:: دفاتري ذهبي ::
تاريخ التسجيل: 27 - 3 - 2008
المشاركات: 1,512
|
نشاط [ tijani ]
معدل تقييم المستوى:
351
|
|
05-07-2009, 21:59
المشاركة 14
الاستاذ الداودي ، القصة جميلة فعلا ، مؤثرة جدا .تقنية تكسير الزمن كانت رائعة وهي التقنية التي صارت تعتمد في كثير من الاعمال القصصية الناجة ، لانها تضفي تشويقا زائدا على الاحداث .
فقط لاحظت أنك اردت أن تقول كل شيء ..ان تحكي لنا كل شيء وهذا مايعني ذكر جزئيات تفسد النص أكثر مما تدبجه.
لذا ماكان بالاحمر - في نظري - هو مجرد كلام زائد أو إذا شئت : إطناب وحشو .القصة القصيرة يحبذ فيها التركيز والاختزال ما أمكن.
كما أن النهاية لم تكن صادمة ..لو أنك توقفت عند توصلك برسالة قصيرة تنعى صديقك لكان أفضل .حيث ستخلق لحظة اندهاش في عقل القارئ ..تاركا له باب التأويل وتصور البقية :
منذأيام ، وصلتني رسالةعبر البريد .أيقظت في دواخلي تلك الأحاسيس والمشاعر الدافئة التي كانت تغمرنا من حين لحين ، كان ذلك قبل أن تحل بنا لعنة الهاتف المحمول ولعنة الرسائل الإلكترونية الجافة.تدفقت إلى مخيلتي ذكريات الماضي البعيد. تذكرت الرسائل التي كانت تصلني الى القسم الداخلي أيام الدراسة في الثانوية ، كنا ننتظر بلهفة طفولية موعد توزيع الرسائل . ننصت باهتام بالغ لمعلم الداخلية وهو يقرء الأسماء على الأظرفة.
عاودني ذلك الشعور اللذيذ الذي كان ينتابني وأنا أقرأ كلمات رقيقة منفتاة جمعتني بها لحظةعابرة.أذكركيف كنت أتبـاهى بهاوأرددها أمامالأصدقاء والخصوم من تلاميذ القسم الداخلي، أ و أتخذهامقدمة لأحكي عن مغامراتي وبـطولاتي الغراميةالعديدةوالتي غالبا ما تكون من نسج الخيال.
استرجعت أيضا رسائل أمي التي كانت تبعثها بخط ابن جارتنامن البادية، تحثني فيها على المثابرة ،وتعدني بالمكافئةمتى استطاعت الوصول خلسة إلى جيوب أبي.
بفرح غامض ممزوج بنوع من التوجس أخذت اتفحص الرسالة. اسمي و عنواني مكتوبان بجلاء على ظهرهاواسم المرسل لم يكن سوى صديق طفولتي الحميم الذي انقطعت بيني وبينه الأواصر منذزمن بعيد ،أي منذ التحاقي بمدرسةتكوين الاساتذة قبل عشر سنوات وقد بلغني في المدة الأخيرة انه أصيب بالمرض الخبيث .
فتحت الرسالة ورحت أسارع بقراءتها و كانني اريد ان اطلع على مضمونها دفعةواحدة ، توقفت عند هذه الكلمات :
... أنا الآن في القرية ، وقد عدت الى بيت والدي بعد ان استسلمت للمرض، لماحمل معي من المدينة غير أوراق الفحوصات والتحاليل الطبية...أنهيت دراستي الجامعية و تعبت كثيرافي البحث عن عمل قار، مللت من التسكع بين المقاهي و الأماكن العمومية.وخلال السنوات الأخيرةتدهورت حالتي الصحيةبشكل كبير. تجولت بين العديد من المستشفيات والعيادات الطبية ،لكن دون جدوى .كل ما ادخرته من بيع الجرائد كان من نصيب الاطباء والممر ضين وفي الأخير رجعت إلى أهلي في البادية وأنا اعلم جيدا أنهم لا يملكون من أجلي غيرالدعاء
هذا المعنى سبق ذكره في أول فقرة ..
.... لن أنسى يا أخي أبدا وجه ذلك الطبيب بملامحه الصارمة وهو يقرأ بصمت مريب نتائج الفحص الطبي، قبل أن يصدمني بلغة تقريريةقاسية..
... ها قد مضى زمنغير يسير وأنا طريح الفراش،أرقب هذه الجدران القاتمة المنتصبةحولي في صمت رتيب...
كان لهذه الكلمات وقع الصدمة على نفسيتي، تذكرت آخر لقاء بيننا ، كنا نستقل الحافلة المتجهة الى مدينة فجيج لاستلام شهادةالباكالوريا . طوال الطريق كانت فرحة النجاح تغمرنا ، كنا مثل طفلين نلهو و نضحك ،وكان الامل في مستقبل سعيد يداعب خيالنا ، لا ازال اذكر انه كان يرسم معالم حياةالمستقبل ، كان يحلم بو ظيفة محترمة وزو جة و بيت في احدى مدن الاطلس التي كانت تلهب خياله . تدفقت الدموع الى عيني ، وشعرت بغصة تخنقني ، وقد زاد تأثري وانا أقر هذه الكلمات من رسالته:
ما يحز في نفسي أن الكثير من أصدقاءالأمس لم يعد لهم وجود في يوميات معاناتي مع المرض،وحدهماوالدتي وأختي الصغيرةلاتملان من الجلوس إلى جنبي لكن دموعهماو نظراتهما تؤلمني كثيرا...
....سئمت علب الادوية والمسكنات و أوراق الجرائد القديمة المتناثرة حولي اما الروايات وأغاني ام كلثوم فلم تعد تستهويني كما كانت ، بدأت قراءة رواية بعنوان السراب لكنني توقفت دون اناتجاوز بضع صفحات .أرسل لي أحدالأقارب رواية حينما علم بمرضي ، وجدت انها تتحدث عن شخص مصاب بالمرض اللعين، طلبت من امي أن تمزقها وتحرقها في الموقد ....احد الممرضين قال لي ذات يوم وهو ينظرالى كتاب في يدي أنني مصاب بمرض الأدباء الكبار أمثال محمد شكري و محمد زفزاف و حاول ان يتذكر آخرين ، كان يريد الرفع من معنوياتي على ما يبدولكن كلامه أزمني كثيرا .
..... ما أصعب اللحظات التي أعيشها يا أخي!إنها لحظات صراع دائم مع الألم تتخللها أيضافترات تأمل لا أدري لماذا أشعر خلالهابالحنين إلى زمن الطفولة.
توقفت عن القراءة ،و رجعت بخيالي إلى أيام الصبا ،أيام الشغب و الشيطنة : كنا نتسلق الجدران القديمةللبحث عن أعشاش العصافير أو نسطو ليلا على / في حقول الذرى وأشجار اللوز و الرمان لنملأ جيوبنابالثمار التي لم تنضج بعد . لم نكن نعرف معنى المرض ولا حتى التعب ، لانأوي الى بيوتنا حتى يأتي من يبحث عنا من اهلنا .
طاوعت خيالي للحظات فعاد بي إلى تلك الأيام التي لا تكاد تخلو من وجود هذا الصديق ، لكن ما لبثت ان عدت الى الرسالةالتي بين يدي لقراءة اسطرها الأخيرة .
.....أنا الآن وقد نال مني التعب ، وعاودني الألم ، أستسمحك ، و أتمنى ألا أكون قد أخذت كثيرا من وقتك ، أعدك أنني ساكتب لك مرة اخرى . مع اطيب التحيات وأصدق المتمنيات .
كان وقع الرسالة علي شديدا شعرت معه بنوع من الأسى و الأسف و تأنيب الضمير . فكرت في الذهاب لعيادة صديقي المريض ، ومواساته و الوقوف بجانبه في محنته ، لكن المشاغل اليومية والتزامات العمل جعلتني أتريث . بعد لحظة تردد قررت ان ارجئ موعد الزيارةالى عطلة نهاية الاسبوع .
في اليوم الموالي بينما كنت أقرأ الجريدة سمعت رنة الهاتف في جيبي ، تنبهني الى وصول رسالة قصيرة. فتحت الرسالة ، وقرأت فيها خبر وفاة صديق. يكفي أن تقول : جاءتني رسالة قصيرة تنعى إلي صديقي .نزل علي الخبر مثل الصاعقة ، وعلى الفور ألغيت كل التزاماتي ،وقصدت محطة الحافلات يحذوني الأمل في أن أ رى ذلك الصديق بعد موته ، إذ لم تمهلني الأقدار لرِِؤيته في حياته .
بعد رحلة مضنية على متن أول حافلة وصلت الى بيت العزاء . كان البيت لا يزال غاصا بالرجال والنساء والاطفال ، كان الحزن يخيم على المكان ولم يكن ثمت وجه أكثرحزنا وكآ بة من وجه الام .
واسيت الأب والإخوة وقبلت رأس الأم المكلومة ، بدورهاعانقتني حتى احسست بالدموع تبلل خدي .
علمت ان الراحل ووري الثرى قبيل وصولي . وقد عاد الموكب عاى توه من مراسم الدفن .
بعد الإستئـذان دخلت غرفة الراحل ، كان فراشه و كل أغراضـه شاهـدة على رحيله :
قلم و أ وراق الجرائد وكتب وعلب الدواء . .
إنتبهت الى وجود كتاب طويت إحدى أوراقه ، تصفحته فإذا هو رواية السراب وقد توقف الراحل عن قرائتها قبل أن يتم فصلها الأول . كان الصمت يلف الغرفة و كانت كل الأشياء التي تؤثث المكان كئيبة ، و كانت جدران الغرفة قاتمة ، تلك الجدراننفسها التي كان الراحل يتأملها وهو يكتب لي رسالته الأخيرة
هذه الخاتمة مجرد جزئيات وحشو أفسد النص.
على كل تستطيع الابحار بقوة في هذا الفن .
بالتوفيق
مودتي
التعديل الأخير تم بواسطة tijani ; 05-07-2009 الساعة 22:07
|