السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الدقاق: من أكثر من ذكر الموت أُكرم بثلاثة أشياء:
تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة.
ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء:
تسويف التوبة، وترك الرضى بالكفاف، والتكاسل في العبادة.
فتفكر يا مغرور في الموت وسكرته وصعوبة كأسه ومرارته، فيا للموت من وعد ما أصدقه، ومن حاكم ما أعدله، كفى بالموت مقرحا للقلوب، ومبكيا للعيون، ومفرقا للجماعات، وهاذما للذات، وقاطعا للأمنيات، فهل تفكرت يا ابن آدم في يوم مصرعك وانتقالك من موضعك وإذا نقلت من سعة إلى ضيق، وخانك الصاحب والرفيق، وهجرك الأخ والصديق وأخذت من فراشك وغطائك إلى غرر، وغطوك من بعد لين لحافك بتراب ومَدَر فيا جامع المال، والمجتهد في البنيان ليس لك والله من مال إلا الأكفان، بل هي والله للخراب والذهاب وجسمك للتراب والمآب. فأين الذي جمعته من المال؟ فهل أنقذك من الأهوال؟ كلا .. بل تركته إلى من لا يحمَدُك، وقدِمْتَ بأوزارك على من لا يعذُرُك. ولقد أحسن من قال في تفسير قوله تعالى: "وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة" [القصص: 77] أي اطلب فيما أعطاك الله من الدنيا الدار الآخرة وهي الجنة؛ فإن حق المؤمن أن يصرف الدنيا بما ينفعه في الآخرة لا في الطين والماء والتجبر والبغي، فكأنهم قالوا: لا تنس أنك تترك جميع مالك إلا نصيبك الذي هو الكفن، ونحو هذا قول الشاعر:
نصيبُك مما تجمع الدهـر كله *** رداءان تُلوى فيهـما أو حنـوط
وقال آخر:
هي القناعة لا تبغي بهـا بدلا *** فيها النعيم وفيـها راحـة البـدن
انظر لمن ملك الدنيا بأجمعها *** هل راح منها بغير القُطن والكفن؟
من كتاب (الدار الآخرة) للشيخ محمد متولي الشعراوي، ج1، ص: 82.