كبد الجيش الغازي خسائر هائلة بشرية ومادية ومالية في عدة معارك ولاسيما المعركة الخالدة التي تسمى بمعركة أنوال سنة 1921م.
وعلى الرغم من بسالة مقاومة الشريف أمزيان وتأثيرها السلبي على الرأي العام الإسباني محليا ومركزيا، فإن المخزن المغربي لم يقدر مقاومة الشريف في عهد المولاي عبد الحفيظ بسبب ضعف الدولة أمام ضغوطات الدول الرأسمالية الاستعمارية ؛ مما جعل السلطان يرسل إلى الريف القائد البشير بن سفاح في 25 أكتوبر 1909م ليتوسط بين حكام مليلية وزعماء قبائل الريف لوضع حد لتلك الحروب التي كانت بين الجانبين.
ولكن التقدير الحقيقي سيكون من قبل الملك المغفور له محمد الخامس الذي أشاد كثيرا بمقاومة محمد الشريف أمزيان واعتبره بطل الريف الأول، كما أشاد أيضا الملك الحسن الثاني وابنه الملك محمد السادس بمقاومة الشريف أمزيان وببطولته الخارقة، وأثنيا كذلك على أسرة المجاهد في أزغنغان، ومنحا لها كل العون الجدير بها، وقدما أيضا جميع أنواع المساعدات المعنوية والمادية والمالية التي تستحقها.
ت‌-نتائج المقاومة داخل إسبانيا:
ولكن أخطر هذه النتائج هو التأثير السلبي لهزائم جيش الاحتلال على الرأي الدولي بصفة عامة والرأي الإسباني بصفة خاصة، بعد هزيمة المحتل في معركة سيدي موسى، وفي هذا يقول المؤرخ الحاج العربي الورياشي:" وبعدما وصلت أنباء هذه الخسائر التي لحقت بالجيش الإسپاني في ناحية سيدي موسى إلى إسبانيا اندهش الإسبانيون لسماعها ودخلهم فزع عظيم، وصارت حكومتهم تفكر في شخصية قوية إسبانية تستطيع القضاء على مقاومة المغاربة الريفيين، فوقعت أنظارها على القائد الشهير الفارس الشجاع الجنرال بينتو، فأرسلته على رأس جيش قوي منتخب من ناحيتي برشلونة ومدريد،فأبحر بجيشه إلى مليلية فوصلها في السادس والعشرين من يوليوز سنة 1909م."
ومن المعارك التي أثرت سلبا على الرأي الإسباني المحلي بمدينة مليلية والرأي المركزي ( مدريد وبرشلونة) واغتموا لها كثيرا معركة وادي الذئب ببني أنصار ووقعة جبل بنزروف بسلوان ناهيك عن معارك أخرى كمعركة إزرورا ومعركة إجذياون ومعركة وادي كرت ومعركة إزحافان وإمعروفان.
ولما فشلت إسبانيا في مواجهة مقاومة الشريف أمزيان، شرعت تلصق التهم بحليفتها فرنسا المنافسة لها في احتلال المغرب، وبعد ذلك بدأت تتهم كلا من تركيا وألمانيا على دعمها للريفيين بالأسلحة والمؤن العسكرية.
واتخذت هذه الخسائر الحربية داخل إسبانيا طابعا مركزيا ووطنيا، و أسفر عنها ازدياد المعارضة الشعبية داخل إسپانيا التي اعتبرت ذهاب الجيش إلى الريف المغربي ليس بنزهة أو حملة تمشيطية يقوم بها البوليس أو الشرطة أو الجنود كما قيل لهم، وإنما هي حرب حقيقية ضروس أزهقت أرواح الكثير من الجنود الإسپان. لذا تخوف الشعب الإسپاني من استمرار هذه الحرب التي كلفت الدولة الكثير من الأموال والبشر. فانتفض الشعب في برشلونة من يوم 25 إلى 31 يوليوز من سنة 1909م، وسمي هذا الأسبوع بأسبوع المأساة أو التراجيديا La semana tragica de Barcelona.
وصارت إسپانيا الإمبريالية تظهر بصورة مشوهة داخل البلد وخارجه :" إذ أصبحت مولد الطغاة الكبار، ومولد كبريات جرائم حرب المغرب لسنة 1909م، لأن المغرب تحول إلى مقبرة للآلاف من أبناء هذا الشعب الغافل، حيث انتزعوا من مساكنهم ليقتادوا إلى المذابح".
وأثرت هذه الحرب كذلك على الموقع السياسي للوزير أنطونيو مورا، وساهمت في اندلاع ثورات شعبية بدأت تشكك في النظام الرأسمالي الإسپاني والنظام السياسي الحاكم:" ومن انعكاسات هذه الانتفاضة الدامية انتقالها كالعدوى إلى مختلف المدن الإسپانية، حيث حرضت الأحزاب الاشتراكية والتقدمية الرأي العام الإسپاني ضد الحرب ودعته لمعارضتها والوقوف في وجه الرأسماليين الإسپان. فترتب عن نجاح هذه الانتفاضة أن أصبح النظام الإسپاني في خطر، ولاسيما ممثله أنطونيو مورا (Antonio Maura )، كما أنه أمام قوة الانتفاضات وأمام بشاعة حرب المغرب، التي كانت تصل أخبارها إلى الرأي العام، أجبر وزير الداخلية الإسپاني لاثييربا (La Cierva) إلى إعلان الرقابة على كل أنباء الحرب الآتية من المغرب، كما أجبر على إلغاء كل الضمانات الدستورية وقطع الاتصالات الهاتفية والتلغرافية مع المغرب، حتى أصبحت برشلونة عمليا منعزلة عن العالم هذا إضافة إلى إعلان حالة الطوارئ التي سمحت للجيش بالتدخل في الأحداث."
وتنامت الروح الثورية لدى الطبقة البروليتارية الإسبانية التي نادت بالثورة الجمهورية عبر الشعارات الراديكالية التي رفعتها في برشلونة بواسطة الإضراب العام الذي حقق نجاحا جماهيريا ملموسا مع التنديد بالطبقة الرأسمالية المعدنية وتحدي الملكية التي كان يمثلها ألفونسو13. وانتهت هذه الثورة التي تزعمها فرانسيسكو فيريرFrancisco Ferrerبإعدامه رميا بالرصاص.
واتهم الرأي العام الإسپاني القيادات العسكرية العليا بأنها:" هي التي خلقت ظروف هذه الحرب من أجل الترقي في التراتبية العسكرية، علما بأن كل حرب تتطلب أموالا طائلة، وأن الشعب الإسپاني كان في أمس الحاجة إليها".
ومن نتائج المقاومة الريفية سقوط حكومة أنطونيو مورا، وعوضت بالحكومة الليبرالية لسيخيموندو موريت ( Segismundo Moret) في 21 أكتوبر من سنة 1909م، واستقالت هذه الحكومة بدورها في 9 فبراير 1910 لتعوض بحكومة بديلة يقودها خوصي كاناليخاس José Canalejas )).
وانشغل البرلمان الإسباني بقضية الريف وبالضبط في جلسات يوليوز من سنة 1910م؛ لكون هذه القضية المصيرية أصبحت تؤرق الرأي العام الإسباني وكذا حكام مدريد ورجال السياسة والإعلام، وبدأ البرلمانيون وزعماء الأحزاب السياسية ينصحون الحكومة بالتخلي عن مشروعها الإمبريالي.
و قام الملك ألفونسو 13 بزيارة لمنطقة الريف مرفوقا بوزير الحكومة كاناليخاس ووزير الحربية أثنار Aznarووزير البحرية أرياس دي ميراندا Arias de Miranda، وكان الهدف من هذه الزيارة تقديم الدعم المعنوي والنفسي للقوات الإسبانية الموجودة في جبهات القتال.
ث‌-نتائج المقاومة على مستوى مدينة مليلية:
سببت الخسائر المتكررة التي عرفتها القوات العسكرية الإسبانية في استقالة الجنرال خوصي مارينا José Marinaحاكم مليلية بسبب خلافات جوهرية عويصة مع الحكومة المركزية وعدم تنفيذه للقرارات والأوامر العسكرية الصادرة من العاصمة، وعدم نجاحه في درء الخسائر والهزائم المتكررة التي لحقت الجيش الإسپاني في منطقة الريف أمام قوات الشريف محمد أمزيان.
أما تأثير هذه المعارك على مدينة مليلية فكان على العموم مأساويا، إذ "عمت حالات الرعب والاستياء بها بسبب القضاء على جيش قاعدتها العسكرية خلال شهر يوليوز 1909م، وعاشت العائلات الإسپانية بها مآتم بسبب كثرة القتلى وتفشي أوبئة داخل المدينة، لاسيما التيفوييد (حمى تيفة) والتيفوس( الحمى الصفراء)، فأجبرت السلطات الصحية بمدريد على إرسال بعثات طبية إلى مليلية للسهر على التنظيم الصحي المحكم بالمخيمات العسكرية".
خاتمـــــة:
ونستنتج من خلال هذا العرض أن القائد المجاهد محمد الشريف أمزيان من أهم أبطال المقاومة الأمازيغية المغربية، فقد كرس كل جهوده لمحاربة الفتان بوحمارة الذي أراد تحويل منطقة الريف إلى منطقة السيبة والنهب والغصب، بيد أن الشريف طرده من الريف مذلولا مخزيا. كما حارب الشريف أمزيان من جهة ثانية القوات الإسپانية الغازية التي كانت تستهدف استغلال مناجم أزغنغان وأفرا لتصدير حديدهما إلى إسپانيا لتحريك دواليب الاقتصاد وتطوير الصناعة المدنية والعسكرية. وقد كبد الشريف القوات الغازية عشرة آلاف قتيل حسب الإحصائيات الإسبانية الرسمية ناهيك عن الخسائر المادية والمالية ومقتل بعض الجنرالات خاصة الجنرال بنتو والجنرال ڤكاريو دون ذكر الكثير من القتلى العسكريين ذوي الرتب السامية في الجيش الإسپاني.
ومن أهم نتائج مقاومة الشريف أمزيان طرد بوحمارة من منطقة الريف أولا ومن سلوان ثانيا والمساهمة في التعجيل للقضاء عليه نهائيا من قبل الجيش الحكومي الحفيظي علي يد القائد الناجم بن مسعود بن مبارك الأخصاصي القائد المشهور، وتأخير تغلغل الإسپان في منطقة الريف لمدة ثلاث سنوات من سنة 1909م إلى سنة 1912م، ليواصل عبد الكريم الخطابي بطل الريف الثاني بعد ذلك حرب ال**** ضد الإسپان في بني ورياغل وقبائل الريف المجاورة.

ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ
جميل حمداوي


التعديل الأخير تم بواسطة غريب الأهل و الدار ; 04-12-2008 الساعة 18:17
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مساعدتي؟, يستطيع

« طلب مساعدة | طلب مساعدة »

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من يستطيع المساعدة ؟ أولاد ارميش الأرشيف 2 14-12-2008 20:31
من يستطيع حل لغز هذا الرابط أبو عبدالرحمن 79 الأرشيف 10 28-09-2008 04:47
من يستطيع الاجابة.. الفوقى المسابقات والألغاز 4 21-01-2008 20:30
من يستطيع إرشادي؟ أبو المعاني دفاتر مستجدات الحركة الانتقالية 2017 8 31-12-2007 20:17


الساعة الآن 14:59


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر تربوية © 2007 - 2015 تصميم النور اونلاين لخدمات الويب المتكاملة