رحلة في الذاكرة عبر العيطة - منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية
تسجيل جديد
أبرز العناوين


أدوات الموضوع

intel
:: دفاتري جديد ::
تاريخ التسجيل: 28 - 12 - 2007
المشاركات: 11
معدل تقييم المستوى: 0
intel في البداية
intel غير متواجد حالياً
نشاط [ intel ]
قوة السمعة:0
قديم 12-10-2008, 19:49 المشاركة 1   
جديد رحلة في الذاكرة عبر العيطة

رحلة في الذاكرة عبر العيطة

لا زلت أذكر أني ذلك الصبي الذي لم تكن أقفال عمي لحسن الحداد تستعصي أمامه. كان فتحها يتم بسهولة. أتسلل داخل الغرفة الخاصة بأبي. كانت تضم بالإضافة إلى أغراضه الشخصية، فنوغراف وجميع وْريقات أغاني العيطة. هذه الأقراص كانت مرتبة بدقة، بحيث أن الباحث لن يطيل البحث عن أغنية من الأغاني حتى يجد ضالته. كنت أعرف جيدا كيف تشتغل هذه الآلة العجيبة، وكنت أبقى لساعات طوال أتلذذ بالاستماع لتلك الأغاني وخصوصا المرساوي.
الشغف بهذا النمط الغنائي غذته كثيرا ملازمتي لوالدي، سواء في محل الجزارة الذي كان يملكه، حيث كان يطلق العنان لفنوغرافه حتى كدت أظن أنه لا يريد أن يستمع لوحده و إنما يريد إسماع الجزارين المجاورين له والزبائن تلك الأغاني أيضا، أو مرافقتي له لجميع الأعراس والحفلات الخاصة التي كانت تقام في بيتنا أو عند أصدقائه. هذه الحفلات كانت مناسبة يلتقي فيها الأصدقاء للترفيه عن أنفسهم، والاستمتاع بأغاني العيطة. لقد كان من واجب منظم الحفلة تهييء ما لذ وطاب من الطعام لضيوفه، إضافة إلى توفير قنينات النبيذ الأحمر. سهرات كانت تحييها الشيخة البوشتاوية وفرقتها. البوشتاوية شيخة كانت معروفة في منطقة امزاب، لا يمكن أن يكون هناك حفل في المنطقة وخصوصا في مدينة بن احمد والضواحي دونها، بالإضافة إلى فرق أخرى كشيخات خريبكة، وشيخات وادي زم وشيخات سطات.
هذه الحفلات الخاصة، ورثت عن رجال قدموا الغالي والنفيس من اجل هذا الوطن، حيث بعد رجوع الملك محمد الخامس وإعلان الاستقلال، ترى الخيام منصوبة في كل دوار من دواوير امزاب احتفالا بهذه المناسبة. حفلات ينتشي خلالها رجال المقاومة من أبناء المنطقة بنصرهم تحت أنغام عيطة تخلد لبطولاتهم وأمجادهم.
لقد حدث ذات ليلة أني كنت بمعية والدي في حفل تحييه الشيخة البوشتاوية، وكان من بين الحاضرين رجل معروف بمنطقة امزاب. رجل لم أذكر قط أنه فارق الجلباب والطربوش الأحمر، لباس يرمز للوطنية. رجل يتبختر في مشيته كأنه طاووس زمانه. بقي يعيش على ذكريات الملاحم والبطولات التي شارك فيها، وكان من هواة هذه الحفلات، لا يتخلف عنها وكأنها معمولة على شرفه. حفلات كان ينتشي فيها بأغاني العيطة وبكلماتها التي تمجد العمل البطولي لرجال المقاومة، فعندما تصدح الشيخة البوشتاوية وتقول:

واخليو طبيبكم غير إيداوكم

كان يحس بنشوة واعتزاز ويدندن كأس النبيذ الأحمر مع والدي ويقول:
- أنا باغي نموت ، ما باغي حد إيداويني!!!
عندما سمعت هذه الكلمات، انتابتني هستيريا من الضحك، لأني فهمت من قصد هذا الكلام انه يخاف من الطبيب، ولا يريد أن يذهب عنده حتى لو كان مريضا. كنت أقول في نفسي:
- رجل بشلاغمو ويخاف من الطبيب!!! آش نكول أنا!!!
كان الطبيب عندي هو كل من يلبس وزرة بيضاء وفي يده محقن، ولا أنكر أني كنت أخافه أيضا، حتى أصبح الطبيب ذلك البعبع الذي يخيف به الآباء أطفالهم.
الحقيقة أني لم أفهم شيئا، لا معنى الكلام الذي صدحت به الشيخة البوشتاوية، ولا معنى الكلام الذي نطق به الرجل. ترى ما معنى الكلام الذي تغنت به الشيخة؟ وماذا يقصد الرجل بكلامه؟
بدأت رحلة البحث عن المغزى، مغزى كلام الأغنية والقصد من جواب الرجل. هل كلمات العيطة مجرد كلمات أغنية شعبية، المراد منها خلق المتعة والنشاط عند ثلة هؤلاء السكارى؟ أم هي كلمات نظمت لتأدية وظيفة أخرى؟ لماذا تفاعل الرجل مع كلمات تلك الأغنية؟ هل كان تفاعله عفويا مع كلمات ولحن بفعل ما تعمله الخمرة في رؤوس السكارى؟ هل فعلا يخاف الطبيب؟ كل هذه الأسئلة أرقتني لأن الأجوبة التي كانت معي لم تكن تشفي فضولي الطفو لي.
في أحد الأيام، كنت مع والدي في دكان الجزارة الذي نملكه، وكان صاحبنا لا يفارق دكاننا. تجده دائما يحمل قفة فيها قنينة أو اثنتين من النبيذ الأحمر وكأس.سألت أبي:
- هل فعلا م- ف يخاف الطبيب؟
تعجب والدي من سؤالي وقال:
- ولماذا يخاف من الطبيب؟
هنا حكيت لوالدي ما سجلته ذاكرتي من تلك الحفلة التي حضرتها بصحبته، وخصوصا تلك الأغنية التي تفاعل معها الرجل. ضحك أبي كثيرا من استنتاجاتي الطفولية وتأويلي للأشياء، ووضح لي أن الأمر لا يتعلق بخوف الرجل من الطبيب، فكلام العيطة التي صدحت بها البوشتاوية يؤرخ لمرحلة من تاريخ المغرب، وخصوصا لانتفاضة وادي زم والمناطق التي تمتد من خريبكة حتى أبي الجعد.
أما تفاعل الرجل مع كلام العيطة ليس نابعا من خوفه من الطبيب، ولكنه نابع من رفضه لكل ما يمنحه المستعمر، حتى ولو كان هذا الشيء الممنوح هو الحياة.
وأنا سابح في بحر هذه الذكريات، أقارن مع رجال زماننا، أتحسر وأقول:
- آآآآآآآآآآآآآآآه!!! ما أحوجنا إلى مثل هؤلاء الرجال! رجال صنعوا تاريخ هذه الأمة وهذا الوطن بدمهم. رجال فضلوا الموت عن حياة موبوءة يمنحها الاستعمار. فشتانا بين الأمس واليوم!!!
دائما في خضم هذه الرحلة عبر الكلمات لأغاني العيطة والبحث عن المعنى، لا زلت أذكر عندما كنت مراهقا في ثانوية باجة، في السنة السادسة من التعليم الثانوي، في حصة من حصص التربية الإسلامية والتي كان يشرف عليها أستاذ تخصصه فلسفة – لا أدري هل كان ذلك راجع لقلة الأطر في تخصص التربية الإسلامية أم راجع إلى سياسة - عدي باللي كاين - أستاذ أكن له كل الاحترام و التقدير، كان يقسم الحصة إلى قسمين:
الجزء الأول من الحصة يخصص لدرس التربية الإسلامية، الواجب أولا، والجزء الثاني لخرجة من خرجاته المعهودة، والتي يتم خلالها مناقشة مواضيع فكرية مختلفة. خلال إحدى هذه الخرجات، ذكرت ملحمة وادي زم، ولا أذكر كيف تم ذلك، ولا كيف جاء ذكر هذه الانتفاضة في سياق الكلام. لم أكن أدري أن مجرد ذكر وادي زم سيجعل هذه المرحلة من عمري، بكل ذكرياتها، تطفو إلى السطح من جديد. لم يكن ذلك مجرد دافع للبحث عن المعنى ولكنني تأكدت أنه هم يسكنني ويؤرق مضجعي، وأنه كان في استراحة أو في غيبوبة استفاق منها مع مجرد النبش فيه. كانت الفرصة مواتية لي لأتأكد من صحة ما قاله لي والدي عن ذلك الحدث. هي إذن مواجهة بين مصدرين. مصدر رسمي، يتجلى في أستاذي الجليل ومصدر أقول غير رسمي بحكم أنه لا يحمل شهادة، ولا يمكن أن أقول بأنه أمي، بل بالعكس، له مستوى دراسي يتمثل في السنة الثانية من التعليم الإعدادي إبان عهد الحماية، والذي يرجع له كامل الفضل في تعليمي للغة موليير وحبي لها. طرحت سؤالي مستفسرا عن ذلك الحدث. لم يكن جواب أستاذي يختلف عما قاله لي والدي، ولكن الفرق كان فقط في الدقة، دقة المعلومات والتواريخ، وأضاف شيئا لم يكن يعلمه حتى والدي، هو أنهم وصفوا تلك الملحمة التي قام بها الأهالي في وادي زم والنواحي على أنها جريمة وحشيةUne Sauvagerie . لم أكن أدري أنه كان من واجب أسلافنا أخذ المغتصب بالحضن.
هذه فقط محطة من محطات رحلة في الذاكرة. رحلة عبر كلمات أغنية العيطة، والتي لم تكن فقط من أجل خلق النشاط والمتعة، ولكن هذه الكلمات وهذه الأغاني كانت تؤرخ لمرحلة من مراحل النضال الوطني. هذا عن وادي زم والمناطق المجاورة، فماذا عن باقي المدن والمناطق الأخرى؟ لعل هناك ذاكرات تختزن شيئا من التراث يهم تاريخ هذا الوطن.








آخر مواضيعي

0 استفسار عاجل
0 Pourquoi nous?
0 عــفــواً أمّــي ...
0 Pardon ma mère
0 Solitude
0 رحلة في الذاكرة عبر العيطة


التعديل الأخير تم بواسطة intel ; 02-11-2008 الساعة 21:51

أم ايمان
:: دفاتري ذهبي ::

الصورة الرمزية أم ايمان

تاريخ التسجيل: 3 - 9 - 2008
المشاركات: 2,767

أم ايمان غير متواجد حالياً

نشاط [ أم ايمان ]
معدل تقييم المستوى: 474
افتراضي
قديم 12-10-2008, 20:18 المشاركة 2   

شكرا على الموضوع القيم


Fouad.M
:: أمـيـر القـوافي ::


تاريخ التسجيل: 1 - 9 - 2008
السكن: Rabat
المشاركات: 5,510

Fouad.M غير متواجد حالياً

نشاط [ Fouad.M ]
معدل تقييم المستوى: 758
افتراضي
قديم 13-10-2008, 01:22 المشاركة 3   

Cher Mr Intel ,vos souvenirs ont éveillés les miens!
Votre récit m'a interpellé ,la Chaouia étant une merveilleuse région très chere à mon coeur...et.que les colons ,eux-memes chérissaient particulièrement pour en avoir fait leur lieu de prédilection.
L'héritage ancestral que constitue la vraie Aita mersaouia est malheureusement en voie de disparition et les plus beaux textes ne sont guère plus chantés de nos jours .
!Un grand merci pour ce voyage dans le temps!
Du reste ,vous avez un réel talent pour la narration et ce fut un grand plaisir de vous lire !

Ci- joint le lien du récit inédit du Dr Serre l' un des medecins appelés sur les lieux à la suite du terrible massace de Oued zem,si vous ne le connaissez pas déjà?





http://www.francisboulbes.com/index....d=SITE&page=27


René Char : "Impose ta chance, serre ton bonheur et va vers ton risque. A te regarder, ils s'habitueront.

ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ

التعديل الأخير تم بواسطة Fouad.M ; 13-10-2008 الساعة 15:22

omar khatabi
:: دفاتري فعال ::


تاريخ التسجيل: 6 - 9 - 2008
المشاركات: 680

omar khatabi غير متواجد حالياً

نشاط [ omar khatabi ]
معدل تقييم المستوى: 0
افتراضي
قديم 13-10-2008, 02:58 المشاركة 4   

تحية
جمعت مقالتك بين شذرات جميلة من سيرة ذاتية قادمة ، وحديث عن العيطة كتعبير فني راق عن فرح وغير فرح شعب في حالة مقاومة.
لقد استمتعت بقراءتها.
شكرا لك.


نورالدين شكردة
:: دفاتري ذهبي ::

الصورة الرمزية نورالدين شكردة

تاريخ التسجيل: 1 - 9 - 2008
السكن: فاس
المشاركات: 2,702

نورالدين شكردة غير متواجد حالياً

نشاط [ نورالدين شكردة ]
معدل تقييم المستوى: 466
افتراضي
قديم 13-10-2008, 11:13 المشاركة 5   

ماعندي ماندير ليك سبقلي علقت على هاذ القصة ...ويلا كتبت شي حاجة دابا مغنكتبهاش من قلبي
تحياتي

إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الذاكرة, العيطة, رحمة, عبر

« التقويم التربوي مفهومه ، طرائقه ، أهدافه.. | تحدير من google »

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من طرق تقوية الذاكرة ELMEHDI دفاتر الصحة والتغذية 3 16-06-2009 10:34
علاج ضعف الذاكرة jabar دفاتر التـنـمـيـة الـبـشريـة 21 17-03-2009 05:47
لتحسين الذاكرة mahjo222 الأرشيف 6 15-02-2009 22:14
شرح الذاكرة العشوائية Ram baghdi دفاتر تبادل الخبرات التقنية 6 26-01-2008 14:13


الساعة الآن 22:29


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها
جميع الحقوق محفوظة تصميم النور اونلاين لخدمات الويب المتكاملة