حقوق الطفل في مدونة الأسرة - منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية
تسجيل جديد
أبرز العناوين



مكتب المدير هذا الركن بدفاتر dafatir خاص بمكتب المدير

أدوات الموضوع

الصورة الرمزية chohrore
chohrore
:: دفاتري فعال ::
تاريخ التسجيل: 5 - 1 - 2008
المشاركات: 794
معدل تقييم المستوى: 281
chohrore على طريق التميزchohrore على طريق التميزchohrore على طريق التميز
chohrore غير متواجد حالياً
نشاط [ chohrore ]
قوة السمعة:281
قديم 27-01-2009, 16:48 المشاركة 1   
هام حقوق الطفل في مدونة الأسرة

يرجع اهتمامي بموضوع حقوق الطفل إلى عهد ليس بالقصير، علمياً وجمعوياً، وطنياً ودولياً، كما أخذ مني جهداً ليس باليسير، لذلك فإن ما سأدلي به من آراء وملاحظات هو وليد البحث والاختيار، وعصارة ما استجمعته من تحليلات بمناسبة القمم العالمية والاجتماعية الدولية أو الإقليمية والندوات الوطنية التي عقدت في إطار تعميق الرؤية بخصوص حقوق الطفل، إن هذا العرض سيتضمن محورين اثنين: أولهما محور تشخيصي توصيفي لما تتضمنه مدونة الأسرة متعلقا بحقوق الطفل، وثاني المحورين نقدي يحاول تأويل النص لكشف مايمكن أن ينبه إليه لتجنب أي ابتعاد عن العمق العقدي والتشريعي لما نريد أن تكون عليه العلاقة الأسرية بين جميع المنضوين تحت لواء الأسرة من قريب أو بعيد.
وحين أقول التحليل النقدي فإن ذلك لا يعني أي تقليل من شأن المدونة الجديدة التي هي في رأيي ثورة اجتماعية حقيقية سيكون لها التأثير القوي في التطور الإيجابي للمجتمع المغربي وإرساء أسس جديدة ومتينة للعلاقة بين الرجل والمرأة، مبنية على المساواة والعدل واعتبار الصالح العام، كما سيكون لها بالإضافة إلى ذلك انعكسات على أوضاع النساء في اتجاه وضع حد لمعاناتهن طيلة قرون وقرون من جراء تعسف المجتمع الذكوري عليهن، وبالتالي فإن المدونة ستضبط إلى حد بعيد الروابط النفسية والاجتماعية والتربوية بين الوالدين من جهة، وبين الأبناء من جهة أخرى مما سيبوئ مصالح الأطفال المكان اللائق حتى ننشيء جيلاً متوافقاً مع عصره، يشارك فعلياً في الارتقاء بالبلاد تنفيذاً لتعاليم الإسلام الحنيف ومقتضيات الاتفاقيات الدولية.
فائدة أخرى في المقاربة النقدية للمدونة وهي التعامل مع نصوصها كمادة تشريعية مفتوحة قابلة للتصحيح والتعديل والتجديد على ضوء ما يتحقق من تطور في الفكر القانوني وما يظهر من مستجدات مجتمعية في الواقع المعيش للمغاربة، بهذا المنظور نحقق بالفعل طفرة نحو فتح باب الاجتهاد إعلانا بالخروج من عهد الانحطاط، وإنجاز الخطوات الأولى نحو إقلاعة حضارية نؤسس بها حركة نهضوية وصحوة دينية نؤثث بها المشروع المجتمعي الذي سيتيح للمغرب الالتحاق العاجل بركب التقدم والنماء في ظل نظام سياسي واجتماعي واقتصادي مبني على الاختيار الديمقراطي الذي لامحيد عنه، والذي يتوافق مع عمق عقيدتنا السمحاء.
** المحور الأول: توصيف البنود المتعلقة بحقوق الطفل في نص المدونة
مهم أن يشار في مستهل هذا المحور إلى أن المدونة الجديدة تنطلق من مقاصد عامة تشريعية واجتماعية لن أستعرضها بالكامل، ولكن سأكتفي بمقصد أساسي تنبني عليه كل أحكامها وهو »مبدأ الإنصاف« أي إعطاء كل ذي حق حقه دون ميز في الجنس أو العرق أو الدين، بحيث إن المشرع يستهدف صيانة حقوق الرجل والمرأة والأطفال والأقرباء، أي كل مركبات الأسرة باعتبارها هي الخلية الأساسية والمحورية في المجتمع.
على ضوء هذا المبدأ العام فإن المدونة تتعامل مع الأسرة كوحدة متكاملة، كل عنصر من عناصرها يقوم بدور فاعل لتحقيق استقرارها وسعادتها، فالآباء والأمهات وأولياء الأمر هم رعاة الأطفال الأساسيين، والأطفال هم أمل الأسرة في استمرار النسل والحفاظ على التراث الاجتماعي وبناء المستقبل الواعد. وفي الأسرة كذلك تنجز التنشئة بكل أبعادها الاجتماعية والثقافية والعقدية تنشئة تتوافق مع زمان الأطفال أكثر من زمان الراشدين عملا بالقولة المأثورة عن علي بن أبي طالب »ربوا أبناءكم فقد خلقوا لزمان غير زمانكم« هذا يعني بصريح العبارة أن الطفل له حق على المجتمع في أن يعد إعداداً صالحاً في المنظور المستقبلي أي كما نريد أن يكون عليه في المستقبل، وبالتالي تتحمل الأسرة مسؤولية تجهيز الطفل بما سيحتاج إليه عندما يصبح راشداً.
هكذا يبدو واضحاً الارتباط الوثيق بين حقوق الإنسان التي للمرأة وللرجل وللطفل في إطار الأسرة السليمة المستقرة بحيث أن أي اختلال في بنية الأسرة يؤثر سلبا على الطفل ويعرضه لحالات وأوضاع هشة أو صعبة قد تجعل منه عنصراً منحرفاً يسييء إلى مجتمعه أكثر مما يحسن إليه، يمكن الذهاب بعيداً في هذا التوصيف إلى حد القول بأن الأسرة هي الضامن الرئيسي لحق الطفل أكثر من الدولة وأكثر من القانون، بل وأكثر من الأوفاق أو الاتفاقيات الدولية، إذن نصوص المدونة الجديدة واضحة وصريحة في أن مقصدها المحوري ليس هو الرجل أو المرأة أو الطفل كل على حدة، بل الكل في إطار الترابط الأسري، أو الكل كبنية مركبة، الإخلال بأي عنصر من عناصر البنية قد يؤدي إلى تفكك البنية وانهدام الصرح.
دون الدخول في التفاصيل تتعرض المدونة في مختلف موادها للطفل وحقوقه سواء ضمن الأسرة المستقرة السعيدة أو ضمن الأسرة وهي تتفكك أو حين اختلالها، فمنطوق المادة الرابعة والخميسن يؤكد على ما للأطفال من حقوق على الأبوين، وخاصة حماية حياتهم وصحتهم منذ الحمل إلى حين بلوغ سن الرشد، والعمل على تثبيت هويتهم والحفاظ عليها خاصة بالنسبة للإسم والنسب والجنسية والتسجيل في الحالة المدنية، كما تشير المادة إلى إرضاع الأم لأولادها عند الاستطاعة، واتخاذ كل التدابير الممكنة للنمو الطبيعي للأطفال بالحفاظ على سلامتهم الجسدية والنفسية والعناية بصحتهم وقاية وعلاجا. يضاف إلى كل هذا الحقوق التالية:
ـ التوجيه الديني والتربية على السلوك القويم وقيم النبل المؤدية إلى الصدق في القول والعمل، واجتناب العنف المفضي إلى الإضرار الجسدي والمعنوي.
ـ الحرص على الوقاية من كل استغلال يضر بمصالح الطفل.
ـ تأمين التعليم والتكوين الذي يؤهلهم للحياة العملية والعضوية النافعة في المجتمع، تهييئ الظروف الملائمة لمتابعة الدراسة حسب الاستعداد الفكري والبدني.
ـ في حالة افتراق الزوجين تتوزع هذه الواجبات بينهما بحسب ماهو مبين في أحكام الحضانة )المواد من 165 إلى 170(. ـ عند وفاة أحد الزوجين أوكليهما تنتقل هذه الواجبات إلى الحاضن والنائب الشرعي بحسب مسؤولية كل واحد منهما.
ـ يتمتع الطفل المصاب بإعاقة، إضافة إلى الحقوق المذكورة، بالحق في الرعاية الخاصة بحالته، ولا سيما التعليم والتأهيل المناسبان لإعاقته قصد تسهيل إدماجه في المجتمع.
ـ اعتبار الدولة مسؤولة عن اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم ورعايتها.
ـ النيابة العامة هي الساهرة على مراقبة تنفيذ الأحكام المذكورة.
هكذا ومن خلال المواد المتعلقة بأوضاع الأطفال، الأسوياء وغير الأسوياء، الأصحاء أو المعاقين يظهر أن المشرع المغربي أعطى مكانة هامة لهذه القديمة، ويمكن التنصيص بالخصوص إلى التفصيلات المتعلقة بإبراز حقوق الأطفال إزاء أبويهم، والسماح للأقارب بالتبليغ عما يمكن أن يقع من الإساءة إليهم، سواء في فترة حضانتهم، أو من أجل ترشيح من يقدم عليهم، أو في اقتراح طرق تربيتهم وإدارة أموالهم. مكسب آخر لابد من الإشارة إليه وهو حماية حق الطفل في النسب، في حالة عدم توثيق عقد الزوجة لأسباب قاهرة باعتماد المحكمة البينات المقدمة في شأن إثبات البنوة، مع فتح مدة زمنية من خمس سنوات لحل كل القضايا العالقة في هذا المجال، رفعاً للمعاناة والحرمان عن الأطفال في مثل هذه الحالة.
وينبغي التنبيه هنا إلى أمر على جانب كبير من الأهمية وهو أن أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس أكد في خطابه بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الثانية من الولاية السابعة أن المدونة الجديدة غطت مجمل الحقوق التي وردت في الاتفاقيات الدولية وخاصة الاتفاقية العالمية لحقوق الطفل التي وقع وصادق عليها المغرب، وبذلك يكون قد أنجز المواءمة الكاملة بين القانون الدولي والقانون الوطني في هذا المجال مما يدل دلالة واضحة على التزامه بالمواثيق الدولية.
الحقيقة أن اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها الجمعية العمومية يوم 20 نوفمبر 1989 بناء على القرار 4425 ودخلت حيز التطبيق في شهر شتنبر 1990، لم تكن أول نص من نوعه في هذا الباب، فقد سبق لعصبة الأمم أن صادقت على تصريح حول حقوق الطفل سنة 1924، كما سبق لمنظمة الأمم المتحدة أن أصدرت تصريحا في نفس الموضوع سنة 1959، لكن مقتضيات هذه النصوص كانت مجرد إعلان بالمبادئ، ولم تكن لها قوة الالتزام، لذلك كان صداها جد ضعيف، في حين أن اتفاقية 1989 تلزم الدول التي توقع عليها باتخاذ التدابير لتطبيق مقتضياتها من الأحكام والقواعد. بل الأكثر من هذا أن المنظمة الدولية أسست لجنة عهد إليها بالسهر على تطبيق الاتفاقية وتقييم درجة التواؤم بين القوانين الوطنية وأحكام الاتفاقية المدبجة بالإعلام الصريح عن اقتناع المجتمع الدولي بأن الأسرة هي الخلية الأساسية في المجتمع والوسط الطبيعي الذي يتحقق فيه النماء والعيش الكريم لكل أعضائه وخاصة الأطفال، وتمكين هؤلاء من الحماية والمساعدة التي يحتاجون إليهما كي يلعبوا دورهم الكامل في المجتمع. وفي المحصلة تلزم الاتفاقية بأن يكبر الطفل في بيئة عائلية، وفي مناخ من السعادة والحب والتفاهم بغية التفتح المتوافق للشخصية، من ثمة فإن إطار العمل الذي تحدده الاتفاقية يغطي المناحي التالية:
1 ـ بدء الحياة بداية طبية في بيئة راعية وآمنة تمكن الطفل من البقاء على قيد الحياة والتمتع بجسد سليم وعقل واع وأمن عاطفي واقتدار اجتماعي وقدرة على التعلم.
2 ـ تأمين فرص استكمال التعليم الأساسي.
3 ـ إتاحة الفرصة للمراهقين كي يطوروا بالكامل قدراتهم الفردية في بيئات مؤاتية آمنة تمكنهم من المشاركة الفعالة في حياة مجتمعهم.
محاولة من منظمة الأمم المتحدة لضبط مسيرة الاتفاقية عقدت قمة عالمية ثانية بنيويورك في الرابع من شهر ماي 2002 بمشاركة فاعلة لأطفال العالم، وقد تم في هذه القمة استعراض ماأنجز بعد مرور عقد على الاتفاقية، وما واجهته من صعوبات في التنفيذ، وأفرزت القمة نصا جديدا يكرس أحكام الاتفاقية تحت عنوان »عالم جدير بالأطفال« من أجل تحقيق مصالح الطفل المثلى في إطار من التكامل القائم بين حقوق المرأة وحقوق الطفل كما ورد في خطاب السيد كوفي عنان الأمين العام للمنتظم الدولي بمناسبة هاته القمة.
أكيد أن هذا الاهتمام الفائق بالطفل والمراهق وحقوقهما ليس من قبيل التطورات العادية في العمل الاجتماعي، إنه اهتمام أملته ما يعرفه العالم المعاصر من التقدم الكبير صوب إحلال الديمقراطية السياسية والالتزام بحقوق الإنسان الدينية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وتحقيق اللاتمركز وازدياد دور منظمات المجتمع المدني في الشؤون العامة على الصعيد الوطني والدولي وخاصة المنظمات النسائية والحقوقية.
وفي مجمل القول فإن المغرب بفضل هذه المدونة الجديدة أصبح جاهزا قبل الموعد الذي حددته الأمم المتحدة سنة 2005 لاستعراض التشريعات الوطنية في كافة البلدان لضمان التقييد التام بمعايير اتفاقية حقوق الطفل وبروتوكولاتها الاختيارية والصكوك المرافقة، بل إن المغرب بذلك أصبح يمثل حالة نموذجية من حيث اعتبار حقوق الطفل من معايير تقدم الدول وتحقيقها للحداثة الاجتماعية.
** المحور الثاني: تحليل نقدي يؤول النص
أكيد أن للمدونة الجديدة مميزات تجعل منها طفرة نوعية ستنقل مجتمعنا المغربي من حالة إلى حالة، فهي تحظى بالتوافق السياسي العام كما تجلى ذلك من خلال مناقشة البرلمان لها، وتحظى بالتأييد الشامل لكل مركبات المجتمع المدني، بل وتزكيها جمهرة علماء وفقهاء البلاد من حيث أن مقتضياتها لاتتعارض مع النصوص الإسلامية والثوابت العقدية، وأن المشرع المغربي اعتمد الفقه المالكي، وفي نفس الوقت تفتح على اجتهاد بقية المدارس الفقهية الأخرى إعمالا للمبدأ الفقهي: »حيثما كانت المصلحة العامة فتم شرع الله«. وعليه فإن التناول النقدي للمدونة لن يتصدى لتفاصيل أحكامها وصيغ هاته الأحكام، ولكن سيتصدى للمقاصد التشريعية والجوانب التنظيرية الفلسفية والاجتماعية.
ظن الكثير من القوم أن مدونة الأسرة كنص قانوني كفيلة بأن تطور المجتمع نحو ترسيخ قيم العدالة والمساواة، خاصة بين الرجال والنساء، والحقيقة أن القانون، أي قانون، لايتدخل مباشرة في هذا التطور، بل هو في الحقيقة أداة لضبط العلاقات الاجتماعية، من ثمة فلا قيمة له إلا حين يخترق، من ثمة فإن مصداقية القانون ونقل نصوصه من القوة إلى الفعل مرهونان بإحداث ثورة في الذهنيات والسلوكات، وبالتالي فإن ما نحتاج إليه في المغرب هو توظيف المدرسة والإعلام والثقافة لاحداث النقلة النوعية من الذهنية الذكورية السلطوية إلى ذهنية جديدة تستوعب أحكام المدونة وتجعلها قابلة للتنفيذ، الأمر لا يتوقف عند حد تبسيط المدونة لتستوعبها فئات المجتمع في الحواضر والبوادي، ولكن نشر الوعي العام بها. والأهم من ذلك تفعيل الوعي (conscientsation) في المفهوم الذي يقصده المربي البرازيلي باولو فرير، لسبب بسيط هو أن تفعيل الوعي يدفع بالناس إلى ضبط سلوكاتهم وعلاقاتهم الاجتماعية وفق المقاصد التشريعية التي ترمي إليها المدونة كما سبق أن أشرنا إليه.
من جهة أخرى اعتماد المدونة على المرجعية الدولية يعرضها لنفس النقد الذي وجه من قبل الباحثين الأكاديميين لتلكم المرجعية المتمثلة في اتفاقية حقوق الطفل، والجوهري في هذا النقد هو الإخلال بالجانب التضامني داخل البنية الأسورية من جراء استبداله بمبدأ المصالح الفردية، أي مصلحة الزوج والزوجة والطفل، أصبحت الأسرة ليست علاقات وجدانية تضامنية وإنما هي إطار تعاقدي، ومعلوم أن العقد شريعة المتعاقدين، يجر هذا إلى ترسيخ قيم الفردانية داخل الأسرة بدل القيم الاجتماعية، ذلك من شأنه أن يؤسس نوعا من المصلحية كمعيار للتعايش، وهذا يضفي نوعاً من التوتر والعدائية في العلاقات، هذه سلوكيات تغيب مواقف التسامح والتآزر لتعوض بمواقف المحاسبة والمؤاخذة، وأكيد أن أخطر شيء يهدد أي كيان اجتماعي هو إعطاء الأسبقية للمصلحة الخاصة بدل المصلحة العامة، واستبدال العلاقة الحميمية وقيم التآزر والترابط بعلاقة المساومة.
جانب نقدي آخر لا يقبل أهمية عن الجانب المذكور، ففي الاتفاقية العالمية حول حقوق الطفل كما في مدونة الأسرة هناك إقرار بأن الطفل قاصر، اعتباراً لكون الرشد لايتحقق شرعا إلا عند بلوغ الشخص السن الثامنة عشرة، والقصور يعني أن الشخص لم يكتمل نضجه النفسي والعقلي، والنتيجة أن القاصر لايمكن اعتباره مسؤولا عن أفعاله فكيف تتقرر له الحقوق، ويعهد إليه بالواجبات؟ العجز عن أداء الواجبات مرتبط بالعجز عن أداء إدراك الحقوق والمطالبة بها، نجد تعميقا لهذا المأخذ في كتاب صدر مؤخرا بفرنسا لمؤلفه دومينيك يوف1.
لقد تصدى هذا الباحث إلى مايمكن أن يحدث من اختلالات داخل الأسرة مادامت لم تعد بمقتضي الاتفاقية الدولية جماعة خاضعة للتراتبية بل صارت جماعة أفراد متعادلين لا سلطة لأي فرد على فرد آخر، لم تعد الزوجة خاضعة للزوج، ولم يعد الأبناء خاضعين للأبوين، بل ينظر لكل عضو من أعضاء الأسرة كشريك كامل مما يترتب عليه أن الزواج مثلا لم يعد علاقة لاتنفصم ولكن تعاقدا قابلا للأخذ والرد، وللتفاوض والمراجعة في كل وقت وحين، بناء على منطق الالتزامات كماهو الشأن في العقود التجارية أوالخدماتية.
هنا تبرز مفارقة غريبة وهي أن الاتفاقية العالمية، مثلها في ذلك مثل المدونة تجمع بين منطقين: منطق حمائي باعتبار الطفل قاصراً، ومنطق حقوقي يقوم بالأساس على الاستطاعة والقدرة العقلية، هذا الخلط سيعطي حقوقا للطفل تتجاوز طبيعة العلاقة التي ينبغي أن تكون بين الآباء والأبناء، خاصة إذا لم نعمل على توعية الأطفال بأسلوب يمكنهم من التعرف على الحقوق والواجبات باعتبارهما وجهان لعملة واحدة، إذا من البديهي أن كل حق يقابله واجب، وكل واجب يقابله حق، من شأن تفعيل هذا الوعي أن تتضح الحدود التي لايمكن تجاوزها في العلاقات داخل الأسرة.
هذا النقد الفرنسي يواكبه إلى حد ما النقد الأمريكي للاتفاقية العالمية لحقوق الطفل على أنها اتفاقية تخل بحقوق الأسرة، لذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية، حسب ماصرح به رئيس جمعية أمريكية غير حكومية، لم توقع ولم تصادق لحد الآن على الاتفاقية، يضاف إلى هذا مأخذ يرى في الاتفاقية نوعا من التدخل غير المشروع في موضوعات حرجة مثل الصحة الإنجابية والإجهاض والتربية الجنسية.
إذا رجعنا مرة أخرى إلى مدونة الأسرة لابد من الإشارة إلى أمرين مزعجين قد تكون لهما اثار سلبية من حيث المشروعية والمصداقية، الأمر الأول هو تعدد المرجعيات والأمر الثاني هو السياق العام الذي يحيط بالمدونة، فهو سياق يمتاز بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتأزمة نظرا لضعف السياسة في هذين المجالين، والأخطر من ذلك تهميش الفعل الاجتماعي ـ الثقافي، يكفي كدليل يعزز هذا التوصيف عجز عديد من دول العالم الثالث في المعالجة الناجعة لظاهرتي الأمن والبطالة على سبيل المثال لا الحصر.
لقد سبقت الإشارة إلى أن التحليل النقدي لا يقلل من أهمية المدونة الجديدة، بل إنه ضروري ومهم لكي تبقى نصوص المدونة مفتوحة قابلة للتطور والتعديل والتصحيح والإضافة، من هنا فإن الحاجة ماسة إلى تعويض مرصد حقوق الطفل بمرصد للأسرة تكون مهمته بالأساس تسجيل المعطيات الإحصائية عن الأسرة بكل أبعادها ومركباتها تعطي صورة دقيقة عن مسار التوافق أو عدم التوافق بين المدونة وتحولات الواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، ولم لا تأسيس برلمان الأسرة يضم ممثلين عن الآباء والأمهات والأبناء في حوار بناء يضع مصلحة الأسرة قبل مصلحة أي عنصر من عناصرها، في اتجاه يحول دون حدوث تنافر بين الأجيال قد يتطور إلى قطيعة لاتحمد عقباها.
إن أخطر فخ يقع فيه المشروع هو أن يقنن للمجتمع دون الانتباه إلى الخلفيات الاجتماعية والسياسية والفكرية بسبب ضعف التنظير المعمق، كل تقنين لا ينطلق من طرح السؤال المحوري: أي إنسان نتطلع إليه في القرن الحادي والعشرين؟ أي مجتمع نستهدفه من حيث اختياراته ومنطلقاته؟ يكون تقنينا لايتوافق مع الواقع المعيش، يبقى علينا أن نقول ونكرر بأن القانون ليس نصا مقدساً مغلقاً، إنه نص يقع تحت طائلة المراجعة بتغير وتجدد أحوال الناس ومصالحهم، المهم أن ننتبه في الوقت المناسب لمكامن الضعف التشريعي ونتدارك الأمر وذلك هو المعنى الحقيقي والدقيق للاجتهاد حرصاً على أن لاتضيع مصالح وحقوق العباد، وحتى تترسخ مبادئ العدالة في المجتمع.
المصدر:محمد مصطفى القباج فيhttp://www.nour-atfal.org/pages/index.php?news=206









آخر مواضيعي

0 رشيد نيني: جيل الكاربون
0 مادة الجغرافيا :اليابان قوة تجارية كبرى
0 شاهد على العصر...
0 موسيقى...حكمة...افكار تربوية رائعة جدا
0 10 وصايا للسعادة الجنسية
0 سؤال وجواب في التربية الجنسية
0 انت مع او ضد الغاء معيار الاقدمية ...
0 الاقدمية في الدليل والمذكرة 04
0 اطروحة في التاريخ:دولة بني مرين....
0 شجرة التفاح...ياناكر المعروف


driss972
:: دفاتري ذهبي ::

الصورة الرمزية driss972

تاريخ التسجيل: 12 - 10 - 2007
السكن: khénifra
المشاركات: 1,202

driss972 غير متواجد حالياً

نشاط [ driss972 ]
معدل تقييم المستوى: 327
افتراضي
قديم 27-01-2009, 20:06 المشاركة 2   

مشكور أخي الكريم على الموضوع الهام و الشيق

ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مدونة, الأسرة, الطفل, حقوق

« متى يفرج عن هواتف مديري تارودانت؟ | السكن الاداري »

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حقوق الطفل ferrari3636 دفاتر أساتذة و تلاميذ التعليم الإبتدائي 2 27-06-2009 12:26
حقوق الطفل hadifi60 الأرشيف 1 02-11-2008 18:09
مقتضيات القانون رقم 70.03 بمثابة مدونة الأسرة youssef111 دفـتـر التشريع الإداري و التسيير التربوي 3 25-07-2007 09:10


الساعة الآن 16:17


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر تربوية © 2007 - 2015 تصميم النور اونلاين لخدمات الويب المتكاملة