بـــوتفليقـــة «ملـكـــا»
الثلاثاء 4 نونبر 2008
حسم «فخامة الرئيس» لعبة التخمينات، وقطع شك شعب المليون شهيد بيقين تعديله للدستور الجزائري لكي «يُسمح» له بفترة رئاسية ثالثة، كان هذا في الخطاب الذي ألقاه « الكاماراد بوتفليقة» بمناسبة افتتاح السنة القضائية الجديدة، والذي صرح فيه علانية؛ عزمه إعطاء الشعب فرصة «إبداء رأيه» في هذه المسألة المصيرية، لاستكمال مسيرة «المصالحة الوطنية» و»مشاريع التنمية» المدشنة في عهده !!.. إنه بوتفليقة رائد عصبة البومدينيين الجدد.. غير أن بوتفليقة هذا؛ رئيس ديموقراطي جدا، لذلك لا تربطه رابطة بالرجعية العربية، وخلافا لشيخه «بومدين»، ولد المذكور من المهد ديموقراطيا لذلك سيتوجه إلى إرادة الشعب ليتمكن من فترة رئاسية جديدة.. ويعلن بذلك «البريزيدان» دخوله الرسمي في نادي أصحاب الفخامة الرؤساء-الملوك، والتحاق بلد المليون شهيد بجماهيرية العقيد واليمن السعيد في نادي الجمهوريات الملكية، وهي نسخة مشروخة ثمل فيها الدهر وبال على هذه المستنقعات المسماة استعارة بالجمهوريات العربية، عندما يتذرع رئيس غير منتخب ديمقراطيا حتى، ساعة من الدهر حين يفقد كل الصلاحيات الدستورية، بمبررات وهمية، ليحصل على فترة حكم أخرى لاستكمال أوراش التنمية.. كذا، ليَمُنّ فيها على الشعب « أن رضي بهم أمة له» بتعبير المرحوم درويش، ثم استكمال مسرحية الدمقرطة.. كذا بادعاء الرجوع إلى هذا الشعب لتعديل الدستور. حصل هذا ويحصل، في كل جمهوريات الكناية والاستعارة، في تونس الخضراء ومصر أم الدنيا، وفي سوريا الشام واليمن السعيد.. وحده العقيد؛ إمبراطور «الجماهيرية العظمى» كان واضحا وفاضحا أيضا، لا دستور إن كان الشعب سيضطر كل حين أن يخيطه على مقاس الزعيم المفدى، ولا انتخابات إن كان صوت الشعب عويلا لا يقاس بوحي «الفتوحات الخضراء»، ولا تحزب إن كانت الأحزاب عميلة للإمبريالية.. كذا (الإمبريالية من الأمبرة طبعا، بتعبير الزعيم عادل إمام !!). وهذا الوضع المستحدث في جزائر ما بعد الاستقلال، يعني أن العسكر وجدوا أخيرا إمبراطورهم، الذي يرضي جشعهم ويصون «بالدستور» امتصاصهم لما تبقى من دم شعب ناضل حتى قطرة الدم الأخيرة من أجل التحرير، ليجد أنفاسه تكتمها خفافيش إرهابية تتخذ من جحور الجبال مسكنا لتفسد في الأرض باسم الله؛ الرحيم بالعباد، وأوليغارشيا عسكرية تتخذ من جحور المدن مستودعا لجمع ثروات الوطن؛ وطن العباد، ومنح الفتات لأبناء الشهداء والمناضلين الحقيقيين، على شكل أبنية تتهشم على رؤوسهم عند أضعف زلزال أوأول قطرة مطر.. هل وطن يحكمه العسكر وطن هذا أم ثكنة، هل جزائر المليون شهيد هذه؛ أرض أم وكر ذئاب ؟ (اقتباسا عن الرائع المظفر نواب)، عسكر فهموا قولة ماو «بأن البنادق ليست لها أرواح» باختراع لعبة عرائس تفرض قواعدها الرجوع إلى شعب أنهكوه بإرهاب دولة منذ بداية التسعينيات «لانتخاب» رئيس معين سلفا، ثم تصيير هذا الرئيس ملكا مدى الحياة، ودفع الشعب الجزائري على غرار باقي «عْرِيبّان»؛ انتظار ملك الموت الذي يحوم غير بعيد عن قصر «المرادية» منذ ما يقارب السنة، لإعمال مبدأ التداول على السلطة. ولأن السُّلطة (بالرفعة) تماما كالسَّلطة بالفتحة (الله إيرزق الشعب الجزائري غير الصحة والسلامة المفقودين منذ ما يناهز العقدين)، فإنها تفرض نوعا من التوابل لكي يستسيغها شعب لازال يتذوق طعم الإرهاب، منها توابل «المصالحة الوطنية والوئام المدني ومشروع المحطة النووية» وغيرها من «راس الحانوت»، والتي تذر الرماد على واقع اجتماعي واقتصادي في غاية السوء، مع أن ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية أدرت على الخزينة العامة ملايير الدولارات غير المنتظرة، وجهت بدون الرجوع للشعب هذه المرة، لمشاريع التسليح الخيالية والدعم المالي السخي لقائمة الانفصاليين الشحاذين على عتبات «قصر المرادية» وموائد المساعدات الإنسانية في تندوف. وللتاريخ نسجل أنهم جنرالات مجربون ومحنكون (من الحنكة والتحناك أيضا)، محنكون في لعبة العرائس هذه، فقد جربوها ولازالوا يجربونها حتى اليوم مع هذه الدمى المتاجرة بالهلوسات في تندوف، وجربوها أيضا مع بوضياف، ليغدروا به بعد هنيهة، تماما كما غدروا بإخوان لهم من قبل، عندما شرعوا في الكلام غير المباح، ولأن الكلام المباح بالبومدينية الجديدة، أحادي الاتجاه، منسوج على لازمة «بومدين يا رفيق حْنَا ناعْسين على الطريق» ! فإنه يُسمح فقــط بالكــلام ملء الفم على المغاربة والمغرب ووحدته الترابية وطفراته في مجال حقوق الإنسان، كان آخره التشفي في كــوارث الفيــضانات.. وها هواليوم بوتفليقة يمعن في احتقار ذكاء المواطن الجزائري بلعبة عربية سمجة، اسمها تعديل الدستور، ليس من أجل عيون الجزائر كما يقتضي بذلك بروتوكول العواصم، بل من أجل ربح المزيد من الوقت لاستكمال جرائم العسكر ضد شعبهم وجيرانهم، ولسان حاله يقول على لسان مقال المرحوم درويش في رائعته «خطب الدكتاتور الموزونة» :«..سأمنحكم حق أن تشكروني لأني رضيت بكم أمة لي..سأختاركم واحدا واحدا مرة كل خمس سنين..وأنتم تزكونني مرة كل عشرين عاما إذا لزم الأمر أو مرة للأبد..وإن لم تريدوا بقائي لا سمح الله، إن شئتم أن يزول البلد، أعدت إلى الشعب ما هب ودب من سابق الشعب كي أملك الأكثرية، والأكثرية فوضى..أترضى أخي الشعب..أترضى بهذا المصير الحقير.. أترضى؟ معاذك !!» المصطفى مرادا
الاحداث المغربية
بـــوتفليقـــة «ملـكـــا».
