بعد خروج المرأة للعمل وتركها لمنزل الزوجية، ظهرت العديد من الإشكاليات، منها على سبيل المثال وليس الحصر "راتب الزوجة"، حيث ثارت حوله الخلافات، وتعددت الآراء بين مؤيد لحق الزوج في راتب زوجته تحت وطأة الفقر والظروف الاقتصادية السيئة، وبين آخر يعارض، فالزوج هو المنوط بالإنفاق، وإلا فما معنى القوامة؟.
استطلاع راتب الزوجة.. سؤال للأزواج
في هذا الإطار أجرت شبكة إسلام أون لاين.نت استطلاعا إلكترونيا يوم 8-1-2007 بعنوان: "راتب الزوجة.. سؤال للأزواج"، للتعرف على موقف الرجال المتزوجين تجاه راتب زوجاتهم من خلال طرح السؤال التالي: كيف تتعامل مع راتب زوجتك؟ وكان هناك ثلاثة خيارات: (أتسلمه أول كل شهر- أقتطع منه ما يحتاجه المنزل- لا أقترب منه أبدا).
أظهرت نتيجة الاستطلاع الذي استمر ثلاثة أيام، وشارك فيه 3711 صوتاً، أن أعلى نسبة (67.02%) جاءت في صالح من "لا يقترب من راتب زوجته أبدا"، وتلاه الاختيار "يقتطع منه ما يحتاجه المنزل" بنسبة 19.46%، في حين كان من "يتسلمه أول كل شهر" بنسبة 13.53%.
قوامة الرجل
تحليلا لنتيجة الاستطلاع ومدى مصداقية الأزواج الذين لم يقتربوا من راتب زوجاتهم أبدا! يقول د.أحمد عبد الله المستشار الاجتماعي للنطاقات الاجتماعية: إن الاستطلاعات والاستبيانات على مستوى العالم العربي غير دقيقة ومزيفة، ولا تعد دليلا قطعيا لدراسة ظاهرة اجتماعية، ومن ثم فنحن لا نعول عليها كثيرا.
ولكن إذا رجعنا لأصل قضية الإنفاق نفسها فسنجد أن هناك عدة بنود أولها: موقف الشريعة الإسلامية، والشريعة أحكام وأوضاع، إذا كان الوضع مناسبا تحقق الحكم، وإذا لم يكن يصبح هناك مجال لقول آخر. وفي الحالة التي نحن بصددها فإن الشريعة تنص على قوامة الرجل إلا أن الوضع الاقتصادي الحالي لا يسمح بذلك، بل أصبح عائقا أساسيا أمام قدرة الرجل على فتح منزل بمفرده، وبناء عليه أصبح من الصعوبة تحقيق حكم الشريعة على أرض الواقع.
ومن ثم يصبح الاتفاق بين الزوجين هو الحل الواقعي المقبول في ظل غياب الأصل في الشريعة وهو قدرة الرجل على الإنفاق بمفرده على المنزل بسبب الوضع الاقتصادي السيئ.
وبقراءة سريعة للواقع الفعلي الذي نعيشه في ظل غياب الوضع الشرعي والاتفاق الفعلي بين الأزواج نجد هناك حالة من الفوضى، فالناس غير قادرين على مصارحة أنفسهم بالحقيقة، والرجل يتحرج من اعتماده على راتب زوجته، فيتجه إلى التفريق بين كونه لا يأخذ من راتب زوجته بنفسه أو لشخصه (لا أقترب منه أبدا) وبين كون زوجته تعتمد بنفسها- بعلم زوجها أو بدون علمه- على راتبها في الإنفاق على بعض الأمور الأساسية بالبيت.
نستطيع القول إنه إذا لم تعد الأسس السابقة صالحة، والأصل في الشرع غير متوفر، فلا يتحرج الزوج من مشاركة زوجته له، فلم يعد أمامه طريق آخر، ويصبح الأساس في حل القضية هو الاتفاق بين الزوجين على كل شيء.
الشفافية أولاً
من ناحية أخرى لاقت ساحة حوار تم فتحها على شبكة "إسلام أون لاين.نت" يوم 24-12-2006 حول نفس الموضوع بعنوان: "هل أساعد زوجي بمالي؟" تجاوبا ملحوظا، حيث بلغ عدد المداخلات أربع عشرة مداخلة، وإن أظهرت تباينا في الرؤى. جاءت ساحة الحوار كرد فعل لمشكلة تم نشرها في نطاق مشاكل وحلول الشباب بعنوان: "أنفق مع زوجي.. هل أخطأت؟" حيث تشكو السيدتان من نفس المشكلة، تتساءل صاحبة الاستشارة "هل أبقى كما أنا كلما يحتاج زوجي يجد عندي اللازم ماديا؟"، أما صاحبة الساحة فتقول: "أساعد زوجي ماديا، ولكن ماذا لو أعتمد زوجي على مساعدتي، وأصبح اتكاليا لا يبذل الجهد ليحصل على المال معتمدا علي؟".
وفي إحدى مداخلات ساحة الحوار، يقول من سمى نفسه "الشفافية": "لا أدري لماذا أشعر أننا نعقد حياتنا بأنفسنا، بكل بساطة، وضحي له أن المال مالك، وأنت حرة فيه من الأساس، أي ازرعي هذه الفكرة في عقله حينما تعطينه من مالك".
عبد القادر خليف صاحب المداخلة الثانية أثار جدلا على الساحة حينما قال: "إذا كان مالك هذا ناتجا من عملك- أي وظيفة تستقطع منك ساعات خارج بيتك براتب- فإن هذا المال بهذا الشكل ليس مالك وحدك، بل إنه مشاركة بينكما حيث يوضع مرتبك على مرتبه، ويتم تصريفهما بناء على رؤيتكما المشتركة، وإذا حدث أي خلاف فإن رأي الرجل يكون هو الراجح؛ لأن له القوامة".
ترد إحدى الزائرات مستنكرة كلام عبد القادر فتقول: "يعني يا أستاذ عبد القادر تقصد أني أشتغل في البيت وخارج البيت، في البيت أم وزوجة وعاملة خارج البيت، وفي نهاية الشهر أسلمه الراتب، أليس هذا ظلما؟!".
ويقول سميح النقاش: أنا مع رأي الشيخ جزئيا: "فعمل المرأة يكلف البيت مصاريف زائدة، كما يحمل الزوج متاعب نفسية زائدة، كحالة وظروف عمل زوجته، وظروف تربية الأبناء. وأرى أن الزوجة يجب عليها أن تساهم في مصاريف البيت... ولكن لا أتوافق معك يا شيخ في أن راتبها كله لزوجها أو له التصرف فيه مطلقا في حالة الخلاف، إنما أظن أن عليهما أن يتفقا على مساهمة كل منهما في مصاريف البيت، وهناك رأي للشيخ القرضاوي يقول فيه بوجوب مساهمة الزوجة العاملة في مصاريف البيت، وقدر مساهمتها بالثلث".
شهامة المرأة الشرقية
راتب الزوجة يتقاسمه المجتمع والشرع
في مداخلة أخرى يؤكد "ayman_shaban" أن: المرأة العربية معروفة بشهامتها ووقوفها بجوار أفراد أسرتها، فإذا كانت المرأة تتحصل على راتب جيد، وشعرت أن زوجها -شريك العمر- غير قادر على تحمل كافة تكاليف الحياة، فلماذا لا تبادر هي بتقديم المساعدة؟، ليس من سبيل الإحسان، ولكن أنا أرى أنه فرض في هذه الحالة، فالمرأة الذكية هي التي تتلمس ذلك بسهولة، مع العلم أن القليل من الرجال هم الذين يستغلون زوجاتهم، والمرأة حتى لو كانت غبية -عذراً- يمكنها أن تعرف ما إذا كان زوجها يستغلها أم لا، ولذا عليها أن تأخذ كل الحذر في التعامل معه.
من جانبها تقول د.نعمت عوض الله مستشارة النطاقات الاجتماعية ردا على مشكلة "أنفق مع زوجي.. هل أخطأت؟: ساعديه يا ابنتي، ولكن بقدر معقول محسوب، على أن تشعريه أنك كلك ملك يمينه، وهذا هو آخر ما تملكين، ستقولين: هذا كذب، الكذب مباح بين الزوجين للحفاظ على البيت، إذا اعتبرناه كذبا، ولكني أعتبره تربية لرجل ما زال يفعل ويسعد أن يستضيف حياته على حساب غيره بكل شهامة".
اختلف الفقهاء
ويعلق د.أحمد عبد الله قائلا: موضوع الإنفاق واقتصاديات الأسرة من أهم جوانب الحياة الزوجية، والأصل أن الله -سبحانه- لما يعلمه من صعوبة مهمة التربية وتدبير الشئون الداخلية للأسرة؛ فقد أوجب على الأب كفالة ابنته حتى تتزوج، فتنتقل كفالتها إلى زوجها، ليس لأن الأنثى لا تستطيع أن تعول نفسها، ولكن ليمنحها الفرصة كاملة لتستعد لدور الأمومة، وإدارة البيت، ثم لتمارس مهمات هذا الدور بنجاح بعد زواجها.
اتساقًا مع هذا فليس للرجل أي حق في مال المرأة الذي ورثته، أما راتبها من العمل فمسألة أخرى اختلف فيها الفقهاء: فمنهم من قاسها على الأصل السابق بما لا يجعل للرجل فيه حقًّا، ومنهم من رأى فيها مسألة مستحدثة تستقطع فيها المرأة جزءًا من الوقت المخصص أصلاً لرعاية البيت؛ لتقوم بأداء هذا العمل، وهو ما يرتب حقا ما على خروجها هذا.
نحن نقول: إن الأصل في إدارة شئون الأسرة سواءً في الاقتصاديات أو في غير ذلك إنما يقوم على الثقة والفضل (وَلاَ تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)، وفي إطار هذه الثقة، وفي ظلال هذا الفضل نتوقع من الزوجة أن تساهم بمقدار معقول تقدّره هي حسب ظروف البلد، وحسب احتياجاتها الأخرى التي تقوم بقضائها من ملبس وغيره باتفاق مع الزوج، وإذا كنا نرى أن العمل المناسب -الذي لا يجور على حق البيت والأسرة- هو مكسب حقيقي للمرأة وللأسرة وللمجتمع؛ فإننا في الوقت ذاته نرفض أن يكون هذا العمل مدخلاً لإحداث الخلل في بنية الأسرة، ويحدث هذا الخلل حين يغيب الحوار بين الزوجين حول مسائل الحياة، ومنها النفقة.
وفي الغالب فإن الرجل الكريم القادر لا يطلب من زوجته مالاً ينفق منه على البيت، وكذلك فإن المرأة الكريمة القادرة لا تنتظر تنبيهًا من أحد يدفعها إلى أن تساهم في نفقات الأسرة؛ لأن هذا الكيان المشترك الذي يتكون من الأب والأم والأطفال- صغروا أم كبروا- مسئولية مشتركة، تقوم فيها المرأة بالدور الأكبر في الرعاية والتربية، وتساعد ببعض المال بحسب الظروف والأحوال، مع أن الأصل الذي نميل إليه هو أن الرجل هو المسئول عن الإنفاق بشكل كامل -على قدر دخله- ولو كانت زوجته ذات مال، والله أعلم.
ليلى حلاوة
محررة في النطاقات الاجتماعية بشبكة إسلام أون لاين.نت
أترك لكم المجال إخواني لإبداء أرائكم راجية منكم الوضوح و الصراحة