042 التركيز
مَلَكةُ المحترفين و الحكماء الكيّسين، و أدب في التحاور الراقي، يساعد على الفهم و الاستيعاب و تنظيم الأفكار و المعلومات و ترتيب المفاهيم و المعارف و حُسْن توظيفها في الوقت و المكان المناسب في يُسْرٍ و سرعة، يتيح الغوص في أجواء الدراسة أو الحصة أو المراجعة و تنقية و تصفية الذهن من كل المشوّشات الأخرى الخارجية كيفما كان نوعها، عامل محوري في سلاسة الحفظ و تقوية الذاكرة و استحضار ما يلزم وقت ما يلزم، و يزيد من سرعة البديهة و قوة الملاحظة. ينمّي تطبيقه الصحيح الصفاء و الهدوء النفسي ويقلّل من الشعور بالقلق و إ**** التوتر و الاكتئاب.
*** بالنسبة للممارسين للتدريس هو أحد أعمدة تملّك صنعة التدريس و الكفاءة في ممارستها، و هو ضروري لمعايشة أجواء الحصة الدراسية و مجرياتها و التحكم في أحداثها و إدارتها بالشكل السليم و ربح الوقت في تسلسل المقرّر و مواكبته. كما أنه يساهم في التفاعل الإيجابي مع كل الإشكالات الطارئة أثناءها و كل تساؤلات التلاميذ التلقائية الواردة دون توقّع.
يصبح ملكةً دون تكلّف أو تصنّع مع توالي السنوات و مع استحضار أهميته و ضرورته، فتنتفي عن المُحَيّا و عن الذهن و عن المزاج بشكل تدريجي و بنسب متفاوتة عوارض المشاكل و المشاغل و المتاعب و حتى الأفراح بمجرد الشروع في الحصة و البدء فيها، فالمحترف يعيش أجواء الحصة كما لو أنها حياته اللحظية و يتجلى هذا جيدا كمثال في العرض المسرحي و عند الممثل المحترف.
عملية تصحيح الأوراق و إنجاز الفروض و حراستها و إعداد الدروس و ما يتعلق بها كلها تتطلب تركيزا لازما مفروضا بطبيعتها و نوعيتها و كلما كان هذا التركيز متوازنا و سليما كلما ساعد على إنجازها بشكل أفضل و في ظروف أفضل.
*** بالنسبة للمتعلّمين فهو قاطرة نجاح و تفوق و وسيلة تحصيل و إعداد جيد و رزين، فإلى جانب ما أوضحناه في بداية المقال يُعدّ التركيز المتوازن ملكةً لا محيد عن إجادتها و التمكن منها للدراسة الناجحة و للتغلب على كثير من المعيقات الأخرى خاصة منها الحفظ أو الفهم أو استحضار الخاصيات أو المعلومات وتوظيفها أو التفاعل مع المستجدات أو تتبّع مجريات الحصة الدراسية و التفاعل معها.
عند اقتراب الامتحان الإشهادي تجتمع على التلاميذ مواد و دروس كثيرة تغطي واحدة على الأخرى و تُنسي واحدة الأخرى فيقع التوتر و القلق و الاضطراب، و يكون التركيز كملكة حاضرة من بداية السنة و خلال هذه الفترة الحرجة وقاية ناجعة من كل ذلك و يكون له فعالية كبيرة في التغلب على كل تلك المشاكل.
إنّ الاستعمال المفرط و الارتباط غير الموزون بوسائل الاتصال و بالشبكة العنكبوتية و ما يدور فيها و في فلكها و كل الأنشطة المرتبطة بها أو بغيرها هي ضياع للتركيز و شغْل للبال و للذهن لا تستقيم معه دراسة و استيعاب سليمين خاصة عندما يتم استعمالها أو الارتباط بها خلال الحصة الدراسية أو أثناء المراجعة، فالخلط بين أمرين متباينين في وقت واحد لا يجعلهما يستقران بشكل جيد متين فيغلب ما تشتهيه النفس و تميل إليه و يبعد جانب الدراسة و لا يبقى مجال لاستيعاب و لا فهم دقيق و لا استقرار للمعارف و تنظيم لحيّزها. كما أنّ الإدمان عليها لساعات و ساعات يضيّع على المتعلّم حتى وقت استراحته الفكرية و الجسدية و جهد تركيزه العقلي الذي يستهلكه فيها فلا يجد متّسعا لغيرها.
خلال فترات الاعتكاف و الاستعداد للامتحانات الإشهادية يجب إفراغ الذهن و العقل من كل ما يفقد التركيز و يشغل الفكر حتى من الأنشطة الرياضية و الثقافية و الهوايات الأخرى و الارتباطات في العلاقات البينية و المشاكل و الأحداث العائلية لأن كما أسلفنا القول فالوعاء لا يشغله و يملؤه شيئان متباينان متباعدان فكل زيادة في نسبة أحدهما هي نقصان في نسبة الأخرى، و الوعاء المقصود هنا كمثال هو وعاء العقل أو الذهن أو الذاكرة.
***إن التشتت الحاصل للكثيرين في حياتهم و تواصلهم و علاقاتهم و فعالية عملهم و جودة منتوجهم من أهم مسبباته عدم الاهتمام بالتركيز كملكة مكتسبة يمكن تنميتها و توظيفها بشكل معتدل بعيد عن الإفراط و التفريط، تجعل توحيد الجهد و الانتباه في الشيء الواحد الذي له الأولوية مما ييسر النجاح فيه و في التفاعل معه كيفما كان نوعه أو كانت طبيعته، و هذا محور المقال و هدفه و الله الموفّق.