أخي الكريم الموضوع من الأهمية بمكان خاصة أمام الظروف والتحديات التي يعيشها الأستاذ إن من الناحية السيكولوجية أو الوضعية القانونية التي تثيرها القضية أو من الضغوط الاقتصادية و الإجتماعيةالتي تفرض نفسها على المواقف وتؤثر سلبا في مزاجية الأستاذ الذي يجد نفسه في ظل هذه الوضعية المركبة أمام حتمية التحكم في الوضع داخل الفصل بجميع السبل والتي على رأسها العقاب البدني..
وإن كنت أذكر هذه المتحكمات التي تفضي الى هذا السلوك الذي قد يغدو عاديا لدى كثير من الأساتذة؛بل وقد يألفه-في كثير من الأحيان- حتى الأطفال،فأنا لا أتغيا من ذلك تبرير السلوك وبسط ذرائع لشرعنةهذا النوع من العقاب.ولكن لا بأس من تحليل الوضعية كل من وجهة نظره -كأطر إدارية أو تربوية- فاعلة في الميدان.ففي نظري كإطار تربوي مارس التدريس ولازال لثلاث عشرة سنة خلت،أرى أن الأستاذ وضع أمام تحديات كبيرة :يقضي بدايتها في مركز التكوين يتلقى خلاله تكوينا نظريا مشبعا بالبيداغوجيات الحديثة التي خرجت من رحم جنيف السويسرية الأنيقة أو من أرقى الجامعات الأمريكية،ثم بتكوين عملي فيه الكثير من النقائص،ليتوج في ذيل السنة الثانية أستاذا بأعلى القمم الجبلية التي يصطدم خلالها الخريج بظروف قد تكون أحيانا أقرب إلى ظروف العصور الوسطى،وهنا أتذكر نفسي عندما تركنا السيارة في الحاضرة وحملنا متاعنا على متن حمار لمدة تقارب ثلاث ساعات مشيا على الأقدام بين فجاج الأطلس المتوسط ،حينها بكيت وأحسست بغربة قاتلة داخل وطني وكأنني في دولة أخرى:لا طريق،لامواصلات،لا كهرباء،لا منزل للاستقرار،لا مرحاض،لا وسائل اتصال،لا محلات تجارية،لا لغة تواصل(الأمازيغية).ففي ظل هذه الظروف لايمكن البتة استثمار أية بيداغوجية ولو أيقظنا جون بياجيه من قبره ووضعناه في هذه الظروف لغير نظريته البنائية؟!!
أمام هذه الضغوط المركبة يجد الأستاذ نفسه في حاجة لمن يعلمه كيف يتكيف مع هذه الظروف.وهنا أطرح السؤال:لماذا لاتدرج ساعات خاصة للطلبة الأساتذة قبل تخرجهم للتكيف مع المحيط الجبلي أو الصحراوي في شكل خرجات حتى يكتسب استعدادا لمثل هذه الظروف؟؟.أمام هذا الواقع المرير يجد الأستاذ نفسه مضطرا في قسمه الذي كثيرا ما يكون أشبه بزريبة تتعايش فيها أصناف من الزواحف والطيور، والزيارات المفاجئة لكثير من الكلاب وأحيانا لحمار تائه نظرا لانعدام السور،ناهيك عن الطاولات المهترئة بسبب قدمها وسقوط مياه الأمطار عليها من ثقوب سقف القسم الذي عراه الزمن؛أمام كل ذلك يصبح الطابع المزاجي والعصبي للأستاذ سيد الموقف والذي يطبعه النكوص كتنفيس عن هذا العقاب الذي فرضته عليه وزارة التربية الوطنية،وبما أن الأستاذ تلقى في طفولته الدراسية أصنافا شتى من العقاب و الإرهاب فإنه لا يجد ضيرا في نهج نفس السلوك إلا لماما.هذه الوضعية-للأسف- تستمر لسنوات على اعتبار الوقع النفسي الذي تفرضه نتائج الحركة الوطنية وظروف العمل التي تتسم أيضا ببروز جيل جديد من التلاميذ يمتح قيمه من معين مؤسسات اجتماعية أخرى قد تصطدم بما تنوي المدرسة إكسابه إياه، ونقط التفتيش والإصابة بالأمراض النفسية والعضوية المزمنة أحيانا.إننا-لعمري- كما قلت في البداية أمام سلوك غير قانوني تسببه وضعية مركبة ،وإن العلاج الأمثل للظاهرة يستوجب مراجعة هذه المسببات ومعالجتها في شموليتها.