يرى الدكتور المهدي المنجرة خبير الدراسات المستقبلية أن بإمكان المغرب بقليل من الإرادة والشيخقراطية ـ كما أسماها ـ أن يتغلب على المشاكل الكبرى التي تواجهه.
في هذا الحوار الخاص ب"هسبريس" يتحدث لنا الدكتور المهدي المنجرة عن ركود الأحزاب المغربية وأزمة التعليم ورؤيته للتنمية البشرية.
سنكتفي بسؤال واحد عن التعليم مادمت تتفادون التعليق على أزمة القطاع كما فهمت من حديثكم لنا قبل إجراء الحوار
يبدو أنك لم تفهمني جيدا. لقد أمضيت حياتي كلها في التعليم، وأعتقد أن من أكبر الشرف الذي حصل لي في حياتي هو لما اختارني نادي روما رفقة أستاذين آخرين (أمريكي وإيطالي) لندرس من سنة 1976 حتى 1979 تنمية العنصر البشري التي أصبحت موضة اليوم. أجرينا خلال تلك الفترة أبحاثا وندوات عالمية حول التعلم L'apprentissage وخرجنا بتقرير كان عنوانه الأصلي "No Limits to Learning" أي لا حدود للتعلم، وقدمته في كتاب إلى العربية تحت عنوان "من المهد إلى اللحد" وهو بالمناسبة متوفر في المكتبات ومترجم إلى 13 لغة. الخلاصة لتي خرجنا بها آنذاك كانت تخالف تماما ماكان سائدا حينها، حيث كانت فكرة النمو تُرى على أنها أساس التقدم. أول تقرير أصدرناه في نادي روما كان هو Pas de limites à la croissance "" أي لا حدود للتنمية / النمو، وكتبنا بأن التنمية، كما كانت تُرَى حينها، غبر ذات قيمة بدون اعتبار للموارد البشرية والعنصر البشري والإنسان كهدف وكوسيلة لتقدم المجتمع.
وما سبب فشل التعليم في المغرب على غرار الكثير من دول العالم الثالث؟
كانت تلك نوعا ما أطروحة الكتاب. فشل عدد من الدول في التربية يعود لأسباب سياسية مثل تقسيم مسؤولية التربية على عدة وزارات، حيث نجد مثلا وزارة التعليم الإبتدائي، و.ت.الثانوي، و.ت. التقني، و.الثقافة التي هي جزء من التربية...إلخ. هذا الخلط لا يساعد على تكوين صورة شمولية. أي إصلاح يجب أن يتم من البداية حتى النهاية، لهذا فالتربية ما قبل المدرسية تكتسي أهمية بالغة، ودول العالم الثالث لا تهتم بما بما يكفي، لأن الطفل عندما يصل إلى سن 7 سنوات تكون %70 من برمجة دماغه قد اكتملت وهذه حقيقة طبية أثبتتها بحوث اختصاصيين في البسيكوبيداغوجيا.
مرحلة ماقبل التمدرس مهمة جدا وتؤثر في مايليها من المراحل التعليمية لأن الكل متصل فيما بينه، فإذا كان لدى الطفل تهييء قبل ولوجه مرحلة التعليم الإبتدائي، هذا يسهل نجاحه أثناءها ويمهد له طريق النجاح في الثانوي ثم التعليم العالي. الأمر يمكن أن نشبهه بالقطار حيث كل عربة متصلة الأخرى، ورغم أن لكل عربة استقلاليتها الشكلية من حيث المقاعد والنوافذ وتشترك في الطريق الذي تسير عليه، إلا أن المجموعة تحتاج لقاطرة.Locomotive هكذا هي مسيرة التربية التعليم، إنها شمولية. اليوم بدأ المغرب يعي، ومعه الكثير من دول العالم، بأهمية التنمية البشرية وهذا مادعونا إليه منذ سنين.
لكن نسبة الأمية التي فاقت كل الحدود على سبيل المثال لا تعكس هذا الوعي؟
الكل مترابط والفصل لن يساعد على الأمة، لكن بخصوص الأمية أقترح تطبيق زكاة للمعرفة، فليس المال وحده مايجب أن نزكي عليه. مثلا قبل أن ينال التلميذ شهادة البكالوريا سيتوجب عليه تعليم عدد معين من الأميين بالإضافة طبعا إلى اجتيازه الإمتحانات الدراسية بنجاح. نفس الشيء يمكن أن نفرضه على المثقفين والطلبة والباحثين الذين يتقدمون لاجتياز الإمتحانات.
ماذا عن التعليم الجامعي، كيف ترى مستوى الجامعة اليوم بعد هذه السنوات الطويلة من التي قضيتها في التدريس والتأطير؟
لدي ملاحظتين كأستاذ جامعي بالنسبة للجمعة المغربية، واحدة إيجابية وأخرى سلبية.
دعنا نبدأ بالملاحظة السلبية، لأننا نأمل دائما أن تكون النهايات إيجابية. مستوى طلبة السلك الثالث ينقص من مصداقيته سنة بعد أخرى. هناك خلل في التعليم العالي ناتج عن التعليم الجامعي، وهذا واضح من خلال جودة الكتابة باللغة العربية والفرنسية الذي أصبح متدهورا على عكس ما مضى.
حتى مستوى الدراسات والأطروحات نزل بشكل كبير، وهذا واقع يؤسف له، والحكومة أعدت عدة دراسات حول الأسباب لن أدخل في تفاصيلها. يمكنني أن أؤكد لك على أن الأزمة الأولى في المغرب هي أزمة التربية.
الملاحظة الإيجابية هي أن هذه الخلاصة أصبحت خلاصة الجميع، من رئيس الدولة إلى أسفل الهرم. الكل يؤمن بأن أساس كل تنمية هو التربية وأن أهم تنمية هي تلك التي تستهدف العنصر البشري، وهذا أمر حقيقة يثلج القلب. تبقى الآن ترجمة هذه الأفكار إلى قناعات ثم إلى برامج سياسية نراها على أرض الواقع. هذا أيضا يتطلب وقتا، ولا يمكن للإنسان ولا يجب عليه أن يصدر أحكاما مسبقة على نجاح أو فشل مثل هذه المبادرات
أجرى الحوار: هشام منصوري
Thursday, February 19, 2009