الحقوق الثابتة لا يجب أن تسقط بالتقادم و التقاعد .
المسؤولون في بلادنا ، كانوا حكوميين أم نقابيين ، يمارسون سياسة لا ترقى إلى مستوى المسؤولية الحقة لما يتعلق الأمر بتدبير الشأن العام للمواطنين إنصافا لذوي الحقوق المشروعة ، وتطبيقا للديمقراطية العادلة كما هو متعارف عليها في الدساتير و القوانين الدولية بما ترتكز عليه من مواد ضامنة لحقوق الإنسان ، يعتبر المغرب من الدول الموقعة عليها بسخاء أكيد واضح المعالم شكلا و مضمونا ، لكن أين التفعيل و التطبيق على أرض الواقع ؟ خاصة ما يتعلق منها بالمواد 100 و 110 و 111 للمنظمة الدولية للشغل ، التي دخلت حيز التنفيذ في الجريدة الرسمية رقم 2622 بتاريخ :25ـ 10 ـ 1963 . ولسنا بحاجة إلى تذكير مسؤولينا بكل التفاصيل في هذا المضمار ، فهم أدرى منا بالثقافة الحقوقية و القانونية سياسة و ممارسة . غير أن الذي يهم في هذا اللقاء مع الجميع هو إثارة الإنتباه إلى السياسة الفارغة . غير أن الذي يهم في هذه المحاورة مع الجميع ، هو إثارة الانتباه إلى السياسة الفارغة من أية حكامة ينتهجها مسؤولونا عندما يبتكرون لأنفسهم قوانين مجحفة ، لضرب المصداقبة و السطو على حقوق الآخرين بإقصائهم من التمتع بحقوقهم الثابتة ، ضدا على شرعيتها كما هو الشأن بالنسبة للقانونين الأساسيين المشؤومين 1985 و 2003 ، اللذين أستحدثا من أجل حرمان المرتبين في السلمين 7 و 8 كي لا يشملهم نظام الترقي إلى السلم 11 بحق الأقدمية في حينها . والرهان المقيت على هذا الحرمان الجهنمي ، هو بلوغهم سن التقاعد دون أن يكون لهم حق الترشيح في الترقي بالاختيار ، نظرا لما تعرضت له وضعيتهم الإدارية المفتعلة من التجميد الممنهج .
أما لعبة الامتحان المهني و ما يعنيه في حق هذه الفئة فيكفي أن يطلع ممارسو الإقصاء على تواريخهم الازديادية المحددة لسن التقاعد حتى ترمى أجوبة امتحانهم في سلال المهملات ، تحقيقا لنواياهم البئيسة لهذا الإقصاء الممنهج ، كما خطط له بإحكام ، لا يفكر في صنيعه إلا من تجرد من كل القيم الإنسانية قانونية كانت أو أخلاقية .
ومما يثير الشفقة في تفكير هؤلاء الذين أقصونا من حقنا في الترقية إلى الدرجة الأولى ، بينما أنصفوا بها المجازين أن اتخذوا ـ ربما ـ الإجازة معيارا لهذا التصرف اللامنطقي ، بحكم أننا نحن القدامى لما ولجنا مهنة التعليم الإبتدائي في السبعينات و الثمانينات ، لم تكن الإجازة شرطا أساسيا للشغل في هذا القطاع الحيوي في وطننا الذي أحببناه و ضحينا من أجله بكل ما تطلبته التضحية من نكران للذات ، رغم ما تجشمناه من صعوبات تقتضيها المهنة في الزمان و المكان في ظروف معيشية قاسية تمثلت في بؤس الإمكانيات التي أوجبتها التعيينات القسرية إلى الأماكن النائية في طول البلاد و عرضه في جباله و سهوله حيث لا بنية تحتية متوفرة ولا كهرباء يضيء وحشة الليل ، ولا ماء يروي عطش كل الفصول ولا أجر يغطي تكاليف العيش المصين لكرامة موظف يملك رقم التأجير في لوائح وزارتنا الوصية . إلا أنه في حقيقة الأمر، لا يملك من الحقوق ما يطمئن النفس للشعور بالكرامة التي تجب في حق المعلم ، الذي قيل في شخصه أنه كاد أن يكون رسولا ، لو أنه لم يعش بين قوم احتقروه حتى كاد أن يكون مجرد شيء مسخر إلى حين . وها هو ذلك الحين قد أتى بعد ما يقرب من 40 سنة قضاها في العمل بتعليمنا المأزوم هو بدوره . ولا شيء تغير في حقنا سوى أننا في أول عهدنا بالمهنة كانوا يسموننا ) معلم ( ثم اجتهدت قربحتهم أكثر في التفييء و التصنيف فأطلقوا علينا اسم ) أستاذ التعليم الابتدائي ( . وما بين الأمس و اليوم تلك الطعنة من الخلف عندما وجدنا أنفسنا ـ كأقدم فئة متضررة ـ مشتغلين مظلومين و سنتقاعد مظلومين ، ولا أحد من المسؤولين فكر في إنصافنا سابقا و لاحقا ، رغم ما عبرنا عليه من صرخات و احتجاجات باسم تنسيقية الوحدة و الإنصاف المتأسسة بالرباط بتاريخ 25ـ 3 ـ 2012 و التي من خلالها رفعنا حقيقة بؤس ملفنا بمذكرة مطلبية إلى السيد رئيس الحكومة ووزيره في القطاع . إلا أننا ما زلنا حتى الآن لم نتلق أي تجاوب منهما رغم ما يتم من حولنا من حوارات تبث في ملفات فآت تلقى التجاوب . بينما يظل ملفنا المطلبي نحن القدامى يشكو الإهمال و اليتم ، كما حدث مؤخرا في حوار 25 و 26 يوليوز المنصرم . فإلى متى ستظل نداءاتنا مجرد صيحات في واد سحيق ؟ إنه سؤال يجب أن يفكر فيه الجميع ، خاصة المتضررون و المتضررات كمعنيين بالدرجة الأولى ، لأن الحق يؤخذ و لا يعطى كما تتطلب بذلك سنة الحياة .
وإذ نذكر بكل هذا ، والجميع قلبه معلق بالدرجة الجديدة كحق مطلبي ، في حين نحن قلوبنا معلقة بترقيتنا إلى السلم 11 كحق مكتسب يريدون إسقاطه منا بالتقادم و التقاعد . فيا لها من مفارقات في غياب ديمقراطية استحقاقات الأولويات . هذا هو منطق تنسيقية الوحدة و الإنصاف عندما تناقش و تحاور الأهل و الخصوم .