تلاميذ فرحون بالذهاب إلى الفصل وخادمات يعانين حمل المحفظات الثقيلة
09:45 | 14.10.2008الدارالبيضاء: فتيحة بجاج | المغربية في الوقت الذي حمل فيه معظم الأطفال بأحياء عدة من مدينة الدارالبيضاء محافظهم للذهاب إلى المدرسة بهدف التعلم والتحصيل.
هناك نسبة مهمة من أقرانهم لم تسمح لهم ظروف العيش القاسية، والوضعية الاجتماعية لأسرهم، جراء معاناتهم مع الفقر والحاجة، للتمتع بأحد الحقوق الأساسية، ألا وهو التمدرس وقضاء جزء من السنة في التكوين والتربية، لأنهم وجدوا أنفسهم مضطرين للعمل، ومساعدة الأسرة المعوزة في الاستجابة إلى متطلبات الحياة اليومية، من مأكل وملبس وأداء فواتير الماء والكهرباء، وأحيانا الدواء.
من خلال جولة لـ "المغربية" في بعض الأحياء بالمدينة الكبيرة، لوحظ أن هناك فئتين من الأطفال، الأولى المحظوظة، التي دعمها مستوى عيش الأسرة الميسورة والمتوفرة على كل وسائل العيش الرغيد، فتأتى لها الذهاب إلى أرقى المدارس، وارتداء أغلى الملابس، بل واقتناء أحسن وسائل النقل، علما أن معظمهم يتوفر على سائق خاص، أو يستقل وسائل نقل خاصة توصلهم إلى المؤسسات التعليمية، التي يدرسون بها في الأوقات المطلوبة، كما هو الحال بالنسبة لمرتدي مؤسسة "ليوطي" وسط مدينة الدارالبيضاء، حيث تتوالى الحافلات محملة بحشود التلاميذ، يجلسون كل في مقعده دون عناء أو تفكير في صخب الطريق ومشاكل النقل والتنقل بين المدرسة والمنزل، لأنها تحملهم حتى باب المؤسسة وتنقلهم منها إلى مقرات سكناهم في الأوقات المحددة. أمام هؤلاء التلاميذ وغيرهم ممن سنحت لهم ظروف عيش ذويهم الميسورة، نظرا لما يتوفرون عليه من إمكانيات مادية سخية، التمتع بسبل الحياة، هناك فئة من الأطفال، الذين شاء قدرهم، وقلة موارد عيش أبائهم، أن يشتغلوا، بالإضافة إلى أعمال المنزل اليومية، من كنس وغسيل وتنظيف والخروج يوميا لمرات عدة لجلب حاجيات البيت اليومية، سواء لدى بقال الحي، أو لدى الخضار أو الجزار، يرافقون أبناء الأسر التي يشتغلون لديها، ذهابا وإيابا إلى المدرسة، وهم يحملون محافظهم الثقيلة، التي من شدة ما تحمله من أدوات وكتب، انحنى ظهرهم، ناهيك عن الإحساس بالتعب الشديد.
وعبر بعض المواطنين عن أسفهم لما يشاهدونه من سيناريوهات لبعض الأطفال يشتغلون حمالون لدى أطفال آخرين، يضطرون إلى ملاحقتهم كما يلاحق الكلب صاحبه، بل أكثر من ذلك تراهم مثقلون، لدرجة أن خطواتهم تتعثر، في حين يمضي الطفل التلميذ، الذي يرافقونه، وهو يلهو وينط، لشدة نشاطه وحيويته، لأنه غالبا ما يكون قد أمضى ليلته مرتاحا على سرير ناعم، وفتح عينيه على فطور شهي ولذيذ، يتوفر على كل ما يحتاجه الجسم من فتامينات وسعرات حرارية، عكس الطفلة الخادمة، حمالة المحفظة، التي يغلب عليها النوم، لأنها، في معظم الأوقات، تكون في حاجة إلى نوم كاف، لأنها لا تخلد إلى النوم إلا في ساعات متأخرة من الليل، نظرا لكثرة الأشغال المنزلية. وعادة ما يكون نومها فوق سرير بال منزو في ركن من أركان المطبخ، وهي أول من يستفيق، لإعداد وجبة الفطور ومساعدة الأطفال في ارتداء ملابسهم وجمع أدواتهم وكتبهم المدرسية، ومرافقتهم إلى المدرسة، وحمل محفظاتهم.
قالت امرأة كانت ترافق صغيرتها إلى مدرسة عمومية بشارع الزرقطوني، إنها كثيرا ما تقارن ما تراه، بين طفل تلميذ يجري وينط، وطفلة وراءه تحمل "أوزاره" والتعب باد عليها وكأنها تحمل هموم الدنيا كلها، نتيجة ثقل المحفظة، وكثرة ما تنجزه من أشغال يومية.
ليس حظ هؤلاء الطفلات الخادمات، اللواتي لم تحالفهم الظروف الاجتماعية والاقتصادية، المعوزة، لعائلاتهم للذهاب إلى المدرسة، لقضاء يومها في العمل لدى عائلات أخرى، نادرا ما تراعي فيهم طفولتهم وحرمانهم من أشياء عدة، أهمها التمدرس، أقل من حظ أولئك الأطفال الذين يعملون في ورشات مختلفة، بما فيها النجارة والميكانيك والحدادة، وغيرها من المهن، إذ يقضون يومهم منكبين على إنجاز ما عليهم من عمل، دون القدرة على السهو أو اللعب ولو لبرهة قصيرة، لأن رب العمل لا يتوانى في معاقبتهم، بطرق شتى، بما فيها الضرب المبرح، علما أن العمل الشاق، الذي يزاولونه يعتبر كبيرا جدا مقارنة مع الدراهم المعدودة التي يتقاضونها، حسب ما صرح به بعضهم لـ "المغربية"، إذ ذكر أحدهم أنه يتوصل بمبلغ 500 درهم كل نصف الشهر، في حين يقضي ساعات طوال قد تتجاوز العشر ساعات يوميا في العمل المضني.
ويرى ملاحظون، أنه رغم توالي النداءات على أكثر من صعيد من أجل المطالبة بمناهضة تشغيل الأطفال وتمتيعهم بالحق في التمدرس، على اعتبار أنه من المطالب الأساسية لبناء مجتمع صالح ومتميز ينعم بالتنمية الحقيقية، وأن استثمار أطفال اليوم على أحسن وجه يساهم في بناء اقتصاد الوطن القوي مستقبلا، ما زال تشغيل الأطفال ممارسة مستمرة، بل باتت واقعا مؤلما يقلق العالم كله، خصوصا مع استمرار تنامي الظاهرة، وعدم تفعيل استراتجيات فعالة للقضاء على الآفة، التي تزيد من حدة وضع يصفه مهتمون بالمأساوي.
وذكر الملاحظون أنفسهم، أن استمرار تشغيل الأطفال أمر يتناقض مع مبدأ تكريس حقوق الإنسان، بصفة عامة، وحقوق الطفل بصفة خاصة، نظرا لما له من انعكاسات سلبية ووخيمة، تساهم بشكل كبير في تفاقم هذه المعضلة الإنسانية.
وحسب دراسات و معطيات ميدانية، أنجزها مختصون في مجال تشغيل الأطفال، تعتبر ظاهرة تشغيل العمالة البريئة إحدى المعيقات، التي تقف في طريق التنمية الحقيقية، يجب البحث عن السبل الناجعة لمحاربتها، والوقوف عند الحلول والمقترحات العملية لفك إشكالياتها، ولو بشكل تدريجي، سعيا وراء تطويقها والقضاء عليها بصفة نهائية في المستقبل.
وأشارت الدراسات نفسها إلى ضرورة الإحاطة ببعض جوانب مشكل تشغيل الأطفال، بدءا من واقع عالم التشغيل، وميادين الشغل في العالم، التي تزداد تفاقما يوما عن يوم، خصوصا مع سيادة التوجه التجاري، الذي لا يرى إلا الجانب المادي ويطغى عليه الجشع والاحتكار من دون مراعاة صغر السن المشغل وحالته الصحية وضعفه الجسدي، بالمقارنة مع ما عليه من واجبات أثناء عمله اليومي في الورشة التي يشتغل بها.
وأكد فاعل جمعوي ينشط في مجال حقوق الأطفال، أن تشغيل الأطفال بطرق غير إنسانية لا يختلف كثيرا، سواء تعلق الأمر بالمزارع أو الحقول أو المصانع أو غيرها، لأن اعتماد أصحاب المصانع الصغيرة، أو ما يصطلح على تسميته بالورشات، أو في المزارع والحقول، على الأطفال، أصبح يشكل امتدادا للاستغلال البشري بأبشع صوره. فعلى مستوى المعامل وورشات العمل، يدويا كان أم باعتماد الآلة، فإن أرباب المصانع والورشات يميلون كثيرا إلى تشغيل العمالة البريئة على العمالة البالغة والواعية، لأن هذه الأخيرة تطالب بحقوقها كل فترة وحين وتعرف مدى حقوقها وواجباتها وغالبا ما تلتزم بحدود المعقول لا ضرر ولا ضرار، على عكس العمال الأطفال، الذين لا يجرؤون على المطالبة بأدنى الحقوق. من هذا المنطلق، واعتبارا أن المشغل، هو من يملك زمام الأمور، فإنه رغم تدخل الهيئات المعنية، رسمية كانت أو غير رسمية، فإن ظاهرة تشغيل الأطفال ستظل قائمة، خصوصا إذا ما لم تبذل جهودا فعلية وديناميكية للقضاء عليها بشكل نهائي.
وأكد المصدر نفسه، أنه عند محاولة دراسة ظاهرة تشغيل الأطفال، يجب ربطها بعناصر أخرى، ذات تأثير على سوق العمل والتشغيل، بل أكثر من ذلك لها انعكاسات على عجلة النمو الاقتصادي العالمي، بما فيها مدونة الشغل وارتباطها بحقوق الطفل، مشيرا إلى أهمية الحرص على حماية الطفل منذ ولادته وطيلة مرحلة طفولته، مع العمل على تمتيعه بكل حقوقه الإنسانية كاملة غير منقوصة، ومعها الامتيازات الأخرى. كما ذكر المصدر ذاته، بأهمية دور الآباء وأولياء الأمر، الذين عليهم تحمل مسؤولية تربية وتعليم أبنائهم، وحمايتهم ضد أي نوع من الاستغلال.
العدد : 7209 - الأربعاء 15 أكتوبر 2008