تؤثر الحالة الوجدانية للفرد على القرارات التي يتخذها، فإما أن تكون هذه القرارات منطقية وناجعة لأنها نابعة من قناعة، وشخصية، وحوافز ذاتية مدروسة وموجهة نحو النجاح، وإما أن تكون متسرعة وفاشلة لأنها غير خاضعة للمنطق، ولم يتحكم صاحبها في مشاعره والموارد التي يجب أن يوظفها كي يحل المشاكل التي تعترض سيرورة تطوره وبحثه على الحقيقة. سبق أن أشرنا إلى العوامل الذاتية في التعثر الدراسي، ولاحظنا أن انعدام الثقة في النفس، والخوف من الوقوع في الخطأ أو عقاب المدرس وتوبيخه، من الأسباب الوجدانية التي تكبت تفكير المتعلم ولا تسمح له بالتعبير عن رأيه أو يطالب بحقه الذي سلب منه.
لاحظنا من خلال ممارستنا التربوية أن عددا لا يستهان به من التلاميذ يحكمون على أنفسهم بالفشل وعدم القدرة على مسايرة دراستهم بشكل إيجابي؛ وهذا مرده إلى ظهور عدة مشاكل معرفية- سوسيولوجية- ثقافية- اقتصادية- ذاتية ...، كما أن هناك بعض المشاكل نعتبرها افتراضية وهمية لأنها من نسيج خيال المتعلم. يتحدث بعض المتعلمين عن الخوف من الحصول على نقطة دون المعدل، وهذا التفكير في ذاته يعتبر عائقا يعرقل التهييء للفرض أو الامتحان و يزيد من حدة القلق عند المتعلم؛فالقلق حسب سبيليبرجر" انفعال غير سار وشعور مكدر بتهديد و عدم راحة أو استقرار، وهو إحساس بالتوتر والخوف الدائم لا مبرر له، كما لو كانت ضرورات ملحة"إن الخوف فطرة تتميز بها شخصية كل واحد منا، إلا أنه يجب علينا أن نتحكم فيه و نحوله إلى عنصر إيجابي يحصننا من الوقوع في الخطأ، و نوجهه نحو ما يعود علينا بالنفع.
ما ينقص المتعلم هو مواجهة الصعاب التي تعترضه، لأننا علمناه كما نريد له أن يكون؛ لكننا لم نربه على التحكم في مخاوفه، و مواجهة التحديات و العراقيل التي تعترض سيرورة تعلمه؛إن المواجهة حسب كومباس و زملاؤه" جهود واعية يتم اختيارها لتنظيم الانفعالات و المعارف و الناحية الفيسيولوجية و البيئية عند التعرض لأحداث ضاغطة" يتضح أن مشكلة التعلم تكمن في تبعية المتعلم، وعدم قدرته على تحمل المسؤولية، و اختيار ما يناسب شخصيته، وقدراته.
عوض أن يخاف المتعلم من الحصول على نقطة سيئة، عليه أن يخاف مما يمكن أن يحصل إذا لم يحضر دروسه، ويستوعب مواضيع التعلم التي هو بصدد تعلمها؛ في هذه الحالة سيراجع المتعلم أوراقه وطريقة تفكيره، وسبب وجوده كي يتجنب الفشل. يجب أن نعمل بالأسباب وليس بالمسببات. كي يتجاوز المتعلم هذا القلق الوجودي، يجب أن يوفر له المدرس ظروف العمل دون أي طائلة عقاب أو توبيخ، كما يستحسن أن يشركه في تنشيط الحصة الدراسية، ويوكل له بعض المسؤوليات. ويقبل اختلافه في الرأي.
إن بنية الفرد وتركيبته معقدة ومتنوعة فهي: مادية – نفسية – اجتماعية – وراثية .... . كما أن هناك تنافرا بين الشعور واللاشعور، وما يريده الآخر ( المجتمع ). تحكم تصرفاتنا وسلوكاتنا نوعان من الرقابة: رقابة داخلية ( الأنا الأعلى ) ، ورقابة خارجية الدين وتقاليد وأعراف المجتمع، لذا يصعب حصر شخصية الإنسان في مكون واحد ودراسته بعيدا عن العناصر الأخرى، وهذا بطبيعة الحال أثر على الدراسات الاجتماعية، والتربوية، والفلسفات الوجدانية التي تهتم بدراسة الإنسان ذلك الكل الكوني الذي لم نكتشف بعد حقيقة وجوده، ولا أسرار فكره، وكيفية تفكيره.
تلعب الحالة الوجدانية المتفائلة للمتعلم، دورا أساسيا في نجاحه، لأنه يؤمن بقدراته؛ وانطلاقا من مسلمة مفادها أن لديه الإمكانيات المادية والمعنوية لحل المشكلة التي اقترحها عليه المدرس فإنه سيفكر بطريقة إيجابية تيسر له إنجاز المهام التعلمية. كما أن حوافزه الداخلية مثل التحدي والصبر، والمواجهة، والانتصار ...؛ تمهد له اختيار وتجريب ما يراه مناسبا لوضعية التعلم، ومواصلة البحث على الحقيقة من أجل تحقيق أهداف التعلم.
إن أزمة التربية والتعليم لا ترتبط فقط بعدم تطبيق طرائق التدريس الفعالة التي تركز على المتعلم وتجعل منه المحور الأساسي في العملية التعليمية التعلمية، بل العنصر الأساسي الذي يحول دون تجويد العملية برمتها هو انعدام التواصل وعدم احترام الآخر، فالعنف الرمزي والجسدي، وسلطة التنظيم، والتقييم، والمعرفة التي يوظفها المدرس من أجل إخضاع المتعلم؛ كلها عوامل لا تتماشى ولا تتوافق مع طرائق التدريس الفعالة التي تحث على حرية إبداء الرأي والتعبير، والتنقيب عن الحقيقة من أجل بلوغ هدف التعلم انطلاقا من معارف، وتمثلات، ومكتسبات المتعلم. إن نقطة الارتكاز التي تجمع بين المتعلم والمدرس من أجل تفعيل طرائق التدريس الفعالة هي التواصل الديمقراطي الحر الذي لا نعطي فيه الأولوية لأي من المتلقي أو المرسل حيث يكون كل من المدرس والمتعلم متساويان في وضعية المجابهة التكوينية التي تجعل منهما متعلمين يبحثان على الحقيقة سويا.