الإقرار بإفلاس المنظومة تحصيل حاصل وتحميل المسؤولية للأستاذ وحده قصور في التعليم
المجلس الأعلى للتعليم يجلد المدرسين
الخميس 19 آذار (مارس) 2009 بقلم المحرر
باستثناء رجل مراقبة تربوية، تحفظ عن إبداء رأيه "ما لم يطلع على النسخة الكاملة لتقرير المجلس الأعلى للتعليم"، اتفق جل من استقت "الصباح" آراءهم على أن إقرار تقرير المجلس الأعلى للتعليم، بإفلاس المنظومة التعليمية المغربية هو يمثابة تحصيل حاصل، لأنه "ليس مستجدا، ولا وليد اليوم، بل نتيجة عقود من سوء التسيير والتدبير والفساد والتخبط..."
غير أن الاختلاف مع مضمون التقرير سرعان ما ظهر، حين انتقلنا إلى الحديث عن المسؤول عن هذا الوضع القاتم، إذ اعتبر أحد الأساتذة أن التقرير قاصر، إذ لم يشر، حسبه، إلى كل الأسباب الحقيقية التي كانت وراء الإفلاس، كما تجاهل ظروف اشتغال جل المدرسين، حين حملهم جزءا من المسؤولية، دون مراعاة ظروف عملهم، ولا مدى توفرهم على الوسائل اللازمة، معتبرا أن أغلبهم لم يستطيعوا مواكبة المستجدات على المستوى البيداغوجي، ولم يحسنوا طرق اشتغالهم.
وأضاف آخر قائلا: "لسنا في حاجة إلى من يقول لنا بأن المستوى ضعيف، فنحن أعلم به، لكن من يجرؤ على تحديد الأسباب الموضوعية، دون الإشارة الظالمة إلى المدرس الذي أرادوا تجريمه، رغم أنه والتلميذ ضحية سياسات مملاة عليهما، لا ناقة لهما فيها ولا جمل، سياسات "مرتكبوها" محصنون ضد أية مساءلة، ولا يقدمون أي حساب، رغم ما يقترفونه من اختلالات ونكسات".
وتأسف مدرس آخر لأن المسؤولين،حسبه، يريدون بتقريرهم هذا التملص من مسؤولياتهم، وتعليق أخطائهم، بل إفلاسهم، على الحلقة الأضعف، على أسرة التعليم، تشجيعا منهم للتعليم الخصوصي. سيما لما ذهب إلى القول إن مستوى التلاميذ الذين يتابعون دراستهم في المدارس الخاصة مستوى أفضل، وأنهم حصلوا على نقاط «متميزة».
وإذا كان التقرير عزا الأزمة إلى أسباب متعددة منها "المستوى الضعيف لبعض الأساتذة" فإن أحد مصادرنا اعتبر ذلك من قبيل "طاحت الصمعة، علقوا الحجام"، بينما أكد آخر أن هذه الأزمة تجل آخر من تجليات "فشل الإصلاح"، ونتيجة طبيعية لتجارب فاشلة لا تلامس الواقع، ولم تتوفر لها قط ظروف التنفيذ الملائمة. وبالتالي، فإن "تحميل المسؤولية لرجال التعليم، حسبه، هو من قبيل الرجم بالباطل، لأنه لا يمكن تحميل مسؤولية فشل مشروع لأشخاص لم يشاركوا في إعداده. أشخاص اعتبرهم التقرير "لا يواكبون مستجدات التربية"، رغم أن أغلبهم مطوح بهم في الفيافي والقفار، معزولون عن العالم.
وأكد أحد رجال المراقبة التربوية أن مسؤولية الأساتذة عن هذا الوضع قائمة لا جدال فيها، غير أن من المؤسف، حسبه، هو أن التقرير لم يشر إلى سواهم، هذا مع العلم، حسبه، أن الفعل التعلمي فعل مركب تتداخل فيه عدة عوامل، وأن هؤلاء الأساتذة الذين اتهمهم التقرير ب"ضعف المستوى"، هم أنفسهم إفراز للمنظومة التعليمية التي أتى التقرير لمقاربتها، وهم أيضا من تصر الدولة على منعهم من مواصلة تعليمهم العالي...
ولم يفت أحد الأساتذة التوقف عند "الخريطة المدرسية" التي اعتبر أن لها جزءا من المسؤولية عن هذا الوضع، لحرصها على السيولة في النجاح، بنسبة تناهز المائة في المائة!!! ما جعل معدلات الانتقال تنخفض إلى أدنى المستويات بالابتدائي كما بالإعدادي، هذا ناهيك عن خصاص مهول في الأطر فرض على بعض الأساتذة تدريس ستة مستويات في القسم نفسه، إضافة إلى عدم اهتمام الآباء بدراسة أبنائهم، وصعوبة المناهج، وعدم مواكبتها لمستوى التلميذ... وهو ما يجعل "الجودة" مجرد أضغاث الأحلام.
من تمة، فإن الإنصاف، حسب المصدر نفسه، يقتضي مساءلة المنظومة التعليمية برمتها ومختلف المتدخلين فيها، الذين رغم أن عديدا منهم مسؤول عن إغراق سفينة التعليم، ورغم تجاوزهم سن التقاعد، مازالوا في مواقعهم "يسهرون" على قيادة سفينة الإصلاح!!!
لما سلف، أكد أكثر من أستاذ أن الوضع سيستمر على ما هو عليه، وأن الخطة الاستعجالية لن تغير شيئا، ما لم تتوفر الإرادة السياسية الفعلية للإقرار بفشل الإصلاح، وتحديد المسؤوليات، ومحاسبة الجميع، وفتح حوار وطني، يشمل أكبر عدد ممكن من المهتمين بالقطاع، والمتدخلين فيه مركزيا وجهويا وإقليميا ومحليا، السياسيين والإداريين والتربويين، الرسميين والمدنيين، وإشراكهم إشراكا حقيقيا في التخطيط للإصلاح، وفي تنزيله، وتتبعه، وتقويم اعوجاجه، وتوفير البنيات التحتية والموارد البشرية، والظروف الملائمة لذلك، بما يستجيب لتطلعات الشعب المغربي. مع إعادة النظر في تكوين المدرسين، والبرامج والمناهج، والحكامة على مختلف المستويات، وتعبئة الجميع لإعادة الثقة الجماعية في المدرسة العمومية.
علي بنساعود (عن جريدة الصباح، بتاريخ الأربعاء 18 مارس 2009)
نقلا عن : http://www.tafilaltnews.salifa.com/spip.php?article102