037 متعة التعلّم
فُقِدَت أو كادت في جُلِّ أطوار التعليم و تَمَّ إغفال جانبها في بناء جلّ المناهج و المقرّرات، و ذاب مذاقها عند التلميذ و الأستاذ في الغالب الأعمّ، كما أصبح التعلمّ أو طلب العلم كهدف في حدّ ذاته ضرْباً من الخيال أو التصوّر النظري البعيد عن الواقعية و كحكاية من الأزمنة الغابرة.
حبّ الاستكشاف و التعرّف على الجديد فطرة إنسانية طبيعية تبدأ مع سنوات الطفولة الأولى، و المفروض أن تتمّ متابعتها في التعليم بخلق جوّ متعة التعلمّ و تيسير نموّها و تمكين المتمدرس من تذوّقها.
لكنّ الواقع الحاضر في غالبه جعل الدراسة ثقلا كبيرا على كاهل التلميذ بفعل كثرة المواد و طول المقرّرات و كثرة الفروض و الامتحانات و جوّ التنافس الشرس الذي لا يرحم في النتائج النهائية و غير المتكافئ بفعل الغش بجميع أنواعه و أشكاله، و ظروف التعلم المحيطة من اكتظاظ و شغب و قلة مبالاة و مشوّشات كثيرة متنوعة، كلها جعلت متعة التعلم تضمحل و تذبل و تنمحي بشكل شبه تامّ.
و يبقى المقرّر الدراسي في شكله و مضمونه و توجيهات تدريسه و كذا نمطية الامتحانات الإشهادية، من أكبر أسباب اضمحلال متعة التعلم من أساسها، فأصبح التدريس يقترن بالتلقين و أصبح التلاميذ ليس لهم علم و إنما مزودين بمعلومات و لا يفكرون و إنما يطبّقون و لا يحلّلون أو يستنبطون و إنما يعيدون في أحسن الأحوال ما أُعطيَ لهم دون ذنب لهم و لا لقلة كفاءة عندهم لكن لفلسفة التكوين التي خضعوا لها، فكيف سيجدون متعة و مذاقا في التعلم، إلا ما ارتبط بمصلحةٍ بعدية كحصول على نقط جيدة أو نجاح في امتحان أو ما شابه ذلك.
إن البحث العلمي الذي هو من أسس تقدم الأمة و من معالم حضارتها، ينطلق من شغف التعلم و حب البحث و حب العلم في حد ذاته، و الذي يجب أن تبدأ معالمه في الدراسة الأولى، و مبدأ طلب العلم من أجل العلم أصبح أيضا في حكم المنقرض من المعاني و الصّفات بفعل مكاره البطالة و سوق الشغل و تنافس الأدوار و تقلّب موازين النجاح في المجتمع.
إنّ متعة التعلّم توازي متعة التدريس التي تحدّثنا عنها في مقال سابق، و من استطاع إرشاد تلامذته لتذوقها و محاولة استشرافها و لو في مقاطع من الدرس أو الحصة أو المادة أو الدراسة عموما فقد أسدى لهم خدمة كبيرة و أحدث فارقا مفصليا في نظرتهم لمحيطهم الدراسي و فلسفتهم للدراسة بشكل كامل
قد يستجلب الممارس المتعة لتلامذته في أشكال مختلفة، لكن ما نقصده هنا هو متعة التعلم في حد ذاته بشكل صِرْف خالص، و قد يكون حبه لمادته و كذا متعته في تدريسه عاملان مساعدان لفتح هذا البُعد في ممارسة التعلم لدى التلاميذ رغم كل ما أسلفنا من معيقات و مثبّطات فالتوفيق في ذلك مهم و مفيد و له نتائج مجربة ناجعة.