================
محتات الرقاص شكل تنصيب أعضاء المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي من طرف جلالة الملك مناسبة لتجديد الحديث حول معضلات المدرسة المغربية ومستقبل التعليم ببلادنا، وقد تذكر الكثيرون مضامين الخطاب الملكي لعشرين غشت من العام الماضي، وخارطة الطريق التي قدمها جلالة الملك قصد الخروج من أزمة التعليم.
إن قطاع التربية والتعليم لا يحتاج اليوم إلى الكثير من الدراسات والخطط لرصد المعضلات والاختلالات، فهذه الأخيرة معروفة، وتحدث عنها الكثيرون، وقدمت بشأنها عشرات الدراسات والمذكرات ومئات المقترحات والمشاريع والبرامج، ولكن المطلوب اليوم هو صياغة رؤية واضحة وواقعية، والانطلاق لأجرأتها عمليا ضمن مدى زمني معلوم، ومن ثم الوصول إلى إعمال الإصلاح في الواقع، أي داخل المدرسة والثانوية والجامعة، وعبر ما يقدمه المدرسون للتلاميذ يوميا، وحتى لا يبقى الوارد في البرامج والخطط شيء، وما يتلقاه التلاميذ والطلبة شيء آخر مختلف.
لن نقف كثيرا عند السجالات التي قد يخلفها تعيين هذا العضو أو ذاك ضمن المجلس الأعلى، أو إغفال هذا العضو أو ذلك المكون أو تلك الهيئة، فكل هذا قد يكون مفهوما وينطلق من تقييمات ذاتية ليس دائما خاطئة، ولكن مع ذلك، فالمهم اليوم هو انطلاق عمل المجلس، وإحداث القطيعة في منظومة أدائه، وبالتالي الوصول إلى بلورة اتفاق وطني حول إنقاذ المدرسة المغربية وتطويرها.
وباعتبار المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي مؤسسة دستورية استشارية ذات تركيبة متنوعة، فهي الفضاء الأمثل للحوار المفتوح والحر بين الأعضاء، وبالتالي إعمال الجرأة والشجاعة في تناول مختلف القضايا المندرجة ضمن اختصاص المجلس، وذلك بغاية تفعيل تفكير استراتيجي حول قضايا التعليم والتربية ببلادنا، وسيكون مؤسفا أن ننقل البوليميك والمزايدات التي انتشرت مؤخرا على أعمدة الصحف حول المسألة اللغوية مثلا إلى داخل جلسات هذه المؤسسة الدستورية، حيث أن وقتا جديدا سيضيع منا جميعا في تبادل الاتهامات وتصفية حسابات حزبية وانتخابوية بئيسة.
الكلام اليوم حول مختلف قضايا التعليم، بما في ذلك اللغة، ليس فقط مطلوبا داخل مناقشات واجتهادات المجلس الأعلى، وإنما هو واجب، ولابد من إعمال الفكر والعلم بخصوصه بدل التعصب والسطحية اللذان سادا في الشهور الأخيرة وسيطرا على النقاش.
المسألة اللغوية ليست فقط مهمة في منظومة إصلاح التربية والتكوين، وإنما هي خطيرة أيضا، وقد واجهتها بلدان وأمم عديدة عبر التاريخ، وقيل وكتب بشأنها الكثير، ونحن في حاجة اليوم إلى الانكباب على هذا الملف بكثير من الجدية والشجاعة و...العقل.
من جهة أخرى، إن إصلاح التعليم ليس مجرد مخططات تقنية واجتهادات نظرية أو أكاديمية، بل إنه من ضمن الإصلاحات الأساسية المهيكلة التي تؤثر في مختلف مفاصل الدولة والمجتمع، ومن هنا تنبع خطورته واستعجاليته.
المدرسة العمومية تكفل المساواة وتكافؤ الفرص في المجتمع، وهي تتيح إنتاج النخب العلمية والإدارية والثقافية والاقتصادية والسياسية، كما أنها تساعد على الرقي الاجتماعي وبروز الطبقة الوسطى، ويعني هذا أن أزمة المدرسة العمومية تنعكس كارثيا على كل ما ذكر، أي أن المجتمع كله سيكون في ...أزمة.
لكل ما سبق، لم يعد إذن ممكنا اليوم إعادة إنتاج نفس سلوكات التلكؤ والتردد في إصلاح التعليم، ولا الزمن يسعفنا اليوم، ولا أيضا سياقات العالم وتحديات الاقتصاد والسياسة تتيح لنا وقتا أطول للانتظار.
إلى العمل.