النبع الدافق
كانت هي بالجانب الأيمن من الطريق ، وكان هو يلهو ويمرح مع أترابه في الجانب الأيسر ، كانت تنظر إليه بين الفينة والأخرى ،قاطعة حديثها مع الجارة فاطمة ، وكان هو يلتفت إليها بين الحين والآخر ، ليطمئن أنها لا تزال في مكانها ، ولا زال حديثها مسترسلا مع الجارة ، لا شك أنهما تتبادلان الشكوى والهموم ومشاكل اليومي التي لا تنتهي ، هكذا كان يحادث نفسه ................
فجأة ، ودون سابق إنذار ، آثر الابتعاد عن أقرانه والعودة سريعا إلى المنزل ، لإنجاز واجباته المدرسية التي تراكمت ، وهم بعبور الطريق دون الالتفات يمنة ويسرة ، كما كانت هي توصيه دائما بذلك ، مذكرة إياه بأنه فلذة كبدها الوحيد ، وإن تعرض لأذى لا قدر الله ستموت ،لا محالة ، حسرة وحزنا على فراقه الذي لا تتمناه وهي على قيد الحياة ،
وهو بمنتصف الطريق مارا أمام سيارة ،كانت آتية من جهة اليمين ، وبسرعة جنونية ، شيء ما تحرك داخلها ، وأوحى لها ، أن بادري إلى إنقاذ فلذة كبدك الذي هو على شفى حفرة أو أدنى من حافة الهاوية؛ إنه على وشك الموت ، قطعت الحديث مع جارتها مرة ثانية ، وألقت بنفسها أمام السيارة ، واحتضنته كأنها تحتضنه لأول مرة ، وحملته بكل ما أوتيت من قوة وجهد وحنان ،وقفزت به بعيدا عن خطر السيارة الداهم ، وقبل أن تسقط على الأرض ، قامت بلفة لا يقوم بها إلا الرياضيون المحترفون ،مع أنها لم تمارس قط رياضة في حياتها ، ووجدت نفسها تتهاوى كالبنيان الشامخ على الأرض ،وابنها لا يزال في حضنها ،غابت عن وعيها جراء الارتطام القوي بالأرض الصلبة ، المغطاة بالإسمنت الصلب هو الآخر ، بدأ هو يصرخ : أمي ماذا حدث لك ، أفيقي من فضلك ، أيها الناس أنقذوا أمي إنها تنزف ، إنها أمي ، إنها أمي يجب أن تستفيق ، يجب أن تستفيق .
تجمهر الناس وكلهم يتحدثون عن شجاعة هذه المرأة ، ولكم تكررت على مسمعه جملة "إنها أنقذت ابنها بأعجوبة ..."
فجأة استفاقت من غيبوبتها وكان أول سؤال طرحته وكلها لهفة: مــــــاذا حدث لابني وحيدي... ؟