بعد الرحيل لا تبقى إلا الذكريات ..والأسماء ...والوجوه .
.نعم الوجوه فأنا لاأذكر منك غير وجهك ..لون عينيك .. عذوبة بشرة خذيك ..رسم شفتيك ..
تخيلتك بعد الرحيل جالسة حذائي ماضية في مرحك الطفولي مسترسلة في الحديث ..
لأتذكر كيف كانت البداية ؟ كيف كان اللقاء الأول ..؟
أنا هوودى ..كانت أول كلمة تعبر كالسهم إلى قلبي الذي اعتزل الحب منذ أمد غير بعيد ..
فرغم رقة حروف إسمك ورغم ما رافق تقديم نفسك لي من ابتسامة عريضة ونظرة مرحة بريئة ..فأن سهمك هز كياني ..رج أسوار قلعتي .. عرَّاني بعنف رغم عذوبته ..
فشعرت كأن المارة والمتسوقين يعبرون من خلال جسدي .. أن أقداما ترْبُت على قلبي في ايقاعات راقصة كأنه حفل أمازيغي ..
شعرت أني ثوب شفاف أزرق يلف نساء تلك المدينة .. ألامس أجسادهن بطريقة سحرية لأتلذذ بضحكاتهن البريئة المتسترة وراء أياديهن الموشومة بعطر الزعفران ..
لم أعد أسمع شيء رغم صخب المارة والمتفرجين والموسيقين الذي اعتلوا منصة حفل عيد العرش ..
لم أعد أسمع سوى نظراتك .. وقليل من أحاديث الأصدقاء الذين يشاركوننا الطاولة بالمقهى الروداني .. هذه الأحاديث التي أزعجت عذوبة تدميرك قلعتي .. وكانت تصر على إخراجي من شرودي الجميل ..
في ليلة إسمها سناك البركة قررتِ زيادة حبة الوله إلى كأس شرودي وغيابي الحاضر ..قررتِ أن تتصوري أنك في زمن غير الزمن ..تصورتِ أني حبيب قديم تقاسميه عشاءك تناوليه ويناولك ..غير آبهة بالأصدقاء !!
بعد العشاء .. لم أمانع رغبتك .. بل أطلقت قدماي لنسمات ذلك الليل الروداني المعطر بشذا الفضة واللوبان الحر .. المضاء بألوان أسوار وأبواب المدينة ..
أداعب يديك .. خصرك .. فيحلوا لي السير بين الأزقة الضيقة .. لأجد نفسي قد أخذتني بعيدا عن الأصدقاء ..
في ركن بمقهى الروداني قرب منصة الحفل .. بدأ يشتد وقع الأقدام فوق جسدي .. وأنت مازلت تضيفين حبات الوله إلى كأسي .. فصرت مدمنا على الغوص في عينبك .. تائها .. أبحث عن نهاية جميلة تليق ببراءة ابتسامتك ..لكن حباتك أسكرتني .. وعطلت فكري .. فغفوت .. !!
بعد نوم متقلب .. بحثت عنك .. لكنك كنت قد رحلت ..
مرات عديدة بعد رحيلنا كنت أعود إلى مدينة تارودانت .. أبحث عنك ..في ساحتها .. وفي أزقتها الضيقة .. وفي وجوه الجالسات بمقهى الروداني .. لا لأسألك عن رحيلك دون تحية ..ولكن لأشكر حبات الوله عن رسمها أجمل نهاية تليق ببرائة ابتسامتك ./.
06-03-1998