عن جريدة النهار المغربية
العدد 1505
الإثنين 13 أبريل 2009
خواطر تربوية
قالت العصا...وقولها الحق...
من يذكر ((سلسلة إقرأ للسيد أحمد بوكماخ ))
تغمده الله برحمته.
يتذكر تلك القصص الرائعة التي ترسخت في ذهن الأجيال التي عايشت هذه السلسلة ،والتي كانت تغني الخيال وتمتع الفكر الطفولي بجودة سبكها واختصارها.
ومن تلك القصص ،قصة ((أكلة البطاطس)) التي تحكي عن طفل تمرد على أمر أمه و رفض أن يأكل البطاطس ،إلا أنه عاد ليرضخ لأمرها ويأكل البطاطس ، والسبب أن العصا قالت : أنا أضرب الولد،هذا النص بحمولته الإبداعية المخيالية ، لو طرح اليوم لأتهم المرحوم ((أحمد بوكماخ))بأنه مرب تقليدي ، يدعو إلى العنف ويشجع عليه ،ولايعترف بحقوق الطفل وهلم جرا من الإتهامات .وإذا عدنا بوضع هذا النص في إطاره الزمني والإجتماعي ،لوقفنا على أن النص كان يتساوق حينها مع ظاهرة الإحتفاء بالعصا التي كانت سائدة في المجتمع،بل أن الإيمان بدورها الفعال أذى بالمجتمع إلى تصنيفها ضمن المقدسات ،باعتقاد المحكي الإجتماعي أن أصلها يعود إلى الجنة ،وأنها أداة ناجعة في تقويم الإعوجاج حين يقول ((العصا لمن عصا ))والمتخيل الشعبي في هذا المجال طافح بشتى الأمثال والصور وكلها إجابية تمجد العصا وتثني على دورها
وبإثارتي لهذا الموضوع، لا ينبغي الإساءة إلى فهم قصدي أو بأنني من دعاة تفعيل دور العصا ، ولكنني من دعاة التلويح بها ، بمعنى أنني ضد إلغائها نهائيا تحت أي ذريعة كانت لأن العصا في المفهوم التربوي القديم ما هي إلا مجاز لأنواع العقوبات المعنوية التي كانت مدرسته بالأمس تلجأ إليها لدرء الإختلالات اللا تربوية في حينها ، أما اليوم وقد ألغيت آلية العقاب بأنواعه المادية والمعنوية بذريعة شتى المفاهيم التربوية والحقوقية الحديثة ، فكانت الحصيلة هي ما أصبح يسود المجتمع والمدرسة من تسيب وفوضى ، والسبب أن طفل اليوم ينشأ في منأى عن مفهوم السلطة الثلاثية . سلطة البيت وسلطة المجتمع وسلطة المدرسة، فجميع هذه المؤسسات تخلت أو كادت عن سلطتها المخولة لها ، فتنشأ عن ذلك فهم مغلوط للسلوك والحياة في وعي الناشئة الحالية ، حيث أصبحت هذه الناشئة تتصور في المجتمع وكأنه غابة لا تحكمها ضوابط ، فغاب عن وعيها مفهوم الإنضباط ، وقد فطنت عدة دول عريقة في الديمقراطية كألمانيا وانجلترا إلى خطورة التحرر المطلق اللامسؤول ، فعادت إلى تفعيل دور العقوبة التربوية ، ونحن في المجتمع المغربي لا أدري سبب هذا التأخر عن العودة إلى العقوبات الرادعة وإحياء دور العصا ، بمفهومها السلطوي الآنف الذكر ، إننا في حاجة إلى تربية نابعة من عمق واقعنا المغربي ،وهذا يقتضي بالضرورة مراجعة موقفنا من الكثير من المفاهيم المستوردة الحديثة التربوية والحقوقية ، والتي تبنيناها دون إعداد بنياتها الفكرية والمادية، واعتمدناها اعتمادا ظرفيا مفتعلا يتغيى المظهرية وسياسة الواجهة ، دون اعتبار لطبيعة الكيان البشري والإجتماعي المستهدف.
والخلاصة ، أننا اليوم نسعى إلى إعادة تأهيل بنيات المدرسة التحتية ، أن نفكر في إعادة الضبط والإنظباط إليها ،ولن يتأتى ذلك إلا بالعودة إلى الجهاز العقابي .لأن التواصل عبر الوعظ والطرق الديمقراطية من حوار أو نقاش لم يعد مجديا ، فالله الذي خلقنا ويعرف كنهنا يقول ((ولكم في القصاص حياة)) فلن تستقيم الحياة بدون قصاص وإلا فإن المزيد من الفوضى و التسيب هو ما ينتظرنا ، والصور اليومية تنذر بالأسوأ، فمنذ سنوات حكى لنا أستاذ أن تلميذا مرشحا لاجتياز شهادة الباكالوريا ، حمل معه سكينا من الحجم الكبير ، ووضعه على طاولته بنية تهديد من يحرسه بطريقة غير مباشرة ، وحتى يتسنى له ممارسة الغش دون عراقيل ، ولما سئل عن سبب إحضار السكين وإشهاره بهذا الشكل أجاب بأنه أحضره ليسطر به، فأي تسيب أكثر من هذا الذي تحولت معه المسطرة إلى سكين؟
إننا لا ندعو إلى التخلي عن روح التربية الحديثة أو الإرتداد عن المكتسبات الديمقراطية ولكننا ندعو إلى العنل بالمثل(( يد من حديد في قفاز من حرير.
ذ. الطاهر جوال
نقلته بأمانة
جبــــــــــــار