حوار ممتع مع عالم الاجتماع الفرنسي آلان تورين
ترجمة ناجي نصر
توطئة: (المترجم)
أحد الشباب يجيب على أسئلة باحث اجتماعي قائلا أن أكثر الفئات الاجتماعية التي يكرهها هي الشرطة، و فئات المعلمين، والمرشدين الاجتماعيين، لأنهم ” يكذبون علينا، يخدعوننا، يدعوننا للاندماج في مجتمع لا يقبل الاندماج “. يرى آلان تورين* أننا في السابق كنا نتحدث عن أنفسنا بمفردات اجتماعية، أما اليوم فإننا نتحدث عن أنفسنا بمفردات ثقافية. كيف نفهم عالم اليوم؟ ماهو دور المرأة فيه؟ هذه الأسئلة يحاول أن يجيبنا عليها تورين في هذه المقابلة.
****
س: إنه من المثير للفضول أن يقول عالم اجتماع أننا نعيش تدمير ما هو اجتماعي، نهاية التمثيل الاجتماعي لوجودنا؟
ج: ما يحدث في باريس يتطابق إلى حد كبير مع تدمير ما هو اجتماعي. حتى منتصف القرن التاسع عشر كنا نتحدث بمصطلحات سياسية: حرب، سلام، نظام، فوضى، هذه المقولات هي التي كانت تؤسس رؤيتنا وممارستنا. بعد ذلك خلال قرن ونصف تمثلنا و مارسنا وجودنا بمصطلحات اقتصادية - اجتماعية، في هذا النموذج كانت المصطلحات هي: رأس المال، العمل، الإضراب، السوق، كل هذا تهاوى، الآن لسنا في هذا البراديغم.
س: ما الجديد؟
ج: البراديغم الثقافي، الاجتماعي لم يعد مفيدا، لسببين رئيسيين: أحدهما العولمة، والتي تعني أن الاقتصاد ينظم على مستوى عالمي، ولا يوجد مؤسسات على هذا المستوى، إنها تنأى بنفسها عن الاقتصاد، الذي هو الآن معولم، وعن الاجتماعي والثقافي والسياسي، مثال له دلالة بهذا الخصوص هو زوال المدينة، الحديثة عادة، المدينة، المدنية، المواطنة، إنهم يغادرون، يتم تكوين مناطق سكانية، مثل بانليو باريسbanlieue، المدن الكبرى megalopolis ليست مدنا، هي مناطق سكانية، المدن التي نعيش فيها ممزقة بين الصفوة golden boys الذين يعيشون الاقتصاد من دون المجتمع، آخرون يعيشون تقريبا، وأخيرا جماهير مستبعدة ومهمشة.
س: ما هو السبب الآخر؟
ج: لقد انتقلنا من مجتمع الأماكن إلى مجتمع التدفقات، مع الحركة، والهجرة، التلاقي والصدام بين الثقافات، المشكلة الظاهرة في أوروبا بشكل اكبر هي مشكلة المهاجرين، الكثيرون يجدون صعوبة في التفكير بمصطلحات متجانسة كما أن هناك صعوبة في دمجها، إنها المشكلة الأكثر مأساوية، بكل الأحوال، حتى تاريخ الحالة الفرنسية، القطيعة كانت الى حد كبير محدودة: الناس لم تتحرك ضد هؤلاء الشبان لأنهم يرون أنهم يعانون من المشاكل، لكن فرنسا بلد أماكن، جواهر، إنها بلد حقوق الإنسان، و يبدو من الصعب فهم بلد التدفقات، يقبل الوافد في حال تطابق، اذا لم يحدث ذلك، هناك رفض ويعامل كدون، هناك صعوبة بالغة في الإقرار بالاختلاف و بالآخر، هناك حاجة للنقد لأننا مع الوقت نصبح أكثر عجزا عن التوفيق بين التعدد الثقافي والانتماء إلى ذات الأمة والدفاع عن قيم كونية.
س: إذن، تسيطر العوامل الثقافية؟
ج: في عالم يعيش حركة مستمرة من المستحيل السيطرة عليه، ماذا لدينا كي ندافع عن هويتنا، استقلالنا الذاتي، وحريتنا؟ اليوم كل شيء خاضع للسيطرة، مصنّع، فقط لدينا مبدأ المقاومة وشرعية السلوك، الدفاع عن حقي بالوجود كفرد و أن لا أكون خارج العالم، الحقوق في البداية كانت سياسية، وبعد ذلك أصبحت اجتماعية، والآن ثقافية، سواء كان نوع الطعام، الجنس، الدين، أو طريقة العيش، نعيش في عالم حيث الأوليات ليست لاحتلال العالم و إنما لتكوين الذات، الآن تكويننا يكون من خلال الجنسانية كما كان من خلال العمل في وقت آخر، يتناولون في البرلمانات مشاكل ثقافية أكثر من المشاكل الاجتماعية، بدءا من القتل الرحيم وحتى زواج المثليين، العالم الخاص اجتاح العام، والثقافة اجتاحت السياسة.
س: ألا يمكن أن يؤدي ذلك إلى نشوء معازل ثقافية ghettos ؟
ج: بدلا من صراع الطبقات اليوم هناك صورتين متعارضتين للفردانية، واحدة تدافع عن الهوية، والتجانس المجتمعي، والذي يلغي الأقليات، إنه خطير جدا كما اللينينية، التي باسم الطبقة العاملة أرادت فرض ديكتاتورية البروليتاريا، أمام هذا هناك فردية جديدة تدافع عن حق كل فرد في التحكم ببيئة الأنشطة البشرية، أحكام قيمية حول كيفية التصرف مع الآخرين، مع الجسد، مع الجنسانية.
س: إلى أي حد؟
ج: كيف يمكن التوفيق بين التعدد والوحدة؟ من دون عناصر مشتركة للتواصل غير ممكن، إذا كنا جميعا مختلفين، فقط نستطيع استخدام السوق أو البندقية للتواصل، ولكن بالرغم من أنه يوجد حداثة واحدة، هناك طرق عديدة للوصول للتحديث عندما يتم احترام العقلانية وحقوق الانسان.
س: تنظر لهذا التغيير كانتقال من تحديث بدلالة ذكورية إلى أخرى أنثوية.
ج: النموذج الأوروبي لتمركز الموارد بيد نخبة ذكورية لا يجري استبداله بنخبة أنثوية، و إنما بمحاولة المرأة إعادة بناء عالم، وتجربة شخصية وجمعية، مقسمة بين اثنين، ليس لديهن الأسلحة، ولكن لديهن الكلمة، يتم التحدث إليهن كضحايا، ولكنهن أيضا مبدعات، رائدات ثقافة جديدة.
منقول للافادة
تحية طيبة من yaso_780
السيــد : ياسيــن كحلي
دمتـم محبي للحكمــة