التربية و الديمقراطية و علاقتهما بالمؤسسة التعليمية
في هذه الكلمة الوجيزة سأتجنب اقتراح أي تعريف للمفهومين: التربية و الديموقراطية لأن اقتناعي كبير بأن هذه العملية ستكون بلا جدوى مادام أن الكل له تصور خاص به يتعلق بالمصطلحين؛ وسأكتفي بالتعرض للعلاقة الحاصلة بينهما و المؤسسة التعليمية.
لا يستقيم الحديث عن التربية دون الإشارة إلى المدرسة و دورها في تربية النشء و تعليمه؛ كما لا يستقيم الحديث عن التربية من خلال زاوية ضيقة. ففي نظام التربية و التكوين بالمغرب تم اعتماد مداخل جديدة لم تكن حاضرة سابقا بشكل واضح قبل إنجاز ميثاق التربية و التكوين.
إن الصورة القاتمة التي يتخبط فيها نظامنا التعليمي التربوي فرضت و بشكل ملح الرجوع إلى التشبع بالقيم الدينية و الإنسانية و تبني التربية على القيم الكونية التي تنظم الحياة اليومية العامة و الخاصة و تضبط السلوكات و ليس هناك أفضل من المدرسة لتمرير هذا كله و تفعيله و تحقيقه على أرض الواقع. فالمدرسة باعتبارها مجتمعا مصغرا تعيش فيه ناشئتنا و تتشبع و تتلقى كل ما يعمل المدرسون على تمريره لها من القيم الدينية و الإنسانية من خلال البرامج الدراسية التي تقترحها الوزارة الوصية قصد انعكاس تلك القيم على الناشئة سلوكيا في شبكة تواصلية متشعبة. من هذا المنطلق يمكن استنتاج قوة العلاقة القائمة بين المؤسسة التعليمية و المفهومين: التربية و الديمقراطية. و تستمد المدرسة قيمتها في المجتمع من كونها مركز إشعاع و عنصر من عناصر التنشئة الاجتماعية.
يعول على المؤسسة التعليمية بالمغرب أن تلعب عدة أدوار و تقدم لزبائنها مختلف التربيات و يظهر جليا مدى تعثرها في تأدية تلك الأدوار ففاقد الشيء لا يعطيه. إن التفكير في جعل المؤسسة التعليمية بالمغرب ـ في غياب مؤسسات أخرى شعر الغرب بضرورة تواجدها ـ المحور الرئيسي و الأساسي بدون منازع لتمرير كل ما ينبغي تمريره بشكل من الأشكال يصغر من حجمها و يقزم عطاءها و يشل جودتها.
إن الأدوار التي تجد المؤسسة التعليمية نفسها مرغمة على تأديتها صارت أقوى منها و أكبر فلم تعد المدرسة مكانا لتلقي المعارف بغلاف تربوي بل أريد منها أن تكون مرتعا للتربية و التعليم في شموليتهما لذلك نص الميثاق بشكل صريح عن ضرورة العمل على التربية على القيم بما فيها الديمقراطية و جاءت المذكرة الوزارية رقم 87 التي تدعو كافة الفاعلين التربويين إلى تفعيل أدوار الحياة المدرسية لدعم مشروع الميثاق
الوطني للتربية والتعليم، فركزت على مايلي :
• التشبع بمبادئ الإسلام السمحة وقيمه الرامية إلى تكوين المواطن المتصف بالاستقامة والصلاح، والمتسم بالاعتدال والتسامح.
• تكريس حب الوطن، والتربية على المواطنة والمشاركة الإيجابية في الشأن العام لبلده.
• الاعتزاز بالهوية الوطنية بكل أبعادها الحضرية والتفاعل بانسجام وتكامل وتفتح مع القيم الإنسانية الكونية.
• التشبع بمبادئ المساواة وبروح الحوار وقبول الاختلاف، وتبني الممارسة الديموقراطية، واحترام حقوق الإنسان وتدعيم كرامته.
• امتلاك ناصية العلوم والتكنولوجيا والإسهام في تطويرها.
يفهم من مضمون هذه المذكرة أنها تلح على المؤسسة التعليمية أن تقوم بكل تلك الأدوار لتعطي لنا في آخر المطاف مواطنا نموذجيا مكسوا حتى النخاع بثقافة حقوق الإنسان.‘ن هذا التغير في استراتيجية التربية و التكوين لم ترافقه تغيرات بنيوية تتعلق بإصلاح شمولي في المناهج و طرق التدريس و البنيات التحتية للمؤسسات التعليمية. إن أي تغيير في الشكل يرافقه تغيير في المضمون بالضرورة و العكس صحيح أيضا. و لا يكفي إطلاقا أن نحلم و نخطط و نبرمج بدون تطبيق و تفعيل ما يهندس له بالطريقة الناجعة، فهذا ما يجعل المؤسسة التعليمية تبتعد عن المفهومين: التربية و الديمقراطية و بالتالي العلاقة المطلوبة بينهن شبه مستحيلة فالمناهج التربوية ظلت انتقائية و بقيت الثقافة التقليدية تخترق العديد من الكتب المدرسية و تخللتها الكثير من الصور النمطية للمرأة التي تكرس التمييز بين الجنسين، و مظاهر اللامساواة و الكراهية و العنصرية و غيرها...
لقد بات واضحا جدا و ضروريا لتمتين العلاقة بين المؤسسة التعليمية و التربية و الديمقراطية و بالتالي تجاوز أخطاء الميثاق الوطني للتربية و التكوين أن تقطع الوزارة الوصية على القطاع سياستنا التعليمية مع الارتجال، خصوصا بعد الإعلان عن المخطط الإستعجالي للتربية و التعليم الممتد من 2009 إلى 2012 فليس بطرق غير ديموقراطية يمكن أن نبني الديموقراطية فهذه الأخيرة لا يمكنها أن تساوي إلا المساواة في الحقوق و الواجبات.