أي اتحاد يريده الاتحاديون
قرر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي عبد الواحد الراضي الخروج من وزارة العدل والتفرغ لإعادة بناء الحزب الذي تهدمت الكثير من أسواره بعد أن فشل مشروع الانتقال الديمقراطي الذي قاده الحزب سنة 98 بعد دعوة القصر لعبد الرحمان اليوسفي إلى قيادة الحكومة والإشراف على مشاريع الإصلاح الضرورية لتقريب البلاد من المنهجية الديمقراطية. هذا المشروع فشل بسبب وفاة الملك الراحل الذي كان محتاجا إلى «دماء جديدة» يضخها في نظامه، الذي تصلبت شرايينه بفعل 37 سنة من الحكم الفردي وبفعل 10 سنوات من التغيرات الدولية التي حملها عقد التسعينات من القرن الماضي، وأصبحت آنذاك الديمقراطية والانفتاح السياسي أولويات على الأجندة الدولية. بعد وفاة الحسن الثاني الذي عايش هذه الظروف، جاء ابنه الشاب محمد السادس إلى العرش بصفحة بيضاء، لا إرث شخصي وراءها سوى إرث النظام الذي يتحمل مسؤولية قيادته.
ولهذا تحول الملك الشاب بعد مدة قليلة إلى «قاطرة» للإصلاحات ذات الطابع الاجتماعي، مؤجِّلا الإصلاحات السياسية والدستورية، وبدا للمغاربة، وخاصة البسطاء منهم، أن الملك متقدم جدا على حكومته التي يقودها الشيخ اليوسفي الذي وجد نفسه بعد حوالي سنتين من وجوده في الحكومة مطالبا بعدم «مزاحمة» الملك الجديد الذي يرسي أسس حكمه، ومضطرا إلى غض بصره عن محاولات عدة جرت لقضم سلطته تحت مبرر الخوف من الرجوع إلى «زمن القطيعة» بين القصر والاتحاد. لكن أمل اليوسفي كان معلقا على ولاية ثانية يستطيع من خلالها الرجوع إلى أجندة «الانتقال الديمقراطي»، خاصة وأن هناك ملكا جديدا يريد أن يربط عربة حكمه بقاطرة الشرعية الديمقراطية وليس بشرعية تقليدية ترجع إلى التاريخ أو الدين أو السلالة...
خاب ظن اليوسفي بعد تعيين إدريس جطو وزيرا أول رغم أن الاتحاد فاز بالمرتبة الأولى في انتخابات 2002، ولم يُعط حق تشكيل الحكومة لأن القصر ليس مستعدا بعد لتثبيت عرف دستوري يقضي بتعيين الوزير الأول من الحزب الفائز بالمرتبة الأولى في الانتخابات، حتى وإن كان لا يحظى بالأغلبية... حسابات السلطة غلبت حسابات التحديث والديمقراطية، وتم تكييف هذا المنحى بشعار يقول إن «الملك سيقود تحديث البلاد من فوق، وإن اتساع سلطاته ضروري في هذه المرحلة لأن الأحزاب ضعيفة ولأن خطر التطرف الديني يهدد استقرار البلد...».
مبادرة الراضي بالخروج من الحكومة من أجل إعادة تقوية الحزب، مبادرة إيجابية وفي الاتجاه الصحيح، لكن بقاء الحزب في حكومة عباس الفاسي «غير المعنية» إطلاقا بمشروع «الانتقال الديمقراطي» والإصلاحات الهيكلية التي من شأن تطبيقها وضع النظام على أسس حديثة.. بقاء الحزب ضمن هذه الحكومة وبتمثيلية ضعيفة لن يساعد الراضي مطلقا على إعادة بناء حزب يحمل شعار «دمقرطة الدولة والمجتمع»، لأن إعادة البناء هذه ليست إشكالية تقنية ولا تنظيمية، إنها في العمق إشكالية سياسية تتصل بالحفاظ على هوية الحزب الذي كان يرفض على الدوام المشاركة في حكومات صورية، وكان يدافع عن الفصل بين السلط وتوازنها، وعن مسؤولية الحكومة أمام البرلمان عن نظافة الانتخابات ودمقرطة وسائل الإعلام وتشجيع اقتصاد الإنتاج ومحاربة اقتصاد الريع وإنهاء نظام الامتيازات وحماية حقوق الإنسان واستقلال القضاء... كل هذه الأوراش مازالت مفتوحة اليوم، والتقدم الحاصل في بعض قطاعاتها غير محصن من التراجع.
الحزب اليوم ضعيف ولا يقدر على فرض أجندة الإصلاح كما يتصورها، فهل يبقى في الحكومة أم يخرج منها؟ إذا بقي في الحكومة ستضعف قاعدته الاجتماعية أكثر، وإذا خرج إلى المعارضة فهو يخاف من عدم العودة، ومن ضعف تأثيره في القرار. لكل اختيار ضريبة، لكن على الاتحاديين أن يحسموا.. هل يريدون حزبا قويا ببرنامجه وقاعدته الاجتماعية وفكره وتوجهه الديمقراطي، أم يريدون حزبا مشاركا على الدوام في الحكومة، قريبا من مراكز القرار حتى وإن ضعف على أرض الواقع كما هي أحزاب اليمين الإداري.