العبث بمستقبل المغرب

[ابو ندى]

نورالدين الجراري

إذا كانت مضغة الجسد هي القلب، وأن فساد هذا القلب يعني فساد الجسد كله، وصلاحه صلاح للجسد، فإن قلب أي أمة هو نظامها التربوي؛ لذا فالاهتمام بنظام التربية و التكوين هوالملجأ، والحصن الحصين، و طوق النجاة، لكل أمة أرادت أن تنهض من سباتها، واستمرار نبضه ـ بالطريقة الصحية والصحيحة ـ استمرار لنبض الأمة. فهاهي الولايات المتحدة الأمريكية،على سبيل المثال، عندما رأت أن الاتحاد السوفياتي قد حقق السبق في ميدان غزو الفضاء و نجحت سنة 1957 بإطلاق أول قمر صناعي "سبوتنيك"، أشارت بأصابع الاتهام إلى نظام التربية والتكوين، وذلك في تقرير لها تحت عنوان:"أمة في خطر"، دعت فيه إلى إصلاح تربوي شامل، رغم أن أمريكا كانت في ذلك الوقت متقدمة اقتصاديا و سياسيا وعسكريا، فما بالك بأمة ينخرها الضعف في جل ميادينها، ولم تدق ناقوس الخطر كما يجب، وبشكل جدي؛ وما بالك بأمة تحتل مراتب متأخرة على مستوى مؤشرات التنمية، ولم تدق ناقوس الخطر، كما يجب أن يدق، وبصفة جدية..
إن ما يجب أن ننقل عن الآخر تلك العقلية التي جعلت أولي الأمر في الولايات المتحدة الأمريكية يفكرون في المستقبل البعيد و ليس القريب أو المتوسط، وهي عقلية الغيرة الفعلية على الأوطان..
قد يقول قائل: إن مسؤولو هذا البلد مدركون لأهمية نظام التربية والتكوين، لهذا توالت الإصلاحات..و نحن نقول بدورنا ونسأل القائلين: ما نتيجة هذه الإصلاحات؟ و لنأخذ آخر حلقة من هذه الإصلاحات كنموذج، وهو الميثاق الوطني للتربية و التكوين، ألم يعلن رسميا عن فشله؟ و لهذا أتوا بخلفه سموه بـ"البرنامج الاستعجالي"، و كأنهم يقولون لنا: إن ما لم نحققه في تسع سنوات، يمكن أن نحققه في ظرف ثلاث سنوات بهذا المخطط !!
إن محاولة غرس نظريات في تربة لا تعرفها، سيكون محصول هذا الغرس ـ بطبيعة الحال ـ كارثيا. كما أن الإصلاحات الفوقية التي لا تنهج نهجا قاعديا، ولا تبالي بآراء الممارسين الفعليين في الميدان. ستحصد النتيجة نفسها.
من أوصل تعليمنا إلى الكارثة؟هل المشكل و الحل يكمن داخل القسم كما يشير المسؤولون عن القطاع؟ أو أن الأمر أكبر من هذا؟ هل فعلا هناك سياسة ممنهجة لإضعاف التعليم العمومي؟
لنلقي إطلالة قصيرة على واقع التعليم ببلادنا:
- في المستوى الابتدائي يتم إسناد تدريس اللغة العربية و الفرنسية للأستاذ نفسه، وهو مستوى يعتبر التخصص فيه مسألة أساسية،.
ـ تدريس أكثر من مستوى في نفس الحصة؛
يفرض على المؤسسة إنجاح التلميذ بنسبة تصل إلى 90% و 100%، دون مراعاة مستوى التحصيل.
النقص في أطر التدريس عند بداية كل سنة دراسية وقد يستمر إلى نهاية السنة.
إلغاء التفويج بالنسية للعلميين إما بسب نقص الأساتذة أو نقص في الحجرات.
إسناد مناصب إدارية في المؤسسات التربوية بدون تكوين سابق؛
ظاهرة الاكتظاظ، التي قد تصل إلى 60 تلميذا؛
معظم تلاميذ العالم القروي يقطعون كيلومترات عديدة للوصول إلى مدارسهم؛
حجرات دراسية تتحول في المساء إلى مسكن للأستاذ. لأن بناءها جاء في المنفى لا طير يطير و ولا وحش يسير؛
مدارس تتوقف الدراسة بها؛ لأن حجراتها تتحول إلى مسابح في فصل الشتاء؛
نقص الأطر الإدارية العاملة بالمؤسسة؛
انتشار المخدرات بين أوساط التلاميذ؛
لقد اقتصرنا في هذا الجزء اليسير من المشاكل على ماهو مرتبط أساسا بالتلميذ، لأن الوزارة ترفع دائما شعار التلميذ فوق كل اعتبار!! ولم نتطرق للمناهج و البرامج التعليمية؛ ولا إلى تحسين الظروفها الاجتماعية للأسر؛ ولا إلى تحسين وضعية الأستاذ؛ و لا إلى دور القطاعات الحكومية الأخرى ولا ....ولا...,.
لقد اقتصرنا على هذا الجزء اليسير من هذه المشاكل التي لا تحتاج إلى نظريات، و لا إلى ندوات، و لا إلى الإعلان عن إصلاح آخر بعنوان آخر، بل تحتاج إلى إرادة حقيقية نابعة من غيرة على هذا الوطن...إنها مشاكل يخجل المرء من ذكرها،خصوصا و نحن في القرن الواحد و العشرون ‼‼
إذا كانت اليابان ضربت بقنبلة نووية و استطاعت مع ذلك أن تنهض و تتقدم، فنحن ضربنا- وللأسف- بقنبلة بشرية فاسدة، لهذا ما زلنا نتعثر