الكونفدرالية الديمقراطية للشغل في مواجهة عاصفة تمرد برلمانييها الأموي يرد بطرد المستشارين الذين تمردوا على قراره بالانسحاب من البرلمان
يبدو أن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل دخلت مرحلة جديدة من الانشقاقات تنذر بتمزيق أوصالها والقضاء على ما تبقى من قوتها في المشهد السياسي والنقابي. فما تخوف منه البعض من أن يؤدي قرار الأموي بالانسحاب من البرلمان في أبريل الماضي إلى تمزيق وحدة الكونفدرالية وإضعاف قوتها حدث بالفعل بعد تمرد 6 مستشارين وعودتهم للبرلمان، لكن رد الأموي لم يتأخر كثيرا وجاء بعد أقل من 24 ساعة على تمرد مستشاريه بطردهم من الكونفدرالية وتجريدهم من كل المسؤوليات النقابية، قرار ستكون له حسب العديد من المراقبين انعكاسات خطيرة على تماسك المركزية النقابية وعلى زعامة الأموي شخصيا.
محمد الر****ي
كان واضحا، وحسب مصادر من داخل الكونفدرالية، أن قرار الأموي بالانسحاب من البرلمان في أبريل الماضي سيكون له ما بعده على تماسك الكونفدرالية، وعلى قدرة الأموي على الإمساك بخيوط اللعبة داخل مركزيته.
الأموي، ولكي لا يظهر في الواجهة، حاول تمرير قرار الانسحاب من الغرفة الثانية عبر المجلس الوطني لإعطاء قراره نوعا من الشرعية في مواجهة الغاضبين من قراره. مصادر من داخل المركزية النقابية أوضحت منذ بداية الأزمة أن قرار الانسحاب فرض فرضا على البرلمانيين، وأن تمريره من داخل المجلس الوطني لم يكن إلا شكليا، فالأموي كان يريد استعمال هذه الورقة لمواجهة حكومة عباس الفاسي، والضغط عليها لاستعادة نوع من التوازن في موازين القوى المختلة أصلا بسبب الضعف الذي أصاب مركزيته النقابية خلال العقد الأخير، وخاصة منذ طلاق الإخوة الأعداء على إثر تداعيات الانشقاق الذي عرفه الاتحاد الاشتراكي سنة 2001.
ويجمع العديد من المراقبين المتتبعين للشأن النقابي على أن خروج الأموي ورفاقه من الاتحاد الاشتراكي، والانقسام الذي عرفته الكونفدرالية، أفقد هذه الأخيرة قوتها وسيطرتها شبه المطلقة على المشهد النقابي، لدرجة أن البعض وصفه بالخطأ الاستراتيجي الذي كلف الكونفدرالية والطبقة الشغيلة الكثير، وأخل بميزان القوى لصالح الحكومة و”الباطرونا”.
فسرعان ما بدأت تعرف العديد من الاتحادات المحلية نوعا من العجز في تدبير شؤونها، وتأطير مناضليها، بل إن المركزية أصبحت في الكثير من الأحيان عاجزة عن المحافظة على تواجدها في العديد من القطاعات والمرافق، والتي اعتبرت دائما معاقل تاريخية للكونفدرالية كقطاع التعليم والفوسفاط، والقطاع العمومي عموما.
بعض الأطراف داخل المركزية النقابية اعتبرت ما يحدث داخل الكونفدرالية وتراجع نفوذها داخل الساحة النقابية والسياسية تعبيرا صارخا عن عجز المكتب التنفيذي والأموي شخصيا عن مواكبة التحولات التي يشهدها المشهد النقابي، لكن الأخطر من ذلك حسب نفس المصادر هو التدبير البيروقراطي الذي أصاب المركزية بالشلل، وجعل بعض الأسماء المحسوبة على رؤوس الأصابع والمحيطة بالأموي تقوم بتدبير أمور الكونفدرالية بشكل انفرادي وبعيدا عن حقائق الواقع النقابي.
بل إن المكتب التنفيذي أصبح عاجزا عن حل مشاكل المركزية، وإيجاد توافقات تحافظ على ما تبقى من قوة ووحدة الكونفدرالية، وهو ما كان واضحا في أزمة التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية التي أدت إلى انشقاقات وأزمات متتالية داخل المركزية جعلت هذه الأخيرة تفقد العديد من مناضليها، الذين طالما كانوا قوتها في العديد من القطاعات، فالأموي أمام توالي أزمات نقابته وتدهور صحته فضل الانزواء في مزرعته بابن احمد وترك لنائبه عبد القادر الزاير أمور تدبير القضايا اليومية للنقابة.
ويبدو أن افتقاد هذا الأخير للكاريزمية التي شكلتها شخصية نوبير الأموي على مدى العقود الماضية، والتي كانت صمام أمان أمام العواصف التي واجهتها الكونفدرالية، زاد من تعميق أزمة هذه الأخيرة، قبل أن يعود الأموي للواجهة عبر قرار الانسحاب من البرلمان.
الأموي اعتبر قراره في أبريل الماضي تمردا على واقع سياسي واجتماعي لم يعد من الممكن السكوت عنه، ومادام البرلمان أصبح عاجزا عن التأثير في القرار السياسي فليس هناك من مبرر لبقاء برلماني الكونفدرالية داخل مجلس مشلول.
لكن ما لم يقله الأموي تكفل بعض المستشارين المنسحبين بالإفصاح عنه، ما جعل قرار الأموي يعمق من أزمته الداخلية عوض إنقاذ ما تبقى من تأثير وقوة الكونفدرالية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأموي في مواجهة عاصفة التمرد على قرار الانسحاب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قرار الأموي بالانسحاب من البرلمان سرعان ما بدأ يشكل أزمة داخلية للكونفدرالية ولزعامة الأموي، فبعض المنسحبين لم يترددوا في وصف ما جرى بالخطأ الاستراتيجي. ومع اقتراب موعد افتتاح البرلمان في دورته الخريفية بدأ يزداد حرج المنسحبين، خصوصا بعدما كشفت بعض المصادر أن نواب الكونفدرالية استمروا في تقاضي أجورهم من البرلمان بعد انسحابهم.
الأموي، وفي محاولة أخيرة منه بعد تزايد إحساسه باحتمال تمرد أغلبية مستشاريه على قراره، وجه نداء عبر وسائل الإعلام صبيحة انعقاد جلسة البرلمان يوم الجمعة الماضي، معتبرا أن قرار الانسحاب كان سياسيا، وأن دواعيه لازالت قائمة، مطالبا المعنيين بالانضباط لقرار المركزية ولمجلسها الوطني. وكان المكتب التنفيذي قد فشل في عقد اجتماعه الأسبوعي الماضي بعدما تبين أن الأسماء الراغبة في العودة للبرلمان من العيار الثقيل وتسيطر على بعض الاتحادات المحلية وقطاعات لازالت تشكل بعض قوة المركزية مثل المالية كمحمد دعيدعة الكاتب العام لنقابة المالية والرماح الكاتب المحلي للاتحاد المحلي بفاس وعضو المكتب التنفيذي.
محاولة الأموي لثني مستشاريه عن العودة للبرلمان وحضور جلسة الافتتاح ربما في انتظار صفقة تحفظ ماء وجه المركزية باءت بالفشل، ووضعت الأموي وقيادته التاريخية أمام الأمر الواقع. خصوصا بعدما تأكد أن 6 نواب من أصل 9 سيحضرون أشغال البرلمان.
بعض المصادر اعتبرت ما حدث صبيحة يوم الجمعة بمثابة زلزال داخل الكونفدرالية، وكان عبد المالك افرياط قد حاول استباق الأحداث، وأي قرار يمكن أن يتخذه الأموي ومكتبه التنفيذي، وأعلن في رسالة موجهة للمكتب التنفيذي انسحابه من الكونفدرالية. بل إن افرياط لم يكتف بذلك، حيث شن هجوما لاذعا على قيادات داخل المكتب التنفيذي متهما إياها بارتكاب خروقات مالية وتنظيمية، وهو ما اعتبر رسالة موجهة للأموي ونائبه عبد القادر الزاير.
الرماح، الكاتب العام للاتحاد المحلي بفاس وعضو المكتب التنفيذي، رفع ورقة التمرد في وجه الأموي عبر قرار استصدره من فرعه بفاس بالعودة للبرلمان للدفاع عن حقوق العمال والموظفين. وأمام هذا الوضع المتأزم لم يجد الأموي من علاج لأزمة المركزية ولتمرد برلمانييها إلا الكي، وأعلن في قرار طارئ يوم الأحد الماضي عن طرد أربعة من نوابه وتجريدهم من كل المسؤوليات النقابية. وهو قرار اعتبرته بعض المصادر داخل الكونفدرالية خطيراً وسيزيد من تعميق أزمتها عوض حلها، بل إنه سيؤدي إلى مزيد من تقطيع أوصالها باعتبار المسؤوليات التي يتولاها الذين تقرر طردهم.
هذا التخوف لم تتأخر نتائجه، حيث بدأ تمرد نقابة المالية يطفو على السطح منذ الآن، فرد محمد دعيدعة، الذي يشغل في نفس الوقت عضوية المكتب السياسي للاشتراكي الموحد لم يتأخر كثيرا، حيث جمع نقابة المالية وصوت أغلبية أعضائها بالانسحاب من الكونفدرالية وربما الالتحاق برفاق الأمس في الفيدرالية. نفس الأوساط تتخوف مما يمكن أن يؤول إليه الوضع داخل الاتحاد المحلي بفاس الذي يترأسه عبد الرحيم الرماح، الذي اعتبر دائما من القيادات المقربة للأموي، فالبرلماني المطرود من ك.د.ش يشغل في نفس الوقت عضوية المكتب التنفيذي، ويمكن أن يحدث قرار طرده انتكاسة داخل الكونفدرالية بالمنطقة برمتها. قرار الطرد سيجعل الكونفدرالية عمليا خارج دائرة أي تأثير حقيقي، فلم يبق عمليا إلى جانب الأموي ونائبه سوى العلمي لهوير رئيس الفريق الكونفدرالي ومصطفى الشطاطبي رئيس الاتحاد المحلي بالرباط.
عبد القادر الزاير، وفي محاولة منه للتخفيف من آثار الأزمة وقرار الطرد، اعتبر أن قرار العودة للبرلمان قرار انفرادي ولا علاقة له بالمركزية، ويبدو أن رئيس الفريق كان أكثر وضوحا في التعبير عن موقف زعيمه الأموي، حيث اعتبر أن أي تراجع عن قرار الانسحاب من البرلمان سيضع أصحابه خارج الكونفدرالية، وهو ما ترجم عمليا عبر قرار الأموي الأحد الماضي. فالكونفدرالية حسب لهوير: «وجدت قبل أن توجد الغرفة الثانية، وليس شرطا الاستمرار داخل هذه الغرفة للاستمرار داخل المشهد السياسي والنقابي». لكن ما لم يقله العلمي لهوير ولا الأموي هو أن الكونفدرالية بأزمتها الحالية ربما تكون قد دخلت مرحلة الاحتضار، حسب مصادر من هذه المركزية نفسها.