لاتحاد المغربي للشغل الجامعة الوطنية للتعليم بالرشيدية
تنظيم ندوة تكوينية حول:"العمل النقابي والسياسي: أية علاقة ؟"
في إطار التفعيل المستمر للممارسة النقابية في جميع أبعادها، وخاصة البعد التكويني لتجدير الوعي النقابي لدى الشغيلة... وذلك لما للمعرفة والتثقيف النقابيين من ارتباط عضوي وجدلي بالتنظيم والنضال، ومن دور في تطويرهما، وذلك موازاة مع متابعته اليومية لقضايا نساء التعليم ورجاله، نظم فرع الجامعة الوطنية للتعليم بالرشيدية يوم الأحد
20 يناير
2008، ندوة محورها:
"العمل النقابي والسياسي: أية علاقة؟"
شارك في تقديم أرضيتها الرفيقين مصطفى دابا ومحمد أولوة. وهي الأرضية التي أثارت نقاشا واسعا وتساؤلات عديدة من قبيل: لماذا هذا التشرذم في الحركة النقابية بالمغرب؟ وهل يعود ذلك إلى اختلاف في وضعية المأجورين؟، ما هي حصيلة العمل النقابي بالمغرب بعد أزيد من نصف قرن من تأسيس النقابة؟ وما مدى حدود استقلال العمل النقابي عن العمل السياسي؟ وأي مستقبل وآفاق للعمل النقابي في ظل العولمة؟ وما هي القيم التي يجب أن تصاحب العمل النقابي المستقبلي؟ إلخ...
هذا، وقد وقف الرفيق مصطفى دابا في مداخلته على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ومدى تأثرها سلبا أو إيجابا بما يجري في العالم من تدبير للاقتصاد والنفوذ في إطار علاقات دولية غير متوازنة. بحيث أنه ففي إطار تطبيق
المفاهيم الاقتصادية السائدة في دول الشمال من خوصصة وتحرير وتبادل حر وفتح للحدود على مصراعيها، وكذا باعتبار الاقتصاد الوطني ذي الطبيعة الهشة فإن كل ذلك يؤثر سلبا على الأوضاع الاجتماعية للمواطنين ويزيد من تفاقمها. وفي هذا السياق يأتي دور النقابات قصد الحد ولو جزئيا من سلبيات الآليات الجديدة لتدبير الاقتصاد والمقاولة.
إلا أن تعامل النقابات مع الأوضاع الاجتماعية لم يكن بشكل مجرد وكانت في أغلب الأحيان تتنازعها منطلقات متعددة وتضع أولويات يتضرر منها الأجير في سياق نضالاتها بارتباط مع ما يقع على مستوى الو ضع السياسي بالبلاد، وتطور وضعية الحقوق والحريات وكذا المؤسسات السياسية، بالإضافة إلى الخلفيات الفكرية والاديولوجية للنقابة المغربية في ظل علاقة غير واضحة مع السلطة... وهو ما حال دون بناء المؤسسة النقابية ذات الآليات القارة وذات القرار الديمقراطي. ناهيك عن الهيمنة الكاريزمية التاريخية على الفعل النقابي التي حالت دون وصول الحركة النقابية إلى مواكبة التطورات وإنتاج ثقافة نقابية جديدة قادرة على استيعاب اللحظة وعلى مواجهة التحديات وصيانة المكتسبات وصياغة توازن مجتمعي جديد.
وقد وقفت المداخلة كذلك على التطور النقابي في المغرب وما حصل في علاقته مع التطور السياسي مبرزتا الخصائص المميزة للنقابة المغربية مند عهد الحماية إلى الأن. مرورا بالسياق التاريخي لتأسيس النقابات والخلفية السياسية المتحكمة في التعدد النقابي والربط التعسفي بين ما هو حزبي وما هو نقابي... وهو ما يجعل الإبهام يسيطر على الفهم الصحيح والعلاقة الجدلية بين العمل النقابي والعمل السياسي...
أما عن مداخلة الرفيق محمد أولوة، فقد أكدت في البداية على أن المفهوم العصري للعمل النقابي يتضمن بطبيعة الحال الدفاع الحازم عن المصالح المادية والمعنوية للطبقة العاملة القريبة والبعيدة، ولكن كذلك العمل من أجل التنمية الديمقراطية وإصلاح وتغيير الهياكل الاقتصادية والاجتماعية والإدارية والسياسية السائدة. نظرا لكون هذه الإصلاحات والتغييرات تساعد على الاستجابة لمطالب المأجورين.
ومن هذا المنطلق حاولت مداخلته رصد العلاقة المتبادلة والمتفاعلة بين العمل السياسي من جهة وبين العمل النقابي من جهة أخرى، بحيث تم الوقوف في البداية على الفرق بين النقابة كإطار للنضال المطلبي والحزب كمجال للنضال السياسي، لأن ذلك من شانه تبيان ارتباط العمل النقابي بالسياسي بشكل صحيح، لأنه غالبا ما يفسر ذلك الارتباط بشكل يجعل من النقابة مجرد ملحقة تابعة للحزب أو لتنظيم سياسي معين ويرهن نضالات الطبقة العاملة بحساباته وتكتيكاته ...
فعن
الفرق بين الحزب والنقابة، أشارت المداخلة إلى أن لكل حزب سياسي مفاهيم فكرية ( إيديولوجية) وبرنامج سياسي وشعارات، تحدد النظام الاجتماعي الذي يناضل من أجله وتبين تصوراته عن المجتمع والقوى الأساسية المحركة لعملية التطور وموقفه من مختلف الطبقات الاجتماعية... وهذا ما يجعل التعددية السياسية تستند إلى أساس موضوعي، وهو تعدد المفاهيم الفكرية واختلاف الطبقات والفئات الاجتماعية. كما أن إيديولوجية الحزب وبرنامجه وشعاراته تلزم كل عضو كما يلزمه كذلك النظام الداخلي للحزب وقرارات القيادة الحزبية وتعليماتها.
أما في النقابة فإن قبول العمال فيها لا يقوم على أساس إيديولوجية أو برنامج وشعارات حزب معين. بل أنه ليس من المفيد وضع كل هذه الأمور كشرط للانتساب إلى النقابة. لأن المطلوب من العمال خاصة، هو الانضباط ضمن نظام نقابتهم الداخلي فقط ، وهذا طبيعي جدا ومعقول جدا لأن النقابة منظمة جماهيرية تجمع جماهير العمال من كل الاتجاهات السياسية ومختلف المفاهيم الفكرية والاجتماعية والانتماءات الحزبية في سبيل الدفاع عن مصالحهم وتحقيق مطالبهم المشتركة وحماية مكتسباتهم، وهذا من بين ما يجعل التعددية النقابية لا تقوم على أي أساس موضوعي، وإنما هي تعبير عن تأثيرات الإيديولوجية السياسية لطبقات الاجتماعية همها أن تبقى الطبقة العاملة تحت هيمنتها. كما أن هدف النقابة الأساسي المباشر واليومي هو النضال من أجل تلبية مطالب العمال والدفاع عن حقوقهم الآنية اليومية الفردية منها والجماعية، بعكس الأحزاب التي تضع العمل السياسي اليومي هدفا رئيسيا ومباشرا لها. وبالتالي يمكن القول أن للنقابة أهداف ووظيفة ومهمات لا يجوز الخلط بينها وبين أهداف ومهمات الحزب، وإلا فسوف لن يبقى أي مبرر لوجود النقابة عندما يتم المزج بين نطاق عمل التنظيمات الحزبية وبين ميدان نشاط الهيئات النقابية، أو توضع أهداف حزب معين وشعاراته السياسية أمام الحركة النقابية ويتم إخضاع هذه الأخيرة بشكل أو بآخر لمنطق الحسابات السياسية الحزبية، وهو الشيء الذي يؤدي لا محالة إلى إفراغ الممارسة النقابية من محتواها ويشل نشاطها ويضرب مبدأ استقلاليتها. بل إن من شأن هذا ضرب إحدى مكامن قوة النقابة وهي جماهيريتها. باعتبار أن النقابة يجب أن تجتمع أوسع وأكبر ما يمكن من جماهير العمال الذي قد يكونوا متأخرين سياسيا وحتى نقابيا، تلك الجماهير العمالية التي لا يمكن أن تنخرط في النقابة إلا من أجل الدفاع عن حقوقها الخاصة والآنية وتحقيق مطالبها اليومية الملموسة. ثم إنه كلما ضمت النقابة أعداد غفيرة من جماهير العمال، ازدادت فعاليتها وسهل تحقيق مهماتها، وبالتالي فإن الصفة الجماهيرية للنقابة ترفع من دورها وتجعلها قوة فعالة ومؤثرة في رفع مستوى العمل النقابي بل السياسي والإيديولوجي .
أما عن
العلاقة المتبادلة بين النضال المطلبي والنضال السياسي، فقد أكدت المداخلة على أن العمل من أجل مطالب العمال المباشرة الفردية منها والجماعية، لا يعني إغراق الحركة النقابية بالعمل الحرفي الضيق والمحدد أو تخليها عن أية إيديولوجية وعن أي نشاط سياسي، وإنشاء نقابة تحصر نضال العمال في النطاق الاقتصادي البحث، لأن ذلك من شانه ترك العمال فريسة لآراء تحريفية ولأفكار تضليلية لا تعكس طموحاتهم، بل تتناقض مع مصالحهم، وتبعدهم عن التفكير والاهتمام بالشؤون السياسية والأيديولوجية التي قد يدركون من خلالها أسباب الشقاء والاستغلال. وبالتالي وجب التأكيد على هو أن النضال من أجل مطالب العمال الاقتصادية والمعاشية والثقافية الفردية منها والجماعية لا يتعارض مع النضال السياسي والإيديولوجي، بل يكملها ويكرسها في الحياة اليومية والعملية. كما أنه إذا كان الانحراف السياسي يرهن دائما نضال الطبقة العاملة بالحسابات والتاكتيكيات السياسية الحزبية، فإن النقابية الضيقة من شأنها تحييد الطبقة العاملة عن مجريات الصراع وبالتالي فصل نضال العمال من أجل تحسين أوضاعهم عن مسلسل تحررهم العام.
وعليه فإن الترابط بين النضال المطلبي والنضال السياسي والتكامل بينهما يهدف كذلك إلى رفع مستوى الطبقة العاملة للاهتمام بالقضايا السياسية بشكل عام. هذا الاهتمام الذي لا يتحقق إلا من خلال النضال من أجل حقوق العمال ومطالبهم اليومية المعاشية والثقافية. أو بعبارة أخرى قد يكون من الخطأ التفكير أنه يمكن تعبئة الطبقة العاملة في النضال السياسي والإيديولوجي بشكل فعال بمعزل عن مطالبها وقضاياها الاقتصادية والمعاشية، إذ لا يمكن الدفاع عن الشعارات السياسية بدون ربطها بقضايا الطبقة العاملة اليومية والآنية. كما أنه لا يمكن كذلك الاكتفاء بالنضال من أجل مطالب العمال الاقتصادية وإهمال النضالات السياسية والإيديولوجية، إذ لا يمكن الدفاع عن الشعارات الاقتصادية والمطلبية للطبقة العاملة بطريقة علمية وصحيحة بدون ربطها وتحليلها نظريا وسياسيا، باعتبار أن كل حركة مطلبية تهدف تحسين أوضاع المأجورين هي ذات مضمون سياسي... وبالتالي فإن النضال من أجل مطالب العمال اليومية والمباشرة هو هدف ووسيلة في آن واحد. هدف لرفع مستوى حياة العمال المعاشية وتحسين ظروف عملهم وشروطه، ووسيلة لربط العامل بنقابته والرفع من وعيه ومن التزامه التنظيمي، وهذا كله يؤهل العمال للمساهمة بنشاط أكثر في النضال من أجل الأهداف السياسية، وللمساهمة في المعارك الطبقية الحاسمة من أجل التقدم والتحرر من الاستغلال والقهر الطبقيي