ارتفاع نسبة العزوبة والعنوسة في المغرب
لا تفارق الحيرة محيا فاطمة، هي في سن الثلاثين لكنها لم تجد نفسها بعد في حضن عش الزوجية. نظرات الأهل والأقارب تلاحقها في كل مناسبة، وإن كانت لا تبالي بذلك مادامت ليست الوحيدة من بنات وأبناء جيلها الذين اختاروا أو أرغموا على العيش دون رابطة زوجية رغم تقدمهم في السن.
ليس وضع فاطمة شاذا في مجتمعنا، ذلك ما أكدته دراسة للبحث الوطني الديموغرافي الذي تم بين سنتي 2009 و2010، والتي خلصت إلى نتيجة واحدة، وهي أن المغاربة يتزوجون في سن متأخرة، ويشمل ذلك الرجال أكثر من النساء.
الدراسة، التي نشرها المندوبية السامية للتخطيط مؤخرا، بينت أن كثيرا من الشابات والشباب على غرار فاطمة يعيشون حياة العزوبية. بالرغم من النقاش الدائر حاليا عن تزويج القاصرات، لكن الدراسة كشفت أن التسعين في المائة من الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 15 و19 سنة هن عازبات، وإن كانت نسبة مهمة منهن يتزوجن مباشرة بعد بلوغ السن القانوني. الفتيات اللواتي تفوق أعمارهن الثلاثين سنة أيضا يعشن حياة العزوبية بشكل أكبر، وثلاثة أعشار منهن يبقين على تلك الحالة حتى بعد أن يفوق سنهن الخمس والثلاثين سنة. كل تلك الأرقام تعكس التوجه العام لدى فئة الشباب المتميز بتراجع سن الزواج لديهم منذ السبعينيات.
بالنسبة لمعدي الدراسة التي شملت 105 آلاف أسرة، فإن الأمر لا يتعلق بالعدول عن الزواج المبكر، كما هو حال فاطمة والآلاف من الشباب والشابات، بل بتمديد في فترة العزوبة. ذلك ما بدا واضحا مما يسمى «نسبة العزوبة النهائية». فخلال سنة 2010 سجل في صفوف الأشخاص البالغين خمسين سنة ما يعادل 5,9 بالمائة و6,8
النساء. مما يوضح أن المضربين عن الزواج بالمغرب في ارتفاع مطرد.
ليست فاطمة الوحيدة من بين قريناتها التي مازالت تعيش حياة العزوبية، فالأرقام بينت أن متوسط السن عند الزواج ارتفع لدى النساء إلى 26,2 سنة، في المقابل وصل لدى الرجال 31,4 سنة، وذلك بتأخر تسع سنوات وخمس سنوات بالنسبة للجنسين على التوالي مقارنة مع ما كان عليه الأمر في بداية الستينيات.
من سوء حظ قرينات فاطمة الموظفة بمؤسسة خاصة بالدار البيضاء، أنها ككل اللواتي يعشن في الوسط الحضري ارتفع سن زواجهن الأول. فالفتيات في الوسط الحضري يصل متوسط زواجهن الأول إلى 27,4 سنة، فيما القرويات أكثر حظا منهن، حيث يصل سن الزواج في صفوفهن إلى 25,6 سنة، بينما يصل في صفوف الذكور إلى 32,5 سنة في المدن وإلى 30 سنة في القرى.
ليس الإضراب عن الزواج هو الخلاصة الوحيدة التي توصل إليها البحث الوطني الأخير، بل أيضا كشف أن الزواج من الأقارب في انخفاض، فخمس الأشخاص غير العزاب تزوجوا للمرة الأولى بأحد الأقارب، لكن النسبة مازالت مرتفعة في القرى والبوادي عن ما هي عليه في المدن والمراكز الحضرية.
نتائج البحث أوضحت أيضا أن نسبة النساء اللواتي أنهين زواجهن الأول بالطلاق ارتفعت من 10,5 في المائة إلى 15,2 في المائة منذ 17 سنة. والخلاصة أن الطلاق هو أكثر شيوعا خلال الفترة الحرجة وهي السنوات الأولى من الحياة الزوجية (أي أكثر من 30 في المائة) لينخفض كلما طالت مدة الزواج، ويصل إلى معدلات متدنية بعد 20 سنة من الزواج. إنهاء الزواج الأول لا يعني البقاء في وضعية طلاق نهائي، فالدراسة بينت أن الزواج من جديد عند النساء في انخفاض مقارنة مع الذكور، سواء بالقرى أو المدن.
إضراب فاطمة وغيرها من الشباب والشابات عن الزواج في نظر الدراسة، مؤشر على تحولات بنيوية يعيشها المجتمع المغربي، تلك متغيرات أثرت بشكل كبير على مسلسل الانتقال الديموغرافي وعلى استقرار المؤسسة العائلية. فعدد أفراد العائلة في تراجع مستمر، وانتقل من سبعة أطفال لكل امرأة في الستينيات إلى طفل واحد لكل امرأة حاليا. الخصوبة في الوسط القروي (2,70 لكل امرأة) مازالت فوق عتبة تعويض الأجيال، لكن انخفاضها يوحي بالتوجه نحو السلوك الإنجابي بالوسط الحضري، وإن كان الإضراب الاختياري أو الاضطراري عن الزواج قد يصبح شبحا يلاحق الأجيال المقبلة.
أوسي موح لحسن الاحداث
<img alt="" height="1" width="1">