تروي كتب الأدب أن أبا الفرج الجياني وهو شاعر أندلسي، كان من الشعراء الملتزمين، وهو يسير في إحدى الليالي بشارع من شوارع مدينة من مدن الأندلس، وإذ بفتاة بارعة الجمال تطل من نافذة بيتها، وأرادت فتنته، وهو إنسان لا يمكنه أن ينكر مشاعر يتحد فيها مع أبناء جنسه، لكنه عاش صراع الأتقياء مع الشهوات فمرة يصبو إلى وسوسة الشيطان وأخرى يتمسك بعرى الالتزام، وكانت النهاية أنه ملّك أمر شهوته، لعقله ولرشده، وإليكم كلماته التي تحكي قصته: ( من بحر الوافر )
وطائعة الوصال عففت عنها
وما الشيطان فيها بالمطاع
بدت في الليل سافرة فباتت
دياجي الليل سافرة القناع[1]
وما من لحظة إلا وفيها
إلى فتن القلوب لها دواعي
فملكت النهى جمحات شوقي[2]
لأجري بالعفاف على طباعي
وبت بها مبيت السقب يظما[3]
فيمنعه الكعام من الرضاع[4]
كذاك الروض ليس به لمثلي
سوى نظر وشم من متاع
ولست من السوائم مهملات
فاتخذ الرياض من المراعي
[1] - دياجي الليل: سواد الليل وظلمته.
[2] - جمحات قلبي: هواه ، وشهواته.
[3] - السقب: ولد النقة ساعة تضعه إن كان ذكرا.
4- الكعام: شيء يوضع في فم السقب فيمنعه من الرضاعة.