خطاب الانتهازيين الفاشلين
الكاتب العام للنقابة الوطنية للتجارة الخارجية
ما أن أعلن عن النتائج الأولية للانتخابات المهنية، حتى سارع بعض ممن يحسبون تعسفا على فئة المناضلين النقابيين إلى رفع لواء الاحتجاج وتوزيع شتى أنواع الاتهامات المجانية على خصومهم بالعمالة للإدارة والمخزن تارة، وبالتواطؤ والتآمر ضدهم تارة أخرى. لا لشيء إلا لتبرير فشلهم الذريع في اكتساح الساحة النقابية وتحقيق الثورة النقابية التي وعدوا بها أتباعهم من بسطاء المأجورين الذين غرر بهم، في غفلة من المناضلين النقابيين الشرفاء، للخروج عن وحدة الصف والتواطؤ مع أعداء الطبقة العاملة من أجل بلقنة المشهد النقابي وتشتيته ضدا على مصلحة الطبقة العاملة، هذا في الوقت الذي تتمسك فيه الباطرونا بنقابة واحدة تحاور من خلالها الحكومة لتبقى بذلك أكثر وحدة وأكثر قوة حتى من الحكومة نفسها.
لذلك فأشباه النقابيين هؤلاء، نجدهم اليوم يركزون كل مجهوداهم وبكل ما أوتوا من قوة من أجل مغالطة أتباعهم وإقناعهم بأسباب أخرى غير الأسباب الحقيقية لفشلهم وبأنهم سيظلون هم وحدهم، ولا أحد سواهم، الأكثر التصاقا بهموم الطبقة العاملة وأن الثورة العمالية التي وعدوا بها وإن تحققت كانت ستمكن الطبقة العاملة من نيل حقوقها كاملة وزيادة. ولأنهم كذلك، فقد استشعر الجميع، باطرونا ومخزن وخصوم نقابيون، خطورتهم فتآمروا ضدهم خوفا على مصالحهم الخاصة ومخافة أن تنقلب الموازين لصالح الأجراء وضدا على التاريخ. فاتفق الجميع، في وحدة مشبوهة، على قطع الطريق أمامهم وإبقاء الأمور على ما هي عليه.
ولعل قراءة خاطفة في نتائج هذه الانتخابات المهنية ستبين لنا أن أصحاب هذا الخطاب هم أؤلك المحسوبون على تلك النقابات التي حصدت أكبر عدد من الأصفار أو تلك التي لم يتمكن شيوخها من الحصول على نسبة التمثيلية المطلوبة التي تضمن لهم أخذ صور تذكارية مع الوزير الأول وتحقق لهم الإشعاع المطلوب للحزب بين صفوف الأجراء أو الحصول على عدد معين من ممثلي الأجراء يوصلهم إلى مجلس المستشارين لتحسين وضعهم الاجتماعي الذي عملوا من أجله دون جدوى وهم في حضن نقاباتهم الأصلية، إما لأن أمرهم انكشف وإما لأن أكتاف رفاقهم كانت ملساء أكثر من اللازم ولم تسمح لهم بالتسلق من فوقها للوصول إلى ما كانوا يطمحون إليه.
وليس غريبا إذن، أن نجد بعض النقابات تلوح بإعادة النظر في كيفية احتساب التمثيلية المعمول بها حاليا لتكون على أساس الأصوات المحصل عليها وليس على قاعدة عدد الممثلين، وهي تعلم جيدا أن التمثيلية منصوص عليها في مدونة الشغل وأن طلبها هذا لن يتأتى إلا من خلال مراجعة المدونة التي تعتبر من أهم مطالب الباطرونا، لتسقط بذلك في تناقض صارخ مع الذات إذا ما علمنا بموقفها من مراجعة المدونة.
هذا هو الخطاب الذي تحاول هذه المسوخ النقابية تمريره إلى الأجراء لرهن مصيرهم بين أياديها لمدة ست سنوات أخرى، وإتاحة الفرصة لها من جديد للاستمرار في الاحتيال على بسطاء العمال وتعييشهم على وهم ذلك اليوم المنشود الذي سينالون فيه كل حقوقهم وإلى أن يحين موعد الانتخابات من جديد، ليتكرر نفس السيناريو.
ولنا اليقين أن هذه الدكاكين والزوايا النقابية، لن تقضي هذه الفترة الاستدراكية في النضال وفي العمل الجاد والدفاع عن المصالح الحقيقية للطبقة العاملة من أجل اكتساب القواعد، ولكن ستستثمر كل مجهودها في الضرب في العمل النقابي وفي اتهام النقابات الأخرى بالبيروقراطية والاسترزاق والعمالة للمخزن وللباطرونا، لا لشيء إلا من أجل استقطاب الانتهازيين والجوكيرات النقابية من داخل المركزيات النقابية الأخرى أو من أجل السطو على مكاتب نقابية بكاملها وإعادة تصنيعها من جديد حتى يسهل استعمالها بالشكل الذي تريد وكما تشاء. هذا الاستعمال الذي يمكن أن يوجه، في أغلب الحالات، لخدمة أهداف حزبية ضيقة دون أدنى اعتبار لمصالح الطبقة العاملة ولأخلاقيات العمل النقابي. وقد أبانت هذه الانتخابات كيف أن إحدى النقابات لم تجد حرجا، في طبع لوائحها الانتخابية برمز الحزب الذي تتبع له. وهي النقابة نفسها التي كانت مسرحا لأكبر عدد من الانسحابات بسبب الاستغلال المفرط للنقابة من طرف الحزب.
ولا يجب أن يفهم من كلامنا هذا، أننا ننفي استشراء البيروقراطية والارتزاق داخل النقابات التي ليست إلا وليدة لبيئتها، لها ما لها وعليها ما عليها وفيها ما في سواها. ولكن قناعتنا بضرورة دمقرطتها وإعمال مبدأ الشفافية في تسييرها هي قناعة راسخة ولن يتأتى لنا ذلك إلا من خلال النضال والكد من داخل هذه النقابات وممارسة "النقابة في النقابة" إن اقتضت الضرورة ذلك. ولأولئك الرافضين للتغيير، نقول إذا ضقتم ذرعا بكدنا النضالي فنحن في نقابتنا باقون فهي لكل المغاربة وهي ليست لأحد حتى نطرد منها ويرهن مصيرها بمصيركم، وكونوا على يقين أنه لو تسنى لكم طردنا عبر أبوابها الواسعة، فسنعود إليها حتما حتى لو تطلب منا الأمر أن نتسلل إلى داخلها عبر نوافذها الضيقة. والنصر سيكون في نهاية المطاف إلى جانب من قاوم والهزيمة لمن تهاون؛ وهذا هو الجواب لمن يستفسر عن سر تشبث أولائك المناضلين الشرفاء بمركزياتهم النقابية التي يقال عنها ما يقال.