الكتاب الأبيض: الجزء الأول الاختيارات والتوجهات التربوية العامة المعتمدة في مراجعة المناهج التربوية.
لجان مراجعة المناهج التربوية المغربية للتعليم الابتدائي والثانوي الإعدادي والتأهيلي. ربيع الأول 1423 يونيو 2002
مقدمة عامةلأجزاء الكتاب الأبيض.
بعد ثلاث سنوات خصصتها وزارة التربية الوطنية والوزارة المكلفة بالتعليم الثانوي والتقني لتشخيص القضايا المختلفة وتدقيق نتائج مختلف التشخيصات ووضع العدة المنهجية اللازمة للإصلاحات التربوية التي يستوجبها التصحيح والاستدراك، انطلقت رسميا يوم 6 فبراير 2001 عدة مشاريع للإصلاح التربوي، بحضور السيد الوزير الأول والسيد مستشار صاحب الجلالة رئيس اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين وبعض الوزراء، وأعضاء كل من :
- لجنة القطاعات الاجتماعية والشؤون الإسلامية في مجلس النواب ؛
- لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية في مجلس المستشارين ؛
- اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين ؛
- لجنة الاختيارات والتوجهات التربوية ؛
- اللجنة البيسلكية متعددة التخصصات.
ومن بين هذه المشاريع نكتفي هنا بذكر مشروع حول المناهج التربوية الجديدة للتعليم الأولى والتعليم الابتدائي والتعليم الثانوي بسلكيه الإعدادي والتأهيلي والمشاريع الأخرى المرتبطة به كمشروع تدبير المرحلة الانتقالية في انتظار إرساء المناهج الجديدة، ومشروع تحرير تأليف ونشر الكتاب المدرسي والدعامات الديداكتيكية الأخرى المكتوبة ومتعددة الوسائط والوسائل التعليمية، ومشروع تدبير الحياة المدرسية داخل المؤسسات التعليمية، ومشروع تدبير الاستشارة والتوجيه التربويين عند إرساء المناهج الجديدة.
وتعتبر الوزارة المناهج التربوية استراتيجية تربوية من بين عدة استراتيجيات متكاملة تم وضعها للانتقال بنظام التربية والتكوين الحالي إلى الوضعية المرغوب فيها على مستوى الممارسة البيداغوجية والاستشارة والتوجيه وعلى مستوى تدبير الإدارة التربوية خلال العشرية الحالية وبعدها، كما تعتبرها فرضية تدخل في الميدان.
- في نهاية العشرية الأولى للقرن الحادي والعشرين، كأفق أول يتم فيه تجاوز عدة اختلالات في التمدرس من الأولى إلى البكالوريا، وفي تكوين الأطر التربوية من جهة، وتتحقق فيه جودة التعلم، وتتحسن ظروف الفضاءات التربوية في مختلف المؤسسات التعليمية من جهة أخرى؛
- بعد انتهاء العشرية الأولى، عندما ستستقر المؤشرات الكمية التي تحد حاليا من فعالية التدخل في المؤشرات النوعية المرتبطة بالجودة، وينتهي إرساء الجوانب المؤسساتية المدرجة في إصلاح نظام التربية والتعليم.
فكون المنهاج التربوي استراتيجية تربوية يعطي بالضرورة لمراجعته، خلال العشرية وبعدها، طابعا مفتوحا يتجلى في عدة تقويمات مرحلية تتخللها تصحيحات منتظمة لمختلف مكوناته.
وكون المنهاج فرضية تدخل، يقتضي بالضرورة اعتبار مكوناته الأساسية الثلاثة: الأهداف التربوية المعتمدة؛ والمتدخلون في تحقيق مختلف مستوياتها؛ والوسائل التي يستوجبها تحقيقها من طرف أطر مختلف الهيئات المتدخلة.
وليكون بالإمكان الحديث عن نظام تربوي، بما لهذه التسمية من دلالات، لا بد من مراعاة الاعتبارات الآتية:
- اعتبار النظام التعليمي، من الناحية المؤسساتية، شبكة مفتوحة لأنظمة فرعية تتكون من المؤسسات التربوية (مثل شبكات المؤسسات التعليمية، وشبكات مؤسسات تكوين الأطر التربوية، وشبكات مراكز الاستشارة والتوجيه، وشبكات المراكز الجهوية لتعليم اللغات، وشبكات المصالح الإدارية الجهوية والإقليمية للوزارة، الخ.). ومن هذه الشبكات ما هو متوافر وقابل للتطوير، وما هو في شكل مشاريع ينبغي إرساؤها تدريجيا، وما هو متجاوز يلزم تفكيكه أو إعادة بنائه بتصور جديد يلائم مستجدات إصلاح النظام التربوي.
- اعتبار الهيئات التربوية والإدارية والتقنية، فيما هو متوافر وما ينبغي إحداثه من فروع لنظام التربية، آليات لاستكمال وإعادة بناء هذا النظام، وتطوير وظائف مكوناته المؤسساتية في تكامل تام وفي انسجام مع الوظائف الكبرى المراد إعطاؤها لهذا النظام. ومن هذه الهيئات ما هو في مستوى التحديات التي يفرضها الإصلاح، ويلزم التعامل معها كقاطرة للتغيير، وما هو بحاجة إلى إعادة تكوين وينبغي تحديد حاجاتها ووضع برامج مكثفة ومستمرة لاستكمال تكوينها، وما هو متجاوز ينبغي إيجاد وسيلة لتحويل وظائفه إلى ما يناسب في آن واحد حاجات نظام التربية ورغبة الأطر المعنية ومؤهلاتهم المهنية؛
- اعتبار مجتمع المتعلمين والأطر التربوية على اختلاف فئاتهم ومواقعهم، والذي يكاد يبلغ حوالي خمس ساكنة البلاد، النواة الصلبة والقلب النابض للمجتمع المغربي في ضمان الاستقرار الاجتماعي والثقافي، وتطوير الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإنتاج المعرفة والرأي وتنمية روح المبادرة والقدرات الإنتاجية والإبداعية، وتحصين الهوية المغربية والارتقاء بها. ومن بين الجسور الممكنة بين المجتمع التربوي وباقي مكونات المجتمع المغربي ما هو متوافر ينبغي تجديد المبادئ والمرتكزات التي انبنى عليها بما يخدم في آن واحد نظام التربية المراد بناؤه والمجتمع المستقبلي المراد بناؤه، وما هو في طور الإحداث وينبغي تعميمه، وما هو متجاوز ويلزم إعادة النظر فيه بعمق لجعله يساهم في تحسين الانسجام والتناسق بين المجتمع التربوي والمجتمع بصفة عامة، وما هو غير موجود وينبغي العمل على إرسائه وتطويره لتعزيز وتقوية مساهمة النظام التربوي في الرقي بالدينامية المجتمعية إلى مثيلاتها في المجتمعات المتقدمة.
بتبني هذه الاعتبارات الأساسية، سيكون بالإمكان استكمال بناء نظامنا التربوي من الناحية المؤسساتية، وإعطائه الوظائف الثقافية والاجتماعية والاقتصادية المنوطة بأي نظام تربوي متقدم، وتوسيع خبرات أطر الهيئات التربوية والإدارية والتقنية المتدخلة في تحقيق هذه الوظائف وتحفيزها على العمل المشترك.
وعندما تكتمل مستلزمات النظام التربوي هاته، وفقط عندما تكتمل تلك المستلزمات، ويكون بالإمكان الشروع في تحقيق ما يصطلح على تسميته "بالجودة الشاملة".
سواء تعلق الأمر بنظام التربية في سيرورة استكمال بنائه خلال العشرية الأولى للقرن الحادي والعشرين ليستجيب للضغط المتزايد لطلب التربية الذي يرجع السبب فيه بالخصوص إلى تراكم النقص في العرض، أو بنظام التربية، على المدى الطويل، عندما سيستقر ضغط هذا الطلب وتكون الفرصة سانحة لتخصيص حجم أكبر من تمويل التربية لتحسين جودة الخدمات التربوية، فإن المناهج التربوية ستكون دائما القلب النابض والدم الذي يسري في عروق شبكات مؤسسات التربية والتكوين. لذا، وجب اعتبار مراجعة المناهج التربوية باستمرار ضرورة حتمية لضمان حيوية النظام وتجديد نفسه كلما دعت الضرورة إلى ذلك.
انطلاقا من كون المناهج التربوية استراتيجية تربوية تؤثر في مختلف استراتيجيات إصلاح النظام التربوي، وفرضية تدخل في تغيير معالم المدرسة الحالية ووظائفها ودينامية اشتغالها لتستجيب لما تم التخطيط له من إصلاحات، ونظرا للدور المحوري والحاسم للأطر التربوية من أساتذة باحثين ومفتشين وأساتذة ومعلمين في إرساء وتثبيت هذه الإصلاحات، فقد تم اعتماد الاختيارات الآتية في مراجعة هذه المناهج :
- الانطلاق من التراكم الحاصل في مجال المناهج التربوية ومن الاختيارات والتوجهات الصادرة عن لجنة الاختيارات والتوجهات التربوية؛
- توسيع المشاركة في مراجعة المناهج التربوية إلى أطر مجموع الهيئات التي تتدخل في تنفيذها، بشكل مباشر أو غير مباشر، على المستوى الوطني والجهوي والمحلي؛
- الاستناد إلى الخبرات الوطنية وإلى ما توصل إليه البحث العلمي والتكنولوجي بصفة عامة والبحث التربوي بصفة خاصة من مستجدات في تخطيط التربية وتدبيرها؛
- الاستئناس بالتجارب الرائدة والمتميزة في الأنظمة التربوية المتقدمة؛
- إخضاع المناهج الجديدة لاستشارة موسعة على المستويات الوطنية والجهوية والمحلية لإثبات صلاحيتها من طرف من لم يساهموا في إعدادها من الأطر التربوية، ومن طرف ممثلي الجمعيات المهنية المرتبطة بقطاع التربية الوطنية، وممثلي المركزيات النقابية، وممثلي شبكة جمعيات آباء وأولياء المتعلمين، وفعاليات اجتماعية وثقافية واقتصادية من المجتمع المدني؛
- إخضاع المناهج التربوية الجديدة أثناء إرسائها لتقييمات مرحلية تتخللها عمليات الاستدراك والتصحيح في نهاية كل سنة دراسية واعتماد مبدأ المراجعة المستمرة؛
- تسخير أقصى ما يمكن من الموارد المادية والمالية، وتعبئة أطر مختلف الهيئات التربوية، وخاصة منهم المدرسون والمشرفون التربويون وأطر التوجيه التربوي وأطر الإدارة التربوية للمؤسسات التعليمية لإنجاح الانتقال النوعي من الوضعية الراهنة إلى وضعية أحسن تكون فيها جودة الفعل والمنتوج أولى الأولويات والهدف الأساس؛
- العمل على ضمان تكافؤ الفرص وتشجيع المنافسة الشريفة والمبادرة والإبداع في شتى المجالات المرتبطة بالمناهج التربوية وبتكوين المتدخلين فيها والمجالات المتصلة بالبحث والتجديد في التربية والتكوين.
ومن أهم المستجدات التي أتت بها المناهج التربوية الجديدة ما يلي:
1. 1. توزيع جديد للمنظومة التربوية يتجلى في تعليم ابتدائي بسلكين أول ومتوسط وتعليم ثانوي بسلكين إعدادي وتأهيلي؛
2. 2. هيكلة التعليم الابتدائي في سلكين يدوم كل منهما أربع سنوات بعد إدماج التعليم الأولي عند تعميمه في السلك الأول من التعليم الابتدائي؛
3. 3. هيكلة التعليم الثانوي في سلكين، سلك إعدادي وسلك تأهيلي مكون من خمسة أقطاب؛
4. تنظيم الدراسة في السلك التأهيلي في خمسة أقطاب، ويتضمن كل قطب ثلاثة أو أربع شعب بما مجموعه 17 شعبة منها شعب التعليم التقني التي تمثل أهم الهندسات الحالية، وشعب جديدة. وتتوزع الشعب المحدثة إلى نوعيـن : شعب ستحدث تدريجيا في عدد محدود من المؤسسات إلى أن تبلغ 16 ثانوية عند انتهاء إرساء المناهج الجديدة ، واحدة في كل جهة، ويستقر هذا العدد خلال السنوات المتبقية من العشرية ؛ وشعب ستحدث تدريجيا في عدد محدود من المؤسسات، وتزداد في التوسع بثانوية جديدة في كل سنة إلى نهاية العشرية. ويمكن أن تخضع وتيرة توسيع الشعب المحدثة إلى تعديلات في ضوء تتبع وتقييم إرساء المناهج الجديدة وفي ضوء الانتهاء من تحديد المسالك الدراسية للتعليم العالي.
5. 5. إحداث جذع مشترك في دورة نصف سنوية خاص بشعب قطب التعليم الأصيل، وجذع مشترك في دورة نصف سنوية كذلك خاص بشعب الأقطاب الأربعة الأخرى؛
6. 6. الانتقال من السنة الدراسية بثلاث دورات إلى سنة دراسية بدورتين لكل منهما مناهجها المستقلة في جميع الأسلاك التعليمية ؛
7. 7. الانتقال في السلك التأهيلي من تنظيم الدراسة في مواد دراسية ببرامج سنوية إلى تنظيم مجزوءاتي مع تحديد الغلاف الزمني للمجزوءة في ثلاثين ساعة، بعضها ستمكن من تربية المتعلمين على الاختيار واتخاذ القرار وتشجيعهم على التعلم الذاتي.
8. 8. عصرنة المضامين بحيث تم إحداث مادة الإعلاميات بشكل يضمن للمتعلم تكوينا يستمر إلى نهاية الإعدادي ويقترن بمشروع شخصي للمتعلم يصب في التعلم الذاتي، ويتعمق هذا التكوين عند إنهاء التعليم التأهيلي؛
9. 9. إحداث مواد جديدة بحيث تم إحداث مادة التربية على المواطنة في التعليم الابتدائي، وإحداث مادة اللغة الأمازيغية في السنوات الربع للسلك الأول من التعليم الابتدائي، ومواد جديدة مرتبطة بالشعب الجديدة وخاصة في قطب الفنون؛
10. 10. توسيع تدريس مادة اللغة الأجنبية الأولى إلى السنة الثانية من التعليم الابتدائي الحالي عوض الثالثة (أي إلى السنة الثالثة من السلك الأول من التعليم الابتدائي عندما سيدمج فيه التعليم الأولي)، وتدريس اللغة الأجنبية الثانية في الإعدادي وفي السنتين الأخيرتين من التعليم الابتدائي.
وهناك مستجدات تربوية متعددة أخرى تتجلى في المبادئ المنظمة المعتمدة من طرف مختلف اللجان، وفي التناسق الأفقي بين مختلف المواد الدراسية والبناء المتدرج لمفاهيمها وفق آخر ما توصل إليه العلم في ميادين النمو العقلي والنفسي للمتعلم، وبارتباط مع إبستمولوجيا المواد الدراسية على حدة.
وقد كانت مختلف الاستشارات مناسبة لتعميق التفكير حول وظائف نظام التربية والتكوين في علاقاته المتعددة مع مشروع المجتمع، كما كانت حافزا لكل الأطر التربوية وشركاء الوزارة من القطاعات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للانخراط في الإصلاحات الحالية، وتمهيدا للمشاركة والانخراط في الإصلاحات التربوية المرتقبة التي تم التخطيط لها لرفع مستوى نظامنا إلى مستوى أنظمة الدول المتقدمة.
وسيجد القارئ في هذا الجزء الأول من الكتاب الأبيض الاختيارات والتوجهات التربوية المعتمدة في مراجعة مختلف المناهج التربوية، وتدقيقا لهذه الاختيارات والتوجهات على مستوى المواصفات التي ينبغي أن يتوفر عليها المتعلم في نهاية كل سلك من حيث التربية على القيم وتنمية الكفايات، وكذلك على مستوى تنظيم الدراسة في مختلف الأسلاك التعليمية.
يتبع...