لقد خصص المغرب، منذ الاستقلال، موارد ضخمة لتنمية النظام التربوي، إذ كانت حصة التعليم الأساسي والثانوي في العقد الأخير تناهز 20 في المئة من ميزانية الدولة، وبلغت نسبة وزارة التربية الوطنية حوالي 4.5 من الناتج الداخلي الخام.
إن تعميم التعليم الأساسي أمر ضروري، لكنه ما زال بعيد المنال. ولن تبلغ نسبة التمدرس في السلك الأساسي 70 في المئة كحد أقصى، إلا في سنة 2014. “لكن نسبة التمدرس بالمغرب تسجل تأخرا يعادل 20 في المئة بالطور الأول من التعليم الأساسي و10 في المئة بالطور الثاني الأساسي وبالسلك الثانوي، وذلك مقارنة بما هو عليه الحال في الدول النامية“.
أما نسبة الهدر فلا زالت مرتفعة خاصة في الأوساط الفقيرة، مؤدية إلى ارتفاع الكلفة الاجتماعية والاقتصادية للتعلم. وإلى انخفاض مردودية النظام التربوي. وهكذا من بين كل 100 طفل عمرهم 7 سنين، يدخل المدرسة 85، ويلتحق بالإعدادي 45، ويتم دراسة السلك الإعدادي 32، ويدخل السلك الثانوي 22، ويبلغ نهاية الثانوي 17، ويحصل على البكالوريا 10.
أما الفوارق بين الوسطين القروي والوسط الحضري، وبين الذكور والإناث فتبقى فظيعة، إذ من بين كل 100 طفل قروي عمره 7 سنين، يدخل المدرسة 60، ويلتحق بالإعدادي 41.
ومن بين كل 100 فتاة بشكل إجمالي في المدن والقرى عمرهن 7 سنين تدخل المدرسة 59، وتلتحق بالإعدادي 43، وتدخل الثانوي 17، وتحصل على البكالوريا 7.
أما بخصوص الجودة ومستوى التعليم، فإن المشاكل مطروحة بنفس الخطورة، نظرا للوضع العام الذي يوجد عليه التعليم، ولعدم تكيفه مع متطلبات الواقع.
إذ تفحص إنجازات النظام التعليمي ونوعية منتوجه يمكن من ملاحظة مدى تخلف النتائج المحصلة من الأهداف المعلنة، وجسامة الاختلالات المفرزة.مشكلة التعليم، منذ إعلان الاستقلال إلى اليوم، سياسية. ليس فقط لكون المغرب وجد نفسه بعد الاستقلال مطوق بنظام تعليم وضع له على أساس أنه مستعمرة فرنسية، أو لأنه وجد نفسه مضطرا لتوقيع اتفاقات التعاون الثقافي والاقتصادي والإداري والفني… بل إن مشكلة التعليم في المغرب تكمن في أن المستعمر لم يخرج إلا بعد أن كون نخبة متفرنسة فكرا ولغة بعيدة عن قيم حضارتها ودينها.
لقد اكتشف الشعب المغربي، في السنوات الأولى للاستقلال، أن الوجود والتجدر الاستعمار أصبح أقوى مما كان عليه على عهد الحماية، وأن حربا عشواء سرية صامة مخططة وجهت ضد مكونين أساسيين للشخصية المغربية هما اللغة العربية والشريعة الإسلامية، وذلك بانتهاج الازدواجية في اللغة في التعليم وسياسية رفع المعاملات لبعض المواد دون أخرى كمادة الفرنسية والفلسفة. الهدف من ذلك فرنسة الأجيال المغربية الصاعدة ابتداءا من رياض الأطفال حتى الجامعة وإفراغها من قيمها الدينية والأخلاقية ليسهل دمجها في إطار دولة فرنكوفونية علمانية منعزلة ومنفصلة تماما عن عالمها وحضارتها الإسلامية وتاريخية الممتد عبر أثنى عشر قرنا.
ولقد تظافرت جهود هذا التيار الفرنكوفوني العاتي المدعوم فرنسيا، مع التيار الإلحادي المدعوم شيوعيا خلال ربع قرن من الزمن(1960-1985) لتشكل تحالفا موضوعيا طبق خطة محكمة للإشراف على توجيه منهاج وبرنامج التعليم ومدارس التكوين المعلمين والأساتذة.