جمعية الأفق الثقافي نموذجا
أبو نضال (الجرف)
بدءا لابد من الإشارة الى أن تأسيس جمعية الأفق الثقافي، بمنطقة الجرف بتاريخ 14 أبريل 1992، لم يأتي نتيجة مبادرة ذاتية لمجموعة من الرفاق، بل هو استجابة موضوعية لمرحلة تاريخية دقيقة عرفها المجتمع المغربي ككل، أعتبرت من أخصب الفترات في الإبداع الفكري الخلاق، لما نتج عنها من تأسيس لتصور وفهم جديدين بخصوص التعامل مع المنظمات الجماهيرية بشكل يحفظ استقلاليتها، ولا يحرم الفاعلين السياسيين الحقيقيين من التأثير فيها والتعامل معها بهدف تجديدها وتطويرها. فتطلبت هذه العملية مقاربة عملية ورؤية نقدية تتجاوز الدوغمائية والتحجر من جهة أولى ونزعة الحياد من جهة أخرى.
وسأتوقف هنا لوضع السؤال التالي: هل استجابت جمعية الأفق الثقافي منذ تأسيسها لمنطق هذه المقاربة؟
ليس في هذا السؤال سؤال، بل إن فيه جوابا بنعم ضمنيا، وعملت على صياغته في شكل سؤال، لما أردت له من التأكيد، ليتأكد في نظرنا على الأقل أن ميلاد الأفق الثقافي يقوم على أساس المساهمة الفعلية في عملية تغير حقيقية في الحقل الثقافي. وهذا ما يفسر رفع الجمعية لشعار"من أجل ثقافة جادة وهادفة".
هذا المشروع الثقافي الذي صارع ولا يزال يصارع من أجله من صمدوا أمام إغراءات الحياة، عبدت له الطريق مجموعة من التصورات منها:
التصدي للسيطرة الفكرية والآراء الرجعية السائدة في المجتمع.*
* الوقوف في وجه الصعاب لإعلان الصرخة التي ترفض أن يجرفها السيل القذر الذي يحاول أن يفرغ كل ثقافة مقاومة من مضمونها الحقيقي.
النضال ضد الأفكار والآراء الرجعية السائدة في المجتمع. *
إن هذه التصورات التي كانت تتويجا لحوار دائم ومفتوح أساسه النقد والنقد الذاتي بين الأطر الفاعلة في الجمعية، هي التي مكنت من تمييز الجمعية محليا ووطنيا. وهي التي ساعدت على زرع تقاليد جديدة ومتطورة في تربة تغلب عليها العناصر المعرقلة. إن أهمية عمل الجمعية يتمثل في كونها ربطت بين جدلية الفكر الثقافي والواقع، وكونها لم تبق سجينة تقاليد نخبوية متجاوزة. وانطلاقا من هذه الوحدة عملت الجمعية على تكسير الصمت الذي كان مفروضا في الساحة الثقافية محليا على الأقل، وطرحت أهم الإشكالات في ميدان الثقافة والفكر: فلسفة، أدب، تاريخ، فن...، وأعطت الفرصة للمثقفين الديمقراطيين للتعبير عن آرائهم ومواقفهم فيما يتعلق بماضي وحاضر ومستقبل وطنهم، ومنحت الفرصة للأوسع الجماهير لمناقشة هذه الآراء والمواقف وإعطاء رأيهم فيها. وأعطت الفرصة لأبناء المنطقة لإيصال إنتاجاتهم وأعمالهم الفنية الى الجماهيرية....لم تتناول هذه الممارسات مواضيع من خيال الجمعية، بل إلتحمت والتصقت بالواقع المعيش: مشكل الهجرة، قضايا المرأة، التخلف، شعر، أمثال شعبية، الثقافة الوطنية، نضالات الشعوب وعلى رأسها نضال الشعب الفلسطيني ضد الصهيونية.... .
لم تكن فقط هذه المواضيع الحية هي التي ميزت عمل الجمعية، بل أساليبها. اعتماد جماهيرية العمال الثقافي، بحيث لم تنحصر الأنشطة المختلفة في دوائر مغلقة بل تحولت الى أسابيع ثقافية يحضرها المثقفين وغير المثقفين، ونذكر أن ما ميز عمل الجمعية أيضا هو اعتمادها لوسائل إعلامية: معارض- ملصقات...رغم بساطتها إلا أنها كانت معبرة.
إنما ممارسات تتسم بدينامية وفعالية لامجال للشك فيها، ولكن هذه الممارسات بدلا من ان تتجدد وتتطور في اتجاه ترسيخ الثقافة الجادة والهادفة كإستراتيجية عامة للجمعية، أصابها نوع من الشلل في السنوات الأخيرة، الشيء الذي أدى بالجمعية الى أزمة على مستوى ربط التصورات والمشاريع بالعمل والممارسة. وتتمثل هذه الأزمة عموما في نقطتين جوهريتين:
تقلص جماهيرية الجمعية * تدهور الجانب الكيفي للعمل الثقافي*
إن العوامل التي أدت الى هذه الوضعية متراكمة ومتداخلة، منها ربما ما صاحب ولادة الجمعية، ومنها الأهم ما هو مرتبط بأخطاء الممارسة.
لقد أصبحت الجمعية تبعا لمنطقها الداخلي ضحية صراع بين نظرتين مختلفتين الى العمل الثقافي. نظرة شاملة تحاول أن تستوعب الشروط التاريخية والاجتماعية والنفسية، التي تكون المكبوت الثقافي لأبناء المنطقة قصد تفجيره وتحويله الى طاقة معركة في اتجاه التغير، ونظرة مختزلة تحصر الثقافة في ممارسة نرجسية تفضل مخاطبة الذات الممزقة والمتمردة بين رواسب أدب مدرسي ، وطموحات شخصية. وبما أن النظرة الثانية لاتحتاج الى بذل مجهود كبير لتبنيها نظرا لطابعها الاختزالي ذاته، وبالتالي لن أعمل على توضيحها لأنني إن قمت بذلك سأسقط في متعة: اللعب والتسلي، وسأقارع أصحابها أي: خصومي... وهم مهزومون باختلافهم.
ونظرا للمنطق الجاد الذي يحكم النظرة الأولى لأن فيها يحاول الفكر إنتاج معرفة يطمح لها أن تكون فاعلة في صيرورة عمل الجمعية. سأعمل على تقديم العوامل الحقيقية التي حالت دون فرض هذه النظرة كتصور شامل في توجيه عمل الجمعية .
أ- تجميد الكثير من الفعاليات الفردية لنشاطها داخل الجمعية غما نتيجة انتقالها بعيدا عن المنطقة بسبب ضغوط اجتماعية من جهة أولى، ومن جهة ثانية وهذا هو الهم في نظرنا. الرفض القاطع للتوجه الذي أصبح يحكم مسار الجمعية (التوجه التنموي).
ب- المستوى الامتكافىء للقدرات الفكرية والنضالية للأعضاء العاملين داخل الجمعية، الشيء الذي أفسح المجال لممارسة ديمقراطية شكلية- كمية على حساب المبدأ أو الكيف، وبالتالي تمرير تصورات وممارسات متخلفة باسم الأغلبية. (لم يجتمع المجلس الإداري الذي له مسؤولية التقرير إلا مرات محدودة عكس اجتماعات المكتب).
ج- فوضى في تسيير ميزانية الجمعية وعدم الاستفادة منها في تطوير وتجديد الأنشطة الثقافية والإعلامية والتوثيقية: هذا في الوقت الذي تعرف فيه الجمعية انخراطا كليا في مشروع "تنموي" كبير على المستوى العائدات المادية اسمه <<محو الأمية>>، وفي نظرنا الطريقة التي يتم بها تنفيذ المشروع لاتتماشى مع الرؤيا الديمقراطية والتقدمية للجمعية.
أما بالنسبة لمشروع النقل المدرسي الذي راهن عليه كل من ساهم في إخراجه الى الوجود ليشكل إضافة نوعية للأهداف الجمعية، أصبح يستعمل في أنشطة مع إطارات بل وجهات تتناقض مع الرؤية التقدمية للجمعية، والمبرر دائما هو العجز المالي. على قاعدة هذا الفهم إننا سنحتفل كلنا بمنطقة الجرف بميلاد "أفق" جديد اسمه" الأفق التنموي".
د- ديلية العمل الثقافي الحالي، لمنصق العلاقات الاجتماعية.
ﻫ- تحول مقر الجمعية من أداة للعمل الثقافي.
تنظيم الموائد المستديرة + الحلقـــــات التكوينيــــــة
تنسيــــــق عمـــــل اللجـــــــــــــان
عمل المجـــــــــلس الإداري
عمــــل المكتــــــب
الى نادي لتفجير طاقات الباب "المنخرطين" المراهقين بطريقة عفوية، وفوضوية، وهذه المسألة ليست نتاج أخطاء هؤلاء الشباب بل هي نتاج
فوضى عامة تعرفها الجمعية نتيجة وجودها حاليا بين مفترق طرق بين العمل الثقافي والتنموي على حد تعبير أحد الرفاق الرافضين لهذه الوضعية أيضا.
إن هذه الوضعية العامة التي آلت إليها الجمعية، تستدعي التدخل المسؤول والسريع، من اجل استمرار انطلاقة الانطلاقة، واتخاذ إجراءات كفيلة للإعادة الحركة والحيوية إليها. وأول هذه الإجراءات: التفكير الجدي في أشكال تنظيمة جديدة تمكن من ترجمة التصور الديمقراطي الى فعل ايجابي وحقيقة ملموسة. طبعا مع الاستفادة من الإرث التنظيمي وذلك بإخراجه من أرشيفها. أما على المستوى الثقافي يجب ان يكون عملنا وحدويا على أساس برنامج محدد يتمحور حول النقاط الرئيسية التالية:
أ- بلورة وتطور عمل جماعي وممارسة فعالة أساسها المادي متمثلا في قاعدة متحركة مهتمة ومشاركة تنقسم الى لجان مختلفة، ومثقفين حقيقيين يوجهون عمل الجمعية في اتجاهين رئيسيين: البحث العلمي/ والتثقيف الجماهيري.
ب- العمل من أجل تحرر أبناء المنطقة من أشكال الاستلاب الفكري والثقافي وفضح القهر الطبقي.
ج- محاربة الفكر الظلامي.
د- نشر الثقافة التقدمية في الوسط أوسع الجماهير والتعريف بها، بوسائل تكون في المتناول من أجل استيعابها.
إن ممارسة مثل هذه الأشكال من الصراع وحدها الكفيلة لاستيعاب جدلية إعادة الإنتاج، التغير في الحقل الثقافي، ووحدها الكفيلة بإخراج أبناء المنطقة من المتاهة والتهميش الى الفعل والصراع الواعي ذي البعد التاريخي. وأتوقف في النهاية للتأكيد أن هذه الأفكار تبدوا قولا تعسفيا، وهي كذلك إذا نظرنا إليها بمعزل عن الوضع الحقيقي للجمعية.
أبو نضال (الجرف)