سمير شوقي
المهرولون الجدد
في الوقت الذي توحدت فيه أصوات المواطنين المغاربة بخصوص إدانة الهجوم الوحشي الصهيوني على قطاع غزة الصامد، تفرقت مواقف النخبة والإعلام بين المتضامن بدون قيد أو شرط وبين من أسموا أنفسهم بالمدافعين عن المواطنين الفلسطينيين والمنتقدين لحماس وقادتها وبين المرددين للأطروحات العربية الرسمية...
لن أتحدث عن الموقف الشعبي لأن تفاعله مع الحدث كان استثنائيا، ويمكن الجزم أن جيلا بأكمله اكتشف لأول مرة حجم مأساة الشعب الفلسطيني، لكن مواقف بعض الأوساط كانت مثيرة للاستغراب أو بالأحرى للشفقة.
بعضهم اتهم حماس بـ«جر الفلسطينيين العزل إلى الفخ الإسرائيلي»، وآخرون قالوا بكل بساطة إن حماس هي التي كانت وراء تقسيم الصف الفلسطيني و«تعريض شعب بكامله للإبادة»، وهناك من ذهب إلى القول «إنها لحماقة أن يتصور البعض أن صواريخ حماس ستكون رادعة لإسرائيل، وإنها فقط تجلب الدمار لغزة»، فيما اجتهد كثيرا بعضهم ليصور قادة غزة كجبناء تركوا شعبهم يواجه العدو فيما استقر بعضهم في فنادق خمس نجوم بدمشق وآخرون بين أحضان زوجاتهم الأربع»...
يحق لنا أن نتساءل فعلا عن الفرق بين هذه المواقف وبين تصريحات المسؤولين الصهاينة...
هؤلاء الذين يتحدثون عن «زعماء المنفى» يتجاهلون أو يجهلون، وهذا أفظع، أن الصهاينة حاولوا تسميم خالد مشعل عندما كان في القطاع وكاد يلقى حتفه بنفس الطريقة التي اغتالوا بها المجاهد ياسر عرفات لولا الألطاف الربانية. يتجاهلون كذلك كيف أحال الصهاينة جسد المقاوم الشيخ ياسين إلى أشلاء وكيف اغتالوا عبد العزيز الرنتيسي. الذين يوجهون اليوم السهام إلى حماس يلتقون في تصورهم مع مبارك وأولمرت وعباس... تأملوا الثلاثي فلن تجدوا فيه دخيلا!
الذين يحملون حماس مسؤولية تفريق الصف الفلسطيني يتجاهلون أن الشعب الفلسطيني هو الذي حمل حماس إلى الحكم بعد انتخابات كانت الأكثر ديمقراطية في العالم العربي بشهادة المراقبين الدوليين، وأن الرئيس عباس وزعماء فتح لم يستسيغوا الهزيمة فاستغلوا أول فرصة للانقضاض على الحكم في تمرد خطير على الديمقراطية، وكان واضحا التواطؤ مع إسرائيل وأمريكا من خلال تشديد الحصار على غزة حتى يعتقد الجميع أن حماس تجلب الدمار وتأتي فتح كمنقذ لتدخل غزة كالفاتح بغطاء أمريكي إسرائيلي، وهذا ما يسعى إلى تحقيقه اليوم الثلاثي سالف الذكر.
الأطروحة التي يرتكز عليها هؤلاء مجرد غطاء للدمار والإجرام وسفك الدماء الذي تعودت عليه آلة البطش الصهيونية منذ العام 1948 وكان ضحيته الشعب الفلسطيني قبل أن يكون لحماس أي وجود، ولنتذكر دير ياسين وصبرا وشاتيلا وقانا...إلخ.
إن الحقيقة الوحيدة هي أن فلسطين هي الدولة الوحيدة التي ماتزال ترزح تحت الاحتلال حتى الآن، والكل يعرف بأنه كلما كان هناك احتلال كانت المقاومة. يبدو أن البعض يستكثرون على الأشقاء الفلسطينيين الدفاع عن النفس، لذلك تراهم يقولون «إنهم يجرون على أنفسهم الويلات بصواريخ القسام غير المجدية أصلا». من السهل إصدار مثل هاته الاستنتاجات عندما تكون بعيدا عن الاحتلال ولا تعرف ما معنى أن ترى أبناءك يتضورون جوعا ولا يجدون ماء يشربونه ولا كهرباء ينيرون بها العتمة التي فرضها الصهاينة على حياتهم التي أحالوها إلى جحيم. لا يعرفون أنه في ظروف كهذه، الاستشهاد رحمة وعزة...
هؤلاء المهرولون الجدد لا يفهمون ما قاله مصطفى أتاتورك باني تركيا الحديثة من «أن أي أمة لا تستطيع أن تدافع عن حريتها فإنها لا تستحقها»، لذلك تجدهم يبحثون للصهاينة عن أعذار من قبيل أن حماس هي التي...كذا وكذا...لا يفهمون أنه مهما اختلفنا مع حماس في عدة أمور فإن وقت العتاب والنقد ليس الآن، فكل الفلسطينيين والعرب بحاجة إلى التعبئة لمواجهة الهمج وما عدا ذلك فهو تواطؤ مكشوف.
فهل يفهم المهرولون الجدد الرسالة؟
جريدةالمساء 12-01-09