لم تكن في يدي سوى سديم روح وزفرات غائبة
كنا نعشق الهمس في شفتي الصمت ، ونكتب على جدار الحيرة ترانيم وموشحات لاتنسى ، ونمضي في غياهب العشق ، نحرص براعم الحب من الا نفلات يبن اصابعنا ، ولا نكثر من صراخ ماتبقى من آمالنا.
لم يكن نحيب الروح سوى جرح نازف يدمي صراخا عاريا من كل شيء ،حتى من الصدى
لم يأبه الهوس بصراخي المكتوم ، بقيت عاريا حتى من الكلمات ، لاشيء يذكرني بأنين الوجع سوى تلك الأيادي الصلبة التي تخدش كل شيء ، حتى الحلم .
راح كل شيء حتى التيه الذي كنت اتشبه به مضى إلى المجهول ، وبقيت وحدي أحترف لغة الصمت ، أكتب على صفحات الماء تأتاءات للسان مشلول.
لابد من فيء هجيرة وقرطاس وشموع لأكتب تاريخي المهزوم
حتى لا أنسى جرحي الراعف ،أو أتناسى عشق الذكرى ،سأرقش على صفحات السراب لحظات لاتنسى ، وسأترك للموت موتا وعشقا وشيء من الذكرى.
غاب ولم يعد، كلهم عادوا ، كلهم فتحوا بابا للعشق وأبوابا للموت
على هودج الذكرى تمنطقت النسوة بصوان العشق وكلمات الراحلين ، ومضين يغزلن بكلمات الذكرى جببا من العويل وقمصانا للخائبين.
هكذا كانت الأشياء، وهكذا مضت ، خلسة تندلف من بين التخوم ، وعنوة تكتب أسمائها في سجل الغابرين.
أصبحت الآن كرجل لاتعنيه الحكاية....
كرجل لا تعنيه الحكاية مضى في سبيله ، يدمدم بكلمات لامعنى لها ،يجرد الكلمات من المعاني، ويعلقها على حبال الاحتمال ، ليرصد عشقا غابرا بين ثنايا كلمة نابية.
مضى الجميع لحاله ، بينما بقيت أتعثر ،أتمتم برحيق شهوة غابرة ،واعلنت بصوت عال سحقا للفراغ الذي ابتلع الأشياء الجميلة .
على زخرفة الوقت ، بقيت وحدي ، أمشط الذكريات علي أظفر بلحظة ساخرة أو هسهة ضحكة تمسح دمعة حزن دارف من صوان الذكرى.
لا شيء البتة غير أفول بسمة أو ضحكة مؤجلة أو نحيب يقرف القلب ، او هيام يرغمني على الانفلات من شراك الأسى لأتيه في سراب لا حد له.
حتى لا تغيب شمس الأمل عن شفتا المهزوم ،استطيع ان أصرخ بأعلى صوتي ، لن أركض خلف الهزيع ،سأبقى جاثما على صهوة القلب،أقلب عن بقايا نساء كن يحلقن على شرفة النهار ،ويكتبن خربشات على وجوه المارة ،وكنت وحدي أتتبع همساتهن اللاتي يوشين برحيل الغرباء.
هكذا ......كان يشيح بوجهه نحو الليل ويبكي، لا لشيء سوى أن الليل اختلس عنوة من وميض عينيه شرنقة الصباح.
كان يصرخ بصوته المكتوم ،المخنوق في جب الليل ، وتنتهي أمسياته بضحكات هستيرية ،تبعتر صمت الليل وتقبر في جوفه المهترئ .
بكى دون أن يدرف دموعا ،أجهش بشيء من العويل الكتوم ، وراح يوزع على ندامى ليله شيء من الكلام المباح ، ثم رقد في سلام.
مضى كل شيء ،النسوة اللواتي كن يصدحن باغنية الغريب ، والليل الذي يشي بشيء من الجنون ،والعويل الذي خرق الأمكنة ،بقي وحيدا أعزل مجرد من كل شيء حتى من أسمائه وصوته وجنونه ،بدا خاليا كالفراغ تماما، صاح ،رفع عقيرته ،لكن صوته انكتم بداخله ،راح ينط بيديه المرتعشتين ،أدرك عندها أن لا شيء أجمل من قلب بارد وعيننان تائهتان في الهزيع
تمتم بأعلى صوته المكتوم سحقا للفراغ سحقا للهزيع ،وغاب في الزحام.....
مضى ويأس الأيام الخوالي تجترح ذاكرته من كل شيء ، من ثنايا عشقه الغابر ،من أردان خطيئته ، من عتابه المتكرر ،من عويله المتلاحق ، من غمغمات كلامه المترجرج ، من كل شيء ...لا لشيء سوى أنه غريم الحيرة والاندثار.
مسح بسمة زائفة من شفتيه ، وبكى طويلا ، وهو يغمغم بأخر حشرجاته ... محتضرا رفع يده نحو القلب وأدلف :
هناك موطن من لاوطن له ، وهم من لا وصل له ، ورحيق عشق الغائبين نحو أفول ما أوفيء عشق ندي يغمر كل شيء حتى حبب الليل ،ثم أسدل يده ورحل في الزحام.
الاهداء إلى الصديق عبد الحق الغلاق