امتدت موجات العنف والنزاعات التي تنشب أمام عدد من المدارس لتجتاح حجرات الدرس وتنقلب ضد المدرسين بعدما كان التلاميذ أغلب ضحاياها. واعتبر عدد من المربين أن الظاهرة ستفقد بعض المؤسسات التعليمية أهدافها التربوية.
وانطلاقا من محاولة الانتحار التي شهدتها، أخيرا، إحدى المؤسسات التعليمية التابعة لعين السبع الحي المحمدي بالدارالبيضاء، رصدت "المغربية" أسباب الحادث، مستندة في ذلك على شهادات بعض مدرسيها وموظفيها، حيث أجمعت على أن المحاولة، التي كانت ضحيتها تلميذة في 16 من عمرها،
ترجع إلى توبيخ الأستاذ لتلميذته على النتائج السلبية التي حصلت عليها في امتحانات الدورة، إذ أنه بعدما لامها على نقطها في بعض المواد التي كانت متفوقة فيها في الدورة السابقة، ردت عليه التلميذة بكلام ساقط، داخل القسم، وبعد رده عليها لكمته، وهددته برمي نفسها من النافذة واتهامه بالاعتداء عليها، وبعدما حاول منعها من الخروج من الحجرة في انتظار وصول الحارس العام، توجهت بسرعة إلى النافذة ورمت بنفسها من الطابق الأول، وكانت النتيجة أن أصيبت بكسور في رجلها ويديها.
وحاول مسيرو المؤسسة إخفاء الحادث عن السلطات المحلية، حماية لسمعتها، فاتصلوا بوالديها وجرى نقل التلميذة في بواسطة سيارة أحد المدرسين إلى مصحة خاصة حتى لا يكشف سبب الحادث، غير أن الخبر نقله التلاميذ وبعض المدرسين العاملين بها.
وحسب حبيبة، أستاذة مادة اللغة العربية، بالمؤسسة، فإن المدرسين يتخذون الحذر في التعامل، حاليا، مع التلاميذ، لأن عددا منهم يدخلون للدرس دون هدف التحصيل، فيحاولون التشويش على الراغبين في الاستفادة من الدرس، لأنهم يعتبرون أنه لا جدوى في الدراسة بما أن المدرسة الحالية أصبحت تفرخ البطالة.
واعتبرت حبيبة العنف ضد المدرسين سلوك انحرافي، ضحاياه تلاميذ يعيشون مشاكل اجتماعية، انعكست على تصرفاتهم في حياتهم اليومية وفي معاملاتهم مع الناس عامة، لتمس الأساتذة الذين كانوا يعتبرون قدوة في التربية والسلوك مثل الوالدين، بل ومست الآباء أنفسهم. وأضافت حبيبة أنها تحتاط حاليا من تلميذين يتابعان دراستهما في الجدع المشترك، لأنهما سبق أن نفذا تهديدهما لأستاذة مادة الرياضيات، التي تعرضت للضرب بالحجارة في ساحة المؤسسة.
وأكدت أنهما بعدما خضعا لجلسة تأدبية، حاولت إدارة المؤسسة معالجة أوضاعهما فوجهت لهما إنذارا وأعطتهما فرصة لإصلاح أمرهما، غير أنهما لا يوليان للمشكل أي اهتمام.
وتقول حبيبة إن التلميذين يعانيان مشاكل التفكك الأسري، إذ أن والد أحدهما يواجه عقوبة سجنية، بسبب قتله جاره، فتعاني الأم وحدها التكفل بأربعة أبناء، في ما يواجه الثاني مشكل الحرمان من حنان الأم، لأنه يعيش مع زوجة أبيه، التي تعامله بقسوة.
بدوره قال عبد القادر، حارس عام بمؤسسة تعليمية، لـ "المغربية" إن "التوبيخ آخر وسيلة نتستعملها لردع التلاميذ المشاغبين، والحيلة والتوسل أحسن طريقة لكسبهم وردهم إلى الطريق الصحيح"، خصوصا في الحالات التي يكون فيها التلاميذ "غير طبيعيين"، لأن أغلب هؤلاء منحرفين، حسب قوله، يعانون مشاكل بسبب الإدمان على المخدرات.
وأفاد أن عددا من المدرسين يشتكون من تحدي بعض تلاميذهم لأوامرهم، بل ويوجد من يطلب بتغيير الفوج بسبب الفوضى التي يقوم بها بعض المشاغبين، والمشادات الكلامية التي تنتهي إلى نزاعات أثناء الدرس، موضحا أن 4 أساتذة تلقوا لكمات من طرف تلاميذهم بالمؤسسة، خلال هذه السنة، وغير 3 أساتذة أفواجهم بسبب أعمال الشغب داخل القسم، في ما طلبت أستاذة الانتقال إلى مؤسسة أخرى بسبب تلقيها تهديدا من طرف أحد تلامذتها.
بدورها أكدت فوزية، أستاذة مادة الانجليزية بثانوية بالدارالبيضاء، لـ "المغربية" أنها واجهت مشاكل مختلفة طيلة حياتها المهنية، وكانت كلها تتعلق بكيفية التبليغ أحيانا والرفع من مستوى التلاميذ، أحيانا أخرى، وكان التلاميذ يستجيبون لتوجيهاتها، رغبة منهم في التحصيل والنجاح، غير أن الأمر تغير في الآونة الأخيرة، ليتحول إلى البحث عن الطرق التي تمكنها تفادي الاعتداء عليها. وتقول "إذا كان تلميذا واحدا في حالة غير طبيعية، يحدث الشوشرة بين جميع الحاضرين للدرس. فالمخدرات قضت على هذه العينة وأفقدتها صوابها".
وأضافت أنها كلما اشتكت عصيان أحد التلاميذ لأوامرها وتهديده لها للإدارة تنصحها هذه الأخيرة بتفاديه والتعامل فقط مع الراغبين في الدراسة. وذكرت أن صديقة لها تعمل في إحدى المؤسسات التعليمية بحي البرنوصي تعرضت للشتم أثناء تقديمها للدرس والتهديد، وجرى الاعتداء عليها من طرف تلميذها رفقة أصدقاء له بالحي، خلال توجهها إلى منزلها.
وفي تعليقه عن العنف داخل المدارس قال عبد الله، مدير إحدى الثانويات بالدارالبيضاء لـ "المغربية" إن العنف يرتفع عند نهاية السنة، إذ تبدأ ظاهرة الغياب عن متابعة الدروس، ويكتفي عدد من التلاميذ بالوقوف قرب الثانوية لقضاء الوقت في الدردشة، كما يوجد من يدخل للفصل رغبة في التحصيل ومن يقصد معاكسة الأساتذة، بل وللانتقام أحيانا ورد الاعتبار.
وأشار إلى أن العنف الذي انتقل بين بعض التلاميذ من الشارع إلى حجرات الدرس وضد الأساتذة يمس الهدف الذي وجدت من أجله المدرسة، إذ أنه بعدما كانت تقوم بدور مهم في تقويم سلوك المتعلمين وتعديل اتجاهاتهم أصبحت مجالا للصراع وفضاء لتعلم العنف والاعتداء.
وأضاف أن التدريس مهدد بفقدان الهدف الذي وضع من أجله، يعني التربية والتوجيه، بعدما فقد المدرس مكانته بين التلاميذ، خصوصا أن بعض الآباء الذين يجري استدعاؤهم لتحذيرهم من سلوك أبنائهم، يؤيدون ما يقوم به هؤلاء، ويؤكدون في ردهم على الإدارة أن التلميذ له الحق في الدفاع عن نفسه، ورد اعتباره أمام زملائه في القسم. كما أوضح أن بعض الآباء شركاء لأبنائهم في التحريض على الاعتداء على المدرسين.
واستحضر المدير حالة تلميذة في السنة الأولى من الباكلوريا دخلت للقسم بسجارة بيدها، وعندما منعها الأستاذ رمت السيجارة على وجهه وأصابته بحروق، وعندما حاول الإمساك بها خدشت وجهه، وارتمت عليه باللكم أمام القسم، ولم يتمكن من الإفلات من ضرباتها إلا بتدخل بعض الأساتذة بالحجرات المجاورة. وأضاف أن والد التلميذ هدد بدوره الأستاذ، وأكد له أنه سيلفق له تهمة لإدخاله للسجن، وأن لا أحد سيمنع ابنته من التدخين بالقسم إن كانت لها رغبة في ذلك لأنه هو من يشتري لها السجائر وبالتالي هو المسؤول عن تربيتها، ومثل هؤلاء الآباء، يساهمون في انحراف التلاميذ ويوسعون دائرة العنف بين المؤسسات التربوية.
منقول
المواضيع المتشابهه
