... من غيرنا يوقف هذه المهزلة ؟...
يلاحظ جميع الإخوة الأساتذة ذلك الدرك الذي يتردى فيه تعليمنا بالمغرب منذ سنوات ؛ و نخص بالذكر هنا المستوى التعليمي المتدني لأغلبية تلامذتنا ، حيث أن القاعدة العامة أن المستوى التعليمي الحقيقي لهؤلاء أدنى من المستوى الذي ينتقلون إليه . و الواضح هنا أن أحد أكبر أسباب هذه المفارقة ما بين المستوى الفعلي و مستوى الأمر الواقع هو : مصيبة الخريطة المدرسية التي تقتحم على مجالس الأقسام اجتماعاتها ، و تضع الأساتذة أمام واقع التعليمات ، فتفرغ المجالس من معناها بالمرة ؛ و يصبح دورها بدون جدوى .
لقد بدأنا منذ سنوات ننقل التلاميذ من قسم إلى آخر بمعدلات تتطور تناقصيا ؛ فبعدما كان التلاميذ في مرحلة معينة ينتقلون بمعدل 9,50 /20 ، تطور الأمر إلى 7,50/20 ، ثم 6,00/20 ... فهل سنصل في سنة معينة إلى نقل التلاميذ من قسم إلى آخر بشكل تلقائي دونما أدنى اعتبار لمجهوداتهم و نتائجهم الدراسية ؟ ! ..
و هل نقبل هذا الوضع ؟
لعل الإخوة جميعا يشهدون بأسى على حالات تلاميذ كانوا في قمة النبوغ تتراخى هممهم عندما يشاهدون رفاقا لهم في قسم ماضي ، لم يبذلوا أي مجهود يذكر ، يزاحمونهم على مقاعد القسم الجديد بعدما انتقلوا إليه بلاشيء ؛.. أو على حالات تلاميذ نبهاء يخفت نور أفهامهم رويدا رويدا لطول معاشرتهم لتلاميذ أقل منهم بكثير ؛ فيبقى الأستاذ في موقف حرج : لا يدري هل يساير وتيرة فهم هؤلاء أم يساير وتيرة فهم أولئك ؟.. غير أن الغالب أن الغلبة تكون لأولئك (الأضعف) على اعتبار أن لهم الغلبة في الأقسام من حيث العدد ؛.. فيروح النبغاء النبهاء ضحية ، و تروح بلادنا ضحية معهم ..، و بطبيعة الحال : بسبب إكراهات الخريطة المدرسية ...
* * * * *
تخيل معي مثلا هذا المشهد الحقيقي : أب بدوي بسيط بساطة البداوة يبشره إبنه بأنه نجح في القسم السادس ، و أنه انتقل إلى الأولى إعدادي ؛ و حيث إنه لا يعلم أن ابنه وصل إلى القسم السادس و نقل إلى الاعدادي بالإزاحة طبقا لإكراهات الخريطة المدرسية ، و أن إبنه لم يتمكن بعد من فك شيفرة الحروف الأبجدية ، فإنه ــ أي الأب ــ فرح فرحا شديدا ، و أخذ يتخيل لابنه مستقبلا زاهرا ... فقام من فوره لكي يوفر لابنه إمكانيات مواصلة دراسته هناك بعيدا حيث تتوفر الإعداديات ..؛ تخيل معي إذن حجم الجهود و المشاق و التعب و إهراق ماء الوجه لكي يوفر لابنه الظروف لمواصلة دراسته بالتعليم الإعدادي ... و تخيل معي حجم الخيبة التي سيصاب بها ذلك عندما يكتشف حقيقة مستوى ابنه بشكل متأخر ...
* * * * *
الأمر إذن يهدد مستقبل أجيال بكاملها ، و بلاد بكاملها ، و أمة بكاملها ...
إن الأمر ليبعث على الامتعاض و الغضب الشديد ؛.. و إنك إذا سألت أي أستاذ عنه بادرك برفضه جملة و تفصيلا .
لكن ...
أيها السادة الأساتذة الكرام :
· هل نبقى هكذا سلبيين ؟
· أليس من واجبنا و من حقنا أن نعبر عن رفضنا ؟
· أليس هناك من رد فعل لوقف هذه المهزلة ؟
· أيهما أغلى و أثمن ؟ أن يفوز قوم برفع تقارير سخيفة بارتفاع نسب " النجاح " أم أن يضيع مستقبل أجيال بكاملها ؟
· هل من اللائق بنا أهل التعليم أن نبقى هكذا مكتوفي الأيدي مشلولي الهمم و الإرادة ؟
لا و الله ، إننا لأهل لكل مكرمة . بل نحن أهل الخير كله في هذه البلاد ، نرفع على عاتقنا مسؤولية إنارة مستقبلها ؛..
إننا نحن هم منارة هذه البلاد الحبيبة بأرضها و أهلها .
* * * * *
أدعو الإخوة الكرام أهل التربية و التعليم ، برجالهم و نسائهم ، إلى وقفة تأملية في أمر مصيبة الخارطة المدرسية ، ثم المبادرة إلى ردة فعل شجاعة و مشرفة نعبر من خلالها على رفضنا البات و القاطع لأي خضوع لها مهما كانت التبريرات ؛ و كل عليه أن يتحمل مسؤوليته : نحن نتحمل مسؤوليتنا في مصارحة التلاميذ بمستوياتهم الحقيقية و ننزل كل واحد منهم المنزلة التي يستحقها ؛ و تتحمل الوزارة بمختلف مستوياتها الإدارية مسؤوليتها بتوفير البنيات و الأطر الكافية لاستيعاب المتعلمين ــ الجدد و الراسبين .
أدعو الإخوة إلى فرض معدلات النجاح القانونية في مجالس أقسامهم ( و لو بشكل تدريجي ) ؛.. و أن نخلي مسؤوليتنا من أي تلاعب بمستقبل أبناء هذا الوطن ، و نحمل مسؤولية السخافة التي يعانيها تعليمنا للجهات التي تصر على الاستمرار فيها .
* * * * *
*** فما رأي الإخوة ؟
*** و هل من مبادرة عملية في هذا الشأن و لو بشكل تدريجي ؟
* * * * *
إضـــــــــــــــــــــــــــــــــافــة :
أعرض على الإخوة فيما يلي مجموعة من النصوص القانونية الرسمية التي بحثت فيها بحسب طاقتي ، و بدت لي من خلالها الملاحظات التالي :
ــــ ليست هناك أية إشارة إلى شيء اسمه إكراهات الخريطة المدرسية ؛ فهل يمكن أن نقول بأنه لا سند قانوني لها ؟
ــــ ليست هناك أية إشارة إلى الانتقال الآلي بدون اعتبار للنتائج ، اللهم فقط في المادة الخاصة بالتعليم الأولي .
ــــ انتقال التلاميذ من مستوى إلى آخر يتم بناء على النتائج المحصل عليها ( المراقبة المستمرة و الامتحانات ) ، و ليس بناء على حاجيات الخريطة المدرسية ( أنظر الوثائق : 2 و 4 و 5 و 6 و 7 ) .
ــــ مجالس الأقسام هي الوحيدة المخول لها البث في موضوع انتقال التلاميذ من مستوى إلى آخر بحسب الوثيقة ( 4 ) ، و المدير نفسه مأمور بحسب الوثيقة رقم ( 3 ) بتطبيق قرارات هذه المجالس ؛ أفلا يعني هذا أن القرار الأول و الأخير بيد فريق مجلس القسم ؟
ــــ لا يمكن تغيير قرارات مجالس الأقسام إلا في حدود ما أشارت إليه الوثيقة ( 8 ) ؛ ألا يعني هذا كذلك عدم التدخل في قراراتها بشكل تعسفي ؟
ــــ المعدلات التي تخول الحصول على شهادة الدروس الابتدائية و شهادة السلك الإعدادي هي على التوالي 05 / 10 و 10 / 20 ؛ و لا يمكن الخروج عن هذه القاعدة إلا بقرار من مجالس الأقسام بعد النظر في ملفات التلاميذ المعنيين ( أنظر الوثيقتين : 5 و 6 ) .
ــــ الحلول المنصوص عليها لمعالجة مشكل التكرار و الهدر المدرسي هو زيادة العرض التربوي ، و ليس الانتقال الآلي ( أنظر الوثيقة 1 ) .
و فيما يلي النصوص المعتمدة :
* * * * *
1) << ... تتمثل الإجراءات ذات الأولوية ، في هذا الأفق ، في تحسين العرض التربوي ، و في إعادة التركيز على التعلمات الأساسية . و يمر تحسين العرض التربوي ، بالضرورة ، عبر برنامج واسع لإعادة تأهيل المدارس ، و تحسين الخدمات المقدمة للأطفال (...) ، و توسيع شبكة المدارس الابتدائية ، عن طريق وحدات دراسية جديدة (...) فالمعالجة الملائمة و الفردية للصعوبات الدراسية ، باعتبارها وسيلة ضرورية لضمان النجاح الدراسي ، يجب أن تحل محل الممارسة غير الفعالة المتمثلة في التكرار . فهذه الظاهرة ، إن لم يكن من الممكن القضاء عليها كليا في التعليم الابتدائي ، حاليا ، فإنه من الممكن ، على الأقل ، تقليص حجمها ، و جعلها آخر بديل يتم اللجوء إليه ، في نهاية المطاف ، و عند استنفاذ باقي الوسائل البيداغوجية ... >> المجلس الأعلى للتعليم ؛ حالة منظومة التربية و التكوين و آفاقها ( ج 1 ) ، ص 54 ـ 55 ، سنة 2008 .
2) << ج ــ يتم الانتقال على أساس المراقبة المستمرة من السنة الأولى إلى السنة الثانية من السلك الأول بالمدرسة الابتدائية (...) ج ــ يتم التدرج عبر السنوات الأربع للسلك الثاني من المدرسة الابتدائية على أساس المراقبة المستمرة (...) 93 ــ ... ينظم التقويم و الامتحانات في مستوى الإعدادي كما يلي : يتم الانتقال من سنة إلى أخرى باعتماد نظام المراقبة المستمر إلى غاية نهاية السلك ... >> الميثاق الوطني للتربية و التكوين ، ص 32 .
3) من مهام المدير : << رئاسة مجالس المؤسسة المنصوص عليها في الفرع الثاني من هذا المرسوم و اتخاذ الإجراءات و التدابير اللازمة لتطبيق مقرراتها ... >> المادة 11 من المرسوم رقم 2.02.376 الصادر في 6 جمادى الأولى 1423 ( 17 يوليو 2002 ) بمثابة النظام الأساسي الخاص بمؤسسات التربية و التعليم العمومي ، كما وقع تغييره و تتميمه . نقلا عن : مديرية الشؤون القانونية و المنازعات ، الدليل المرجعي للامتحانات المدرسية بمؤسسات التربية و التعلم العمومي ، ص 8 ، سنة 2007 .
4) من مهام مجالس الأقسام : << ... اتخاذ قرارات انتقال التلاميذ إلى المستويات الموالية أو السماح لهم بالتكرار أو فصلهم في نهاية السنة الدراسية و ذلك بناء على النتائج المحصل عليها ... >> المادة 29 من المرسوم رقم 2.02.376 الصادر في 6 جمادى الأولى 1423 ( 17 يوليو 2002 ) بمثابة النظام الأساسي الخاص بمؤسسات التربية و التعليم العمومي ، كما وقع تغييره و تتميمه . نقلا عن : مديرية الشؤون القانونية و المنازعات ، الدليل المرجعي للامتحانات المدرسية بمؤسسات التربية و التعلم العمومي ، ص 14 ، سنة 2007 .
5) << يعد ناجحا في شهادة الدروس الابتدائية كل مترشح حصل في مجموع اختبارات الامتحان الكتابي على الصعيد الإقليمي و الامتحان الكتابي الموحد على صعيد المدرسة الابتدائية و المراقبة المستمرة كما هي محددة في الباب الثاني من هذا القرار على معدل يساوي 5 على 10 على الأقل (...) و كل مترشح يقل معدله عن المعدل المقرر أعلاه ، لا يعد ناجحا في شهادة الدروس الابتدائية إلا بعد مداولات خاصة في شأنه تقوم بها لجنة الامتحان بناء على ملفه المدرسي >> المادة 13 ، من قرار لوزير التربية الوطنية و التعليم العالي و تكوين الأطر و البحث العلمي رقم 2383.06 الصادر في 23 من رمضان 1427 ( 16 أكتوبر 2006 ) في شأن تنظيم امتحانات نيل شهادة الدروس الابتدائية . نقلا عن : مديرية الشؤون القانونية و المنازعات ، الدليل المرجعي للامتحانات المدرسية بمؤسسات التربية و التعلم العمومي ، ص 21 ، سنة 2007 .
6) << يعد ناجحا في شهادة السلك الإعدادي كل مترشح حصل في مجموع اختبارات الامتحان الكتابي الموحد على الصعيد الجهوي و الامتحان الكتابي الموحد على صعيد الثانوية الإعدادية و المراقبة المستمرة ، على معدل يساوي 10 من 20 على الأقل (...) و كل مترشح يقل معدله العام عن المعدل المقرر أعلاه ، لا يعد ناجحا في شهادة السلك الإعدادي إلا بعد مداولات خاصة بشأنه تقوم بها لجنة الامتحان بناء على ملفه >> من المادة 13 ، من قرار لوزير التربية الوطنية و التعليم العالي و تكوين الأطر و البحث العلمي رقم 2384.06 صادر في 23 من رمضان 1427 ( 16 أكتوبر 2006 ) في شأن تنظيم امتحانات نيل شهادة السلك الإعدادي . نقلا عن : مديرية الشؤون القانونية و المنازعات ، الدليل المرجعي للامتحانات المدرسية بمؤسسات التربية و التعلم العمومي ، سنة 2007 .
7) << المادة 9 : يتم الانتقال من السنة الأولى إلى السنة الثانية من السلك الأول من التعليم الابتدائي بناء على نتائج المراقبة المستمرة (...) المادة 10 : يتم التدرج عبر السنوات الأربع للسلك الثاني من التعليم الابتدائي اعتمادا على نتائج المراقبة المستمرة (...) المادة 18 : يتم الانتقال من سنة إلى أخرى بالتعليم الإعدادي اعتمادا على نتائج المراقبة المستمرة >> من قرار وزر التربية الوطنية رقم 2071.01 صادر في 7 رمضان 1422 ( 23 نوفمبر 2001 ) بشأن النظام المدرسي في التعليم الأولي و الابتدائي و الثانوي . نقلا عن : مديرية الشؤون القانونية و المنازعات ، الدليل المرجعي للامتحانات المدرسية بمؤسسات التربية و التعلم العمومي ، ص 64 ــ 65 ، سنة 2007 .
8) << تعتبر قرارات مجالس الأقسام غير قابلة للمراجعة ، ما عدا في حالة تغيير التوجيه أو الأخطاء المادية المتعلقة باحتساب المعدلات و نقل النقط . و في هذه الحالة ، يتم تصحيح الأخطاء من لدن المجلس المختص بالمؤسسة >> المادة 34 من قرار وزر التربية الوطنية رقم 2071.01 صادر في 7 رمضان 1422 ( 23 نوفمبر 2001 ) بشأن النظام المدرسي في التعليم الأولي و الابتدائي و الثانوي . نقلا عن : مديرية الشؤون القانونية و المنازعات ، الدليل المرجعي للامتحانات المدرسية بمؤسسات التربية و التعلم العمومي ، ص 67 ، سنة 2007 .
الخــــــــــــــــــــــــــلاصــة :
الأمر كله إذن بيد مجالس الأقسام ، ما عليها إذن إلا أن تعمد إلى ممارسة
حقها في صلاحياتها
بقوة القانون الذي خولها ذلك .