منذأن دخلت عالم التعليم في السنوات العشر الأخيرة , وأن أجد أن قطار التعليمبدا في الأنحراف بشكل مخيف وخاصة في التعليم العام , وكلما حاولت التأملوالتفكير في هذا العالم أجد أني في حيرةً من أمري , ولكن عندما نُبحر فيهذا العالم , وخاصة التعليم في القرون السابقة نجد أن نفتقد كثير منالحلقات المترابطة , ووجود كثير من المعوقات التي تجعلنا نعيش في عالممتخبط وغير منتج وفعال . وعندما نقوم بمقارنة بسيطه نجد الفرق الكبيروالأثر النفسي الذي سيتأثر فيه كثير من المعلمين والمربيين الجادينوالمحبين للتريبة أولاً , والمحبين للمهنة التعليم والتدريس ثانياً . أنالمعلم هو العمود الفقري لعملية التعليم ومحورها الأساسي , وهو احد زواياوأضلاع المثلث في المدرسة , وقطب الدائرة في التربية ,وهمزة الوصل بينالطالب والمعرفة لقدشهد التاريخ للمعلم بالرفعة والاحترام , فكان تاج الرؤوس ذا هيبة ووقار لايجارى ولا يبارى في المجتمع فهو الأمين المستشار وهو اللب الحنون البارلدى الكبار والصغار , وقاضيهم عند النزاع والشجار, وهو كالسراج ينير الدربللسالك يروي العقول والأفكار ويحرسها من شبه الأشرار. هذه حقيقة ما كانعليه العلم في السابق وهكذا عرف في المجتمع , وأوصافه لا تكاد تجمع لأحديعرف بها غيره بين الناس ،وكذلك ما يقع في عين الآخرين من الإحلالوالتقدير والإكرام لهذا الشخص (( المعلم)) خصوصاً من قبل أبنائه الطلبةالذين يفترض أن ينظروا إليه بثلاثة أعين عين الحب وعين الخوف وعين الحياء ,و هذه الهيئة تطلب الهيبة فكانالطالب يهاب أستاذه أينما رآه لأن أباه هكذا رباه فمن يجرؤ على رفع بصرهفضلاً أن ينطق ببنت شفة إلا ما كان في محله وان لم يمنعهم الخوف فلا أقلمن الحياء وعندما يتكلم المعلم عندهم فالآذان صاغية والقلوب واعيةوالأبصار شاخصة , وما حملهم على ذلك غير الحب للمعلم وكذلكالحب للعلم وما يحمله , وعلى هذا الحال نشأوا وتربوا وترعرعوا , فعرفواأنفسهم ولم يتجاوزوا قدرهم , وعرفوا من علمهم فقاموا بحقه ثم بعد ذلكتعلموا العلم فعملوا به وعلموه تذكرت قولة الشاعر أحمد شوقي في المعلم قم للمــــعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا أرأيت أعظم أو أجل من الذي يبني وينشئ أنفسنا وعقولا فهكذا كانوا وهذه هي أخبارهم ولذا فقد جنوا نتاج الجهد والبذل والتقدم أماالمعلم اليوم فإن القلب ليتقطع حسرة وهو بين جدران المدارس النظامية لايكاد يسلم من أذى اللسان في السر والعلن , فاستوي عند الطالب ظهر المعلمووجهه . بل أصبح الطالب يكنُ له العداوة والبغضاء ويتربص به الدوائر أينماوجده لينتقم منه , ولكن هذا ليس في جميع الطلاب ولكن البعض منهم . أماحاله في الفصل الدراسي فحدث ولا حرج الأعاجيب لا تنقضي , فإن تكلم المدرسبتوبيخ أو عتاب جاء القصاص بالمثل وإن سكت المدرس أو أحال على الإدارة قيلعنه : الخائف الجبان , وإن أدار وجهه إلى اللوح ليكتب مستخدماً وسائلالإيضاح ارتفع الصياح والنباح دون إن يأمن الحذف والقذف . وإن تأخر دقيقةعن دخول الفصل سعد الطلاب فقلبوا الدرس عرساً , وإن تقدم ثواني ربما طردوهلأن الحصة لم تبدأ بعد , وإن انتهت الحصة بقرع الجرس ولما ينهي كلامهتركوه ولا كرامة هذاقليل من كثير والله المستعان , فخلاصة القول إن صناعة هيبة المعلم هوالهدف الذي يجب أن نسعى عليه للانطلاقة جديدة في آفاق التربية والتعليم ومالم نحقق ذلك فلن نجد غير سراب العلم والتقدم الذي يحسبه غير الخبير شيئاًوليس هو كذلك , ولو شيدنا المباني وقومنا المناهج لن ننهض في غياب هيبةالعلم , وذلك يعني عدم التأثر بالمعلم الذي هو رأس مال الطالب , وبالتاليلن يحصل الطالب على أي فائدة تربوية أو علمية وحينئذ سنقول بكل أسف : على التربية وعلى التعليم السلام ولقد ذكر أهل العلم الهيبة وأثرها على النفس قالابن القيم أن المهابة أثر امتلاء القلب بمهابة الرب ومحبته و وإذا امتلأبذلك بذلك حل فيه النور ولبس رداء الهيبة , فاكتسى وجهه الحلاوة والمهابةفحنت إليه الأفئدة وقرت به العيون وقال المغيرة : كنا نهاب إبراهيم النخاعي كما يهاب الأمير وقال ابن الخياط يمدح مالك بن انس : يدع الجواب فلا يراجع هيبته والسائلون نواكس الأذقان نور الوقار وعز سلطان التقي فهو المهيب وليس ذا سلطان والمعلمهو نقطة البداية والانطلاقة للتربية الجادة وللتعليم الأمثل ولا يقوم اىمجتمع إسلامي على الأرض ألا بنهوض المعلم والمعرفة بقدره والاعتراف بفضلهوالقيام بحقه والعودة به إلى مكانته وسلطانه في المدرسة والبيت وفي نفوسالأبناء والطلاب ولنعيد له هيبته المفقودة ومنزلته اللائقة في المجتمعوهذه هي الغاية المنشودة التي لا يساوم عليها ولايعدل عنها إلى غيرها