التعليم مشكلة وطن يعاني الأمرين، وواقع شعب كاد أن ييأس من الحياة…
التعليم موضوع رأي عام يسوًده الإعلام كلما أسقط الضوء عليه…
التعليم حديث شريحة غارقة في الأقدمية، منشغلة بتسلق السلالم منادية بالتعويضات…
التعليم مهمة وزارة تائهة بين النظريات والبرامج، مترددة في قراراتها الارتجالية…
التعليم حلم أسر طويل ترجوه أن ينتهي بوظيفة…
التعليم واجب والتعلم حق كل تلميذ يضيع كل يوم ويندثر مع حبات الطباشير المتناثرة في الهواء…
المشاكل عديدة والمسؤولون عنها نحن: المسؤول ” أنا الوزير” والمسؤول “أنا المدير الجهوي” والمسؤول “أنا النائب الإقليمي” والمسؤول “أنا مدير المؤسسة” والمسؤولة ” أنا الأستاذة” والمسؤول ” أنا التلميذ”. وكلنا راشدون وواعون إلا التلميذ فهو أولا قاصر وثانيا غير واع ونحن السبب في عدم وعيه بواقعه.
وبما أنه لا يعلم فلا حرج عليه، رغم أنه من واجبنا إخباره وتوعيته…إلخ
سأكتفي في هذا المقال بطرح دور مسؤول واحد من ضمن السلسلة التي ذكرناها سلفا. المسؤولة “أنا الأستاذة” والمسؤول عنه التلميذ ومنه العملية التعليمية التعلمية. فما هي العلاقة التي يمكن أن تجمع الاثنين وتثمر عن نتائج مذهلة بخصوص العملية التربوية؟
أفضل علاقة تضمن الاحترام والتقدير والحب للطرفين هي ذلك الرباط الأبوي الذي يجمع الأبناء بوالديهم. على الأستاذ إذن أن يعتبر نفسه وقبل كل شيء أبا لتلاميذه ولو كان أعزبا، وهذا شرف لكل الأساتذة.
لكن لماذا يا ترى علاقة من هذا النوع لا أخرى؟ لأنها الوحيدة التي تخلوا من أية مصلحة.كما أن الطرف الراشد فيها يحب الخير كل الخير للطرف القاصر مقابل أن يراه ناجحا مستقبلا. فما أروعها علاقة الأب والأم بأبنائهما، فهما يتمنيان أن يكون أبناؤهما أحسن منهما تعليما وعملا و الأفضل في كل شيء. كما أرجو بدوري أن يصير تلاميذي أنجح مني. فالأم والأب يفتخران وهما يسمعان عن أبنائهما “ذلك الغصن من تلك الشجرة” والشرف لنا نحن الأساتذة بتدريسهم قبل أن يكون لهم شرف لقائهم بنا.
وعندما تصل العلاقة بين الأستاذ والتلميذ هذا الحد فلنتأكد أن هذا المعلم سيفكر ألف مرة قبل أن يتمارض ويرسل شهادة طبية تلو الأخرى ليترك التلاميذ في مهب الريح.ذلك لأنه بكل بساطة لن يرضى أن يحرم ابنه من حصصه تلبية لرغبات هوجاء لأستاذ متهاون، ولن يقبل حتى لو كان مرضه حقيقة، بل سيطالب بجلب أستاذ آخر خاصة لو تعلق الأمر بمدرسة خصوصية.فأحب لتلميذك ما تحبه لابنك وسيكون التعليم بخير.
عندما أصبح أما لتلاميذي أو أبا لهم فلن أتاجر بهم في “سوق الساعات الإضافية” فأبتزهم بالنقط وأستغل الامتحان.لن أفعل ذلك لأني لن أقبله على أبنائي بكل بساطة.
عندما تصبح أبا لتلميذاتك فلن تجرأ على التحرش بهن لأنك لن ترضى ذلك لبناتك وأخواتك. وعندما نصير أمهات وآباء حقيقيين لمتعلمينا فسيصبح همنا مستقبلهم.
عندئذ وفقط عندئذ سنتعلم أكثر ونجدد معارفنا ونطور مهاراتنا لأن واحدا منا غضب، في يوم، من معلمة أو مدرس ابنه حين وجده يدرس أخطاء لابنه فاشتكاه لمديره من سوء مهاراته التربوية وبدائيتها ( أم أننا نعلم أن ذلك لا يحدث إلا في القطاع الخاص لأننا نحن من يدفع).
لا أنكر أن حتى العلاقة بين الآباء والأبناء الحقيقيين لا تخلو من مشاكل، لكننا نحن الآباء والأمهات تجدنا حينئذ نفعل الممكن والمستحيل من أجل إصلاح ما يمكن إصلاحه. فلماذا ننهزم مع تلاميذنا من أول تجربة ومن أول حصة، ثم نقول أن لا أحد بات يريد أن يدرس وأنه لا إصلاح للتعليم حتى يشيب الغراب؟ لماذا نستسلم أمام أبسط مشكل ونلجأ للتقرير والطرد والضرب بعض الأحيان؟
لو استطعنا الرقي بعلاقتنا هاته مع التلاميذ فلن نستسلم، بل سنقاوم كل الضغوط ونستغل ما لدينا من إمكانيات لنصل إلى بر الأمان بمن أمَنون على حياتهم في بحر يهيج بالمشاكل.ذلك لأننا في الأخير نعبر في مركب واحد فإما أن ننجح معا وإما أن ننجح مع، لا خيار ثالث.
مهنتنا مهمة نؤديها وعملنا رسالة نبلغها وهدفنا التربية والتكوين: تربية أجيال اليوم وتكوين أطر المستقبل.
تلاميذنا-أبناؤنا- رائعون ولو تراكمت نعوت السوء عند وصفهم. فلا أم ولا أب يقبل أن يكون ابنه فاشلا. ولن يكون التلميذ كذلك ما دمنا سنحب نجاحه ونطمح له كما نعمل كل يوم لينجح أولادنا.
أحب لتلميذك ما تحبه لابنك وسيكون التعليم بألف خير