|
كثير من الناس يغبطوننا على هذه المهنة ..يقولون أنتم أسعد الناس :
ساعات عمل أقل ..أيام عطل أكثر .. لارقيب عليكم من الناس
أما نحن فنعمل صباحا ومساء .. ولنا أيام عطل تعد على رؤوس الأصابع
ودائما تجد المدير المسؤول يتحسس مكتبك ويراقبك من قريب ومن بعيد
قلت لإحدى هؤلاء : تعالي معي يوما واحدا لتري ما يحسدنا الناس عليه
ذهبنا في الصباح ..وكما نعلم الدخول يكون في الثامنة
بدأ التلاميذ يلجون القسم الواحد تلو الآخر : الأول ..الثاني ....ثلاثون ...أربعون ...
ماهذا : كل هؤلاء في قسم ؟
قلت :نعم .
قالت: نحن لنا ابن أو اثنان وبالكاد نستطيع السيطرة عليهم .
قلت : ذلكم ما تحسدوننا عليه
قالت ضاحكة : الحقيقة ..كان الله في عونكم
قلت : آمين وعقبت قائلة :
كيف يمكن لك أن تسيطري على هذا العدد من الناس القادمين من بيئات متباينة :
الفقير والميسور.. الخلوق وسئ الخلق .. الهادئ والمتمرد
والأدهى والأمر من يأتي وهو يقول : أنا لا أرغب في الدراسة ، أنا فقط أتيت لان أمي طلبت مني ذلك.
كيف بالله عليك تستطيعين جمع شتات هؤلاء دون عنف أو طرد التلميذ من القسم أو...
فقالت ثانية :
فعلا أسأل الله لكم العون .. الأمر ليس هينا .
المهم شرعت في الحصة وبينما نحن بصدد شرح الدرس ، إذ سمعنا صراخا وضجيجا ، خرجت مسرعة لأجد احد التلاميذ آخذا بتلابيب أستاذه وهو يسبه بأبشع الصفات .. لم يقف الأستاذ مكتوف الأيدي بل كان يرد باللكمات على " خصمه " الجديد، تدخلت الإدارة وحلت هذا النزاع ليعود كل إلى قسمه .
قلت لها : طوبى لكم ؟؟؟؟؟
قالت : ما هذا نحن في زماننا ماكنا نستطيع إطالة النظر في أستاذنا.
قلت : كان زمان أما اليوم فقد "تطور المجتمع "، وأصبحت قلة الأدب عنوان الرجولة وسبيل إثبات الذات .
قالت والخجل باد على محياها : الحقيقة كان الله في عونكم .
رجعت لإتمام الدرس : وكعادتي سألت في الختام: هل فهمتم الدرس : أجابوا بصوت واحد نعم .
فبدأت أطرح عليهم أسئلة لاختبار درجة فهمهم : ويا ليتني سكتت واكتفيت بنعم .
كالعادة الأيادي القليلة المرتفعة دائما هي التي تجيب .
قلت لهم بامتعاظ : ألم تقولوا جميعا فهمنا ؟؟؟؟؟؟؟؟
قالوا: نعم
قلت : فما المشكلة ؟
:قالوا :لامشكلة
قلت لزائرتي : ماذا تفعلين إذن مع أناس يقولون أنهم فهموا وحين تسأليهم لايجيبون .ويقولوا لامشكلة .
قالت لي : لاعليك أنت شرحت الدرس وأديت مهمتك ، وليفهم من شاء ومن لم يشأ فليتحمل مسؤوليته .
رن الجرس : فجاء بعض التلاميذ يقولون لي : جزاك الله خيرا أستاذتي .. فتحطم جدار الحزن الذي غطى قلبي في نهاية الحصة .. وبددت هذه الكلمات الحانية ما جال في خاطري .
قلت لزائري : لولا الله ثم هذه البراعم والزهور الطيبة لقدمت استقالتي من مهنة المتاعب هذه .
وحين هم القسم الثاني بالدخول ، لمحت زائرتي قد جمعت أغراضها فقلت : إلى أين ؟ لازالت ثلاث حصص أخرى.
قالت وهي تسمع ضجيج التلاميذ متوجهين إلى أقسامهم : اكتفيت .. اكتفيت .. أعانكم الله .
عن أستاذة
في هذا المجال، قال الشاعر المعلم ابراهيم طوقان:
(شوقي) يقول ،ومـا درى بمصيبتي >< قــم للمعلــم وفــّه التبجيــــــــلا
اقعد, فديتك، هـل يكــون مبجـــــلاً >< مـن كان للنشء الصغــار خليـلا..!
ويكاد (يفلقنـي) الأميـر بقولــــــه: >< كاد المعلــم ان يكـون رســــــولا..!
لو جرّب التعليم (شوقي) سـاعـــة >< لقضـى الحيـاة شقــاوة وخمــــولاً
حسب المعلم غمَّــة وكآبـــــــــــة >< مـرآى (الدفاتر) بكـرة و أصيــــلا
مئة على مئة اذا هـي صلِّحــــت >< وجـد العمـى نحو العــيون سبيــلا
ولو أنَّ في التصليح نفعاً يرتجــــى >< وأبيك، لــم أكُ بالعيـون بخيــــلا
لكنْ أُصلّح غلطـة تحــويــة مثلاً، >< و اتخـذ الكتــاب دليـــــــــــلا
مستشهداً بالغـرّ مـن آيـاتــــه >< او بالحـديث مفصـلاً تفصيـــلا
وأغوص في الشعر القديم فأنتقــــي >< ما لـيس ملتبســاً و لا مبــــذولاً
وأكاد أبعث (سيبويه) فـي البلـــى >< وذويـه من أهل القرون الأولـــــى
فأرى (حماراً) بعـد ذلك كلّــــه >< رفَـعَ المضـاف اليه و المفعــــولا!!
لا تعجبوا انْ صحتُ يوماً صيحـــة >< ووقعـت مـا بين البنـوك قتيــلاً
يــا مـن يريد الانتحار وجدتــه >< انَّ المعلـم لا يعيــش طويــــلاً!
|
|
الى الاستاذة الأخت ، السؤال هل فهمتم ؟ ليس بأذاة تقويم للمعرفة أو للمهارة . وشكرا على الموضوع.