تحمل قصص المتعايشين المرض في طيّاتها ظلمَ مجتمع بأسره. قد يدفعون ثمن أخطاء غيرهم وقد يعيشون منبوذين داخل مجتمعهم. اكتشف أغلبُهم مرضهم عن طريق الصدفة، في حين اختار البعض «العزلة» وحاول البعض منهم وضع حد لحياتهم...نساء منقبات وأخريات محجبات، سيدات حوامل، شباب وشيوخ.. كلهم ينتظرون في قسم الأمراض التعفنية في مستشفى «ابن رشد» في الدار البيضاء. جلسوا في حديقة «المصلحة 23» أو في «مصحة النهار» ينتظرون موعدهم مع الطبيب «كل المتواجدين في هذه المصلحة مرضى بالسيدا»، يقول أحد المصابين. السيدات يخترن ارتداء الحجاب أو النقاب، حتى لا يتم التعرف عليهن من طرف أحد جيرانهم أو معارفهم. «تنتظر بعضهن الفحوصات الدورية وتنتظر أخريات الحصول على الأدوية الثلاثية»، يضيف هذا المريض.
جلست سميرة قرب شجرة وهي تنفث دخان سيجارتها، في انتظار حصولها على نتائج التحاليل التي تظهر مدى تطور المرض أو استقرار نسبة مناعة جسدها.. تحرص هذه الشابة على القدوم إلى مستشفى «ابن رشد» من الرباط لمتابعة حالتها الصحية، وهي تحاول إخفاء معاناتها مع المرض بالضحك: «مرضى الرباط منغلقون على أنفسهم»، تقول، مبرِّرةً اختيارها الاستشفاء في الدار البيضاء
«اعتكفت» في المسجد بعد معرفتها بالإصابة
تملأ قهقهاتها المكان، وهي تحكي قصتها مع المرض: «عندما علمتُ بالمرض، أحسست أن الأرض تدور بي»، تقول سميرة، وهي تتبسم، بأسى.. اسودّت الحياة في وجه هذه الشابة التي كانت تعمل وقتها في دولة الإمارات العربية المتحدة: «جابوني البوليسْ لْلمغرب» تقول سميرة، وهي تنفث دخان السيجارة، قبل أن تتابع: «لقد عشت حياة شبه معزولة عن العالم»، تحكي هذه الشابة، التي اكتشفت مرضها، وهي تنهي إجراأت الزواج من أحد أعيان دولة الإمارات: «كنتْ غادي نْدّي واحد جوج بيورْ ديال البترول.. رْجّعوني البوليس للمغرب»، تقول الشابة المصدومة.
من هول الصدمة، قررت سميرة أن تعتكف في أحد مساجد الرباط «لمدة شهرين وأنا أعيش في المسجد، أقوم بكنسه دون أن أغادره»، تضيف الشابة، مواصلة سردَ قصتها. تعرفت، بعد ذلك، على إحدى الجمعيات وشرعتُ في تناول الدواء». تحسَّن وضعها الصحي كثيراً: «كان للجمعية دور كبير في تأهيلي ومساعدتي بشتى الطرق، وتعرفت على عدد كبير من المتعايشين مع المرض»، تقول سميرة. التقت هذه الشابة مع شخص متعايش مع المرض دبّرت لهما الجمعية اللقاء: «عندما التقيته، لم أصدق أنه مريض، بسبب بنيته الجسدية القوية»، تحكي سميرة، قبل أن تضيف: «لقد حققتُ حلمي ولبست «التكشيطة» وتاج العْروس.. تزوجنا.. لكنه توفي، بسبب المرض».
الأسباب التي تكون وراء زواج مرضى السيدا هي نفس الأسباب التي تدعو أي إنسان إلى الزواج من أجل تحقيق الاستقرار العائلي وتكوين أسرة، لكون المصابين بهذا المرض مثلهم مثل بقية أفراد المجتمع وتسري عليهم جميع الاحتياجات النفسية والجسدية، مثل الآخرين. لكن زواج المصابين يجب أن يتم تحت متابعة صحية دقيقة جداً وبعد التأكد من مناسبة الوضع الصحي لكل من الزوجين: «يوجب ذلك الاستمرار في المتابعة الصحية والفحوصات، مع ضرورة استخدام العازل الطبي، حتى بعد الزواج، حرصاً على عدم انتقال جرعات مختلفة من الفيروس إلى كلا الطرفين خلال الممارسة الجنسية في كل مرة، ويفضل استخدام الواقي»، يقول أحد المصابين.
أعادت بناء حياتها من جديد
لبنى متعايشة أخرى. قامت ببناء حياتها من جديد وتزوجت من متعايش مع المرض. كانت هذه السيدة تعيش في ليبيا وكانت متزوجة من ليبي مصاب بالمرض، لكنه لم يخبرها أنه يحمل هذا الفيروس في دمه.. عاشت معه سنوات دون أن يخبرها بالأمر: «قام بتطليقي بعدما علمتُ بإصابتي بالمرض»، تقول لبني. لبنى كغيرها من النساء المغربيات اللواتي أصبن بالعدوى بسبب أزواجهن، وهي نسبة ليست بالهيّنة، فأكثر من 70 في المائة من النساء المصابات بالمرض انتقلت إليهن العدوى عن طريق أزواجهن. لبنى، وبسبب عدم علمها بمرض زوجها، لم تتخذ الاحتياطات الضرورية عند حملها، فكانت النتيجة أن أنجبتْ ابنا يعاني، هو الآخر، من هذا المرض: «أحمل ابني الثاني في أحشاشي، لكني أقوم متابعة صحية لحملي»، تقول لبني، وهي تواصل سرد تفاصيل إصابة ابنها بهذا المرض.
ليست لبنى السيدةَ الوحيدة التي انتقلت إليها العدوى عن طريق زوجها. عزيزة سيدة أخرى ستجد فيروسا يسري في عروقها لا لسبب سوى لأنها وثقت في زوجها: «علمت بمرضي صدفة عن طريق تحليل الدم أثناء حملي في الشهر التاسع، وحينها وضعت طفلتي عن طريق عملية قيصرية»، تقول عزيزة، قبل أن تضيف «عند معرفتي بحقيقة مرضي، أصبت بانهيار عصبي». ظلت هذه السيدة في انفصال تام عن واقعها اليومي ولم تستطع أن تتقبل أنها ستظل مصابة بهذا المرض: «توفي زوجي، تاركاً لي عبئاً ثقيلاً من المسؤوليات التي أنهكتْني»، تقول عزيزة، قبل أن تتابع: «تناولت مهدّئات لمدة عام كامل بعد «صدمتي» بالمرض، ماتت ابنتي الوحيدة بعيب خِلقي، حمدت الله ومضيت في طريقي، ولم أخبر أحداً بمرضي سوى أفراد أسرتي، خوفاً من نظرة المجتمع وعدم رحمته بي».
أصيب بالمرض في ليبيا
سميرة ولبنى أصيبتا بالمرض خلال إقامتهما في دول المهجر. محمد متعايش آخر مع المرض أصيب به خارج الحدود الوطنية: «أنا حامل للمرض منذ 15 سنة»، يقول محمد، الذي كان يعيش في ليبيا، حيث عمل هناك طباخا: «مارستُ الجنس مع مجموعة من النساء خلال فترة إقامتي هناك، لكني لم أعرف كيف ولا أين أُصِبت به»، يقول محمد.
حسب إحصائيات، فإن 83 في المائة من المصابين الذكور كانت لهم علاقة جنسية مع شركاء متعددين، بينما لا تتجاوز هذه النسبة 55 في المائة في صفوف النساء. بعد مرضه، عاد محمد إلى المغرب. كانت العودة صعبة، والأصعب منها أنه كان مجبَرا على إخبار زوجته بمرضه: «قررتُ أن أخبر زوجتي بالأمر وأن أُخيّرَها بين الطلاق أو قبول مرضي»، يقول محمد، قبل أن يضيف: «كنت متيقنا أنها ستطلب الطلاق».
لكن ردة فعل زوجته، عكس ما كان يتوقع، كانت مختلفة: «مْراتي طلعاتْ، صراحة، بنت الناس وسامحاتْني»، يقول محمد، الذي كان يعتقد أن زوجته ستطلب الطلاق، لكن جوابها كان: «لا يمكن أن أتركك لوحدك»... لم يكن زوجة خالد الوحيدة التي «تفهّمت» حالته، فقد أبدت عائلته، أيضا، نوعا من التفهم: «الحمد لله أن عائلتي تفهمتْ حالتي ولم تقم بنبذي»، يقول محمد.
32 ألف متعايش مع فيروس نقص المناعة المكتسب في 2012
من المتوقَّع أن يصل عدد المتعايشين مع فيروس نقص المناعة المكتسب إلى 32 ألف شخص خلال سنة 2012، بتسجيل 3900 حالة جديدة في نفس السنة. وستتجاوز نسبة النساء المتعايشات مع المرض أكثر من 10 آلاف، في حين تصل نسبة المتعايشين في صفوف الأطفال إلى 584. وحسب الأرقام، فإنه من المتوقَّع أن تعرف سنة 2011، الجارية، تسجيل 3600 حالة جديدة، ليصل عدد المتعايشين مع فيروس نقص المناعة المكتسب إلى 30 ألف شخص، 9500 من النساء و552 طفلا. أما سنة 2010 فعرفت تسجيل 28 ألف شخص متعايش مع المرض و1200 وفاة بسبب المرض. وكما لا ينتشر هذا المرض في صفوف الجنسين معا بنفس الطريقة، فإنه ينتشر في جهات المغرب باختلاف في حجم الانتشار، حيث إن 47 في المائة من مجموعة الإصابات المُسجَّلة في المملكة تتمحور في ثلاث جهات فقط، ممتثلة في جهة سوس ء ماسة ءدرعة ومراكش ءتانسيفت ألحوز والدار البيضاء بنسبة 21 و15 و11 في المائة، على التوالي.